"شجرة لكل شهيد".. ثورة ضد الحرائق لغرس 1.5 مليون نبتة في الجزائر
"شجرة لكل شهيد"، قصة "ثورة جديدة من أجل الأرض" بالجزائر لكن من نوع آخر، لمحو آثار الحرائق وتكريم خاص لمن ضحوا بأرواحهم من أجل الأرض.
وولدت تلك المبادرة من رحم أزمة الحرائق التي زادت همة شباب متطوعين بمختلف محافظات الجزائر، استلهموها من شهداء ثورة الجزائر، فقرروا تحدي آثار الحرائق الأخيرة التي شهدتها البلاد، الشهر الماضي، وأودت بحياة 169 شخصا وخسائر مادية هائلة.
- شهادات ناجين من محرقة غابات الجزائر.. شبيهة بأفلام نهاية العالم
- حرائق غابات الجزائر.. ملحمة التضامن تتحدى ألسنة النيران
ومن مختلف الولايات الشرقية والوسطى التي شوهتها موجة الحرائق، أطلق شباب متطوعون وجمعيات خيرية مبادرة لغرس مليون ونصف مليون شجرة، ليس تيمناً فقط بعدد شهداء ثورة الجزائر التحريرية ضد الاحتلال الفرنسي (1954 – 1962)، بل "صدقة جارية" على أرواحهم.
وتهدف المبادرة إلى إعادة الروح للمساحات الغابية التي أتت عليها ألسنة نيران الحرائق الأخيرة، وإعادة ترميم أراضيها بغطاء نباتي جديد "متبرك" بأرواح الشهداء لـ"إنقاذ رئة الجزائر".
مبادرة لقيت تجاوباً واسعاً من قبل أهالي المناطق المتضررة من الحرائق، خصوصاً بولايات تيزيوزو وبجاية وخنشلة وسطيف والطارف، حيث انضم إليها مواطنون ومزارعون لإعادة ترميم غاباتهم وأراضيهم.
وتمتلك الجزائر مساحة غابية تقدر بنحو 4.1 مليون هكتار، وتقام سنوياً مبادرات رسمية للتشجير وصلت إلى 11 مليون و500 ألف شجرة مع نهاية العام الماضي.
رهان من أجل شهيد
مبادرة شباب الجزائر مثلت رهاناً وتحدياً كبيرا يضاهي الآثار والخسائر الفادحة التي خلفتها الحرائق المهولة، وتعتمد المبادرة في مرحلتها الأولى على جمع مليون ونصف مليون شجرة، لتوزيعها على القرى والمدن التي تضررت من الحرائق.
وحسب ما تم تداوله عبر منصات التواصل من قبل أصحاب المبادرة، فقد اختاروا بدايتها من ذكرى تاريخية نضالية خلال فترة الاحتلال الفرنسي، وهو تاريخ 20 آب/أغسطس الماضي، ولم تلقى صداها المنشود إلا في الأيام الأخيرة.
وتاريخ 20 آب/أغسطس عام 1955 كان محطة مفصلية في نجاح الثورة التحريرية الجزائرية، إذ كان هذا اليوم بداية لتوسع رقعة الثورة في معظم محافظات الجزائر.
وفي هذا اليوم شن ثوار جزائريون بشمال محافظة قسنطينة شرقي البلاد هجمات مسلحة واسعة على كافة المنشآت والمراكز الحيوية ومراكز الشرطة التابعة للاحتلال الفرنسي، وتمكنوا من استعادة عدة قرى ومدن حتى خارج قسنطينة بعد إخراج قوات الاحتلال الفرنسي.
وأسهمت هذه الهجمات في تغيير المعادلة وقلب موازين القوى، إذ كانت نتائجها أكبر من المتوقع بعد أن أعلنت كافة الأحزاب السياسية آنذاك انضمامها للثورة، وتوسع رقعتها في المدن، وإدراج ملف الجزائر في الأمم المتحدة كقضية تصفية استعمار.
ومن هنا ولدت مبادرة "شجرة لكل شهيد" التي اختارت التأكيد على قيمتين كبيرتين لدى الجزائريين، واحدة تاريخية رمزية والثانية عن قيمة التكافل الاجتماعي والتي برزت بشكل كبير في حرائق الغابات الأخيرة.
واختار أصحاب المبادرة تقسيمها إلى مراحل، تبدأ الأولى بغرس 150 ألف شجرة تم تجهيزها في المشاتل، في انتظار اتساع عددها إلى 1.5 مليون شجرة.
ثورة بيئية
وكان لافتاً في مبادرة "شجرة لكل شهيد" اختيارها لكل ما يرمز لنضال الشعب الجزائري من أجل نيل استقلاله، من عنوانها الذي سيكون صدقة جارية على أرواح شهداء الجزائر، وتاريخ ميلادها في 20 آب/أغسطس، وكذا موعد تنفيذها.
إذ قرر أصحابها أن يكون تاريخ انطلاق حملة التشجير الكبرى في الأول من نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، والذي يصادف الذكرى الـ67 لاندلاع الثورة التحريرية ضد الاحتلال الفرنسي، وهي الذكرى "المقدسة" عند الجزائريين بعد ذكرى عيد الاستقلال.
وعن نوعية الأشجار التي تقرر غرسها، فقد تم تقسيمها إلى أشجار مثمرة خصوصاً أشجار التفاح التي كانت ولاية خنشلة أكبر منتج لها في الجزائر، لكن الحرائق الأخيرة التهمت معظم مساحات أشجار التفاح التي تتميز بها هذه الولاية التاريخية الواقعة شرقي الجزائر.
بالإضافة إلى أشجار الصنوبر الحلبي التي تحولت إلى رماد بفعل موجة الحرائق، وكذا أشجار الزينة.