آخرهم مارتن سولفيغ.. فنانون انسحبوا من الأضواء في ذروة شهرتهم

في عالم تتغذى فيه الشهرة على الأضواء والتصفيق، هناك فئة نادرة من الفنانين اختارت أن تنسحب من المسرح وهي في قمة النجاح.
مع إعلان النجم الفرنسي مارتن سولفيغ اعتزاله الحفلات بعد مسيرة دامت ثلاثة عقود، يعود الحديث مجددًا عن تلك اللحظات الصادمة التي قرر فيها كبار الفن ترك الميكروفون، أو غلق الكمبيوتر الموسيقي، أو التوقف عن العزف... بينما كانت الجماهير لا تزال تهتف بأسمائهم، بحسب صحيفة "لوباريزيان" الفرنسية.
مارتن سولفيغ: انسحاب هادئ بعد 30 عامًا من الإيقاع
في أمسية مشحونة بالعواطف، وأمام الآلاف من محبيه في مهرجان "فيي شاريه" بمدينة كارهايكس (غرب فرنسا)، صعد مارتن سولفيغ إلى المسرح ليقول كلمته الأخيرة كفنان حفلات. "طوال حياتي، كل مرة كنت أعتلي فيها المسرح، كنت أقول لنفسي: تصرّف كأنها آخر حفلة في حياتك... واليوم، فعلاً هي كذلك"، صرّح وهو في الـ48 من عمره.
مارتن سولفيغ، المعروف عالميًا بأغاني مثل Hello وThe Night Out، قرر إنهاء مشواره في العروض الحيّة وهو لا يزال في أوج عطائه. قراره لم يكن نتيجة أزمة أو سقوط فني، بل اختيار مدروس لإنهاء الفصل المسرحي من حياته باحترام كامل لما أنجزه.
جاك بريل: شاعر الأغنية الذي اختار الرحيل قبل أن يتعبه الصوت
ومن أشهر الانسحابات التي لا تُنسى في تاريخ الموسيقى الفرنسية، قرار جاك بريل التوقف عن الغناء عام 1967، وهو في قمة المجد. صاحب "Ne me quitte pas" أعلن فجأة أنه سيغادر المسرح. لم يكن الأمر هروبًا من النجاح، بل تعبيرًا عن الكمال الفني؛ شعر بريل أن صوته لم يعد يخدم كلماته، فاختار التوقف وهو في قمة الإبداع.
رغم انسحابه، ظل بريل حاضرًا بقوة عبر أفلامه وألبوماته، لكنه لم يعد للمسرح قط، رغم توسلات الملايين.
جان-جاك غولدمان: الغياب الذي لم يُملأ
هو واحد من أكثر الفنانين المحبوبين في فرنسا، ورغم ذلك، اختار جان-جاك غولدمان التواري في صمت شبه تام منذ عام 2002. صاحب "Je te donne" قرر التوقف عن الحفلات، وعن إصدار أغانٍ جديدة، وابتعد عن الحياة العامة.
لم يعلن اعتزالًا رسميًا، ولم يُقم حفل وداع. بل ببساطة انسحب، وترك وراءه رصيدًا فنيًا من الكلاسيكيات، وجمهورًا لا يزال يأمل في عودته، رغم مرور أكثر من 20 عامًا.
ديامس: من الراب إلى الروح
ربما من أكثر قصص الاعتزال إلهامًا في الساحة الموسيقية الحديثة. ديامس، مغنية الراب التي هزت فرنسا في بداية الألفية، اختارت الانسحاب من الفن عام 2009، بعد صراع طويل مع الاكتئاب والضغوط النفسية.
قرارها لم يكن مفاجئًا فقط لجمهورها، بل حتى لزملائها في الوسط الفني. ديامس وجدت في الدين والسلام الداخلي ما لم تجده في الأضواء، ومنذ اعتزالها كرّست حياتها للأعمال الإنسانية، وكتبت سيرتها الذاتية التي تحوّلت إلى ظاهرة اجتماعية وفكرية.
دافت بانك: الصمت بعد الابتكار
في عام 2021، فجّر الثنائي الإلكتروني الفرنسي الشهير Daft Punk مفاجأة كبرى بإعلان تفككهما عبر فيديو غامض حمل عنوان "Epiloque"، بعد 28 عامًا من الريادة الموسيقية.
الثنائي المكوّن من توماس بانغالتر وغي مانويل دو هومم-كريستو لم يقدم أي سبب مباشر، ولم يُفصّل الخطوة. لكن من يعرف فلسفة داڤت بانك، يدرك أن الانسحاب في القمة كان دومًا جزءًا من رؤيتهما، التي تمزج بين الغموض والإبداع والهوية المموهة.
الانسحاب من القمة... قرار لا يتخذه إلا الكبار
في عالم تتسارع فيه الإيقاعات ويُستهلك فيه الفن بسرعة، فإن قرار التوقف بينما لا تزال في القمة ليس فقط جريئًا، بل في كثير من الأحيان... نادر ونبيل.
قد يرى البعض هذا النوع من القرارات خسارة للجمهور، لكن آخرين يرونه انتصارًا للذات، وللفن الصادق، ورفضًا للابتذال والاستنزاف.
ومن بريل إلى ديامس، ومن غولدمان إلى دافت بانك، وصولًا إلى سولفيغ، تظل هذه الانسحابات محفورة في الذاكرة، ليس فقط لأنها كانت مفاجئة، بل لأنها تروي قصة نضج، وفهم عميق لمعنى الإبداع الحقيقي.