رجال قواتنا المسلحة "فخر الوطن وسدّه المنيع ورمز قوته ومنعته"
من بين كل المناسبات الوطنية في تاريخ الأمم والشعوب، يبقى الاحتفال بالشهداء متفرداً بمعان عميقة في الوجدان والضمير الوطني، فلهم في القلوب مكانة خاصة، ولدينا تجاههم مشاعر استثنائية، فهم من وهبوا أوطانهم أغلى ما يمتلكون، ومن منا يرتقي لهذه القناعة الوطنية السامية، ومن منا يستطيع مغالبة أهوائه ليؤمن بأن الوطن فوق كل اعتبار، فعلاً لا قولاً؟ إنهم نخب الوطن وخيرة الرجال، الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه، وبذلوا دماءهم وأرواحهم في سبيل الدفاع عن الحق وراية الوطن؛ التي ما ارتضوا لها سوى أن تبقى عالية خفاقة في سماء الأمم.
يوم الشهيد ليس مناسبة وطنية فحسب، بل وقفة زمنية مهمة لاستخلاص الدروس والعبر من قصص هؤلاء الأبطال وسيرهم الخالدة، بما يسهم في تعزيز الولاء والانتماء في نفوس أجيالنا الجديدة، التي تستحضر بطولات الشهداء في البذل والعطاء دفاعاً عن الحق والواجب والانتصار للمبادئ والثوابت.
منذ أن روت دماء شهدائنا الأبرار أرض اليمن الشقيق، قالها صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، لذويهم: "أنتم عظم رقبة"، ليرسّخ قاعدة عميقة في علاقة الوطن بأبنائه الأبرار، فهي علاقة متينة لا تنفصم.
ولذا فإن قرار صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة ـ حفظه الله ـ بتخصيص يوم الثلاثين من نوفمبر من كل عام للاحتفال بيوم الشهيد، قد أضاف إلى مناسبتنا الوطنية واحدة من أهمها وأكثرها قرباً للقلوب والنفوس، فهي احتفال بذكرى شهداء أبرار يحتفظ لهم كل شبر سارت عليه أقدامهم في هذه الأرض بذكرى عطرة وسيرة طيبة.
رجال قواتنا المسلحة "فخر الوطن وسدّه المنيع ورمز قوته ومنعته" وهم "المدافعون عن الحق ضد الظلم والبغي والعدوان" كما قال صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، وشهداؤنا رمز خالد لدفاع دولة الإمارات عن قيمها ومبادئها ومثلها التي تأسست عليها وغرسها في أعماق أبنائها جيلاً وراء جيل، المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان طيب الله ثراه.
لم ولن تذهب دماء شهدائنا سُدى، فقواتنا المسلحة الباسلة حققت انتصارات مجيدة في اليمن، سواء في تحرير معظم أراضي هذا البلد الشقيق من قبضة عصابة تعمل لمصلحة دولة لا تضمر سوى الحقد والشر تجاه دولنا، أم في التصدي لخطر الإرهاب "القاعدي"، الذي يعشش في ربوع هذا البلد منذ سنوات طويلة مضت، وتعايش معه واستخدمه نظام الرئيس السابق علي عبد الله صالح، فجاء تحرير العديد من المناطق والمدن التي كانت تسيطر عليها "القاعدة" بمنزلة حرب عادلة ومشروعة تخوضها دولتنا من أجل مستقبل الملايين من أبناء هذا الوطن.
لذا فإن يوم الشهيد ليس مناسبة وطنية فحسب، بل وقفة زمنية مهمة لاستخلاص الدروس والعبر من قصص هؤلاء الأبطال وسيرهم الخالدة، بما يسهم في تعزيز الولاء والانتماء في نفوس أجيالنا الجديدة، التي تستحضر بطولات الشهداء في البذل والعطاء دفاعاً عن الحق والواجب والانتصار للمبادئ والثوابت.
واحتفالنا جميعاً بيوم الشهيد هو احتفال بأغلى ما يمتلك الوطن، تضحيات الشهداء، فالأمم والدول تبنى ويعلو بنيانها بتضحيات أبنائها، لذا دائما ما يتصدر الشهداء صفحات التاريخ المجيد لكل الدول والشعوب، فهم من وهبوا الحياة لمن بعدهم وهم من سجلوا أسماءهم بحروف من نور في سجلات الخالدين.
ولاشك أن الاحتفال الوطني السنوي الكبير بذكرى الشهداء، والذي يُقام في "واحة الكرامة" يضفي على هذا اليوم عمقاً وبعداً مهماً، فهو رسالة واضحة تعكس التلاحم والاصطفاف الوطني، وتؤكد خصوصية العلاقة القوية بين القيادة الرشيدة والشعب، فالمناسبة لها رمزية خاصة، كونها تجمعنا على الولاء والوفاء لذكرى جزء غال من أبناء الوطن، والاحتفاء بأصحاب البطولات والأمجاد، كي تبقى خالدة شامخة أمام أعين أبناء الوطن كافة.
كلمة خاصة أوجهها في هذه المناسبة الوطنية الغالية لأم الشهيد، قلب الامارات وروحها النابضة بالحياة، التي أبهرتنا جميعاً بجلدها ووطنيتها والمخزون الهائل من الحب الذي تختزنه في قلبها لهذه الأرض ...هذه الأم العظيمة التي لا نجد من كلمات القاموس اللغوي ما يسعفنا في الوفاء بحقها، فلم تكن كلمات أمهات الشهداء سوى تعبير عن نبض هذا الوطن، وتأكيد على المعدن الأصيل للمرأة الإماراتية، المدرسة التي تخرّج لنا أجيالاً تلو الأخرى من الأبطال البواسل، فقد علمتنا أم الشهيد معاني جديد للوطنية والفداء والبذل والعطاء والإيثار، وعلمتنا كيف نربي أولادنا وبناتنا، وألقت إلينا، من دون قصد منها، دروساً في حب الوطن من دون أغانٍ أو أشعار، فقد جاء حبها الفطري لتراب وطننا عفوياً خالصاً لا تشوبه شائبة، ولا يخالجه شك، فتدفقت كلماتها للتعبير عن مكنون صدر الأم الحقيقية التي نشأت وترعرعت على مبادئ وقيم زايد الخير، طيب الله ثراه، وآمنت بأن بلدها وقيادتها تستحق كل تضحية وفداء.
فلن أنسى ما حييت قصة المواطنة آمنة سالم المراشدة التي كان أبناؤها السبعة ينتسبون للقوات المسلحة وكانوا يتواجدون جميعهم في مهام وطنية مختلفة خارج البلاد، وأصرت على أن يلتحق ابنها الثامن بالقوات المسلحة الإماراتية، التي آثرت أن يبقى الابن بجوار أمه ليرعاها، بحسب قيمنا وتعاليم ديننا الحنيف، فما كان من الأم إلا أن أبلغت القوات المسلحة أنها سترفع الأمر إلى صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، الذي بادر إلى زيارة الوالدة في منزلها، تقديراً لوطنيتها باعتبارها مثلاً وقدوة نادرة يجب ان نحتفي بمثلها جميعاً.
قصص عظيمة للإيثار والتضحية وحب الوطن تقدمها أم الإمارات، التي تعلو وتضاهي أكثر الأمم تقدماً وحضارة وتطوراً بمثل هذه النماذج من الرجال والنساء والشباب، لذا ليس غريباً أن تجتمع الإمارات اليوم كلّها على قلب واحد لتعبّر عن وفائها وتقديرها لكل تضحية قُدِّمت من أجلها.
شهداؤنا موضع فخرنا واعتزازنا، فشهادتهم تاج على رؤوس ذويهم وأبنائهم وشعب الإمارات جميعاً، فقد كتبوا أسماءهم وبطولاتهم بحروف من نور في سجلات تاريخ وطننا الغالي، وباتت دماؤهم الطاهرة خير دليل وبرهان على ما يربط الشعوب الشقيقية ببعضها البعض، فقد دافع هؤلاء الأبطال عن أشقائهم في اليمن، وضحّوا من أجلهم بأغلى ما يمتلكون ليسجلوا في صفحات التاريخ أن ما يربط الإمارات بشعب اليمن دماءٌ ذكية، وأن أبناء الامارات مؤمنون بمبادئها وقيمها وماضون في الدفاع عنها حتى وإن بذلوا من أجل ذلك الدماء والأرواح.
إننا أيها الشهداء على دربكم ماضون، ولرسالتكم حافظون وستظل أرواحكم تضيء حياتنا، وأكبر تكريم لأرواحكم الذكية "هو إنجاز المهمة التي استشهدوا من أجلها؛ وهي مهمتنا جميعاً أن تبقى الإمارات عزيزة شامخة، رايتها عالية خفاقة، وسوف نمضي بكل قوة وعزيمة في طريق العلو والمجد، طريق العزة والتقدم والازدهار" كما قال صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان.
في هذا اليوم الوطني المجيد، خالص دعواتنا أن يرحم الله عز وجل شهداء الحق والواجب في يوم مجدهم وعزة الإمارات وفخرها، وأسكنهم جناته الخالدة وجزى أهلهم وذويهم خيراً، وحفظ دولتنا الغالية وقيادتنا الرشيدة من كل سوء.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة