"بوابة العين" في عزاء شهداء الواحات.. 5 حكايات عن البطولة
بوابة العين الإخبارية تلتقي بأسر 5 شهداء في معركة الواحات بمصر، والتي جرت وقائعها يوم الجمعة الماضي، لتكشف جانبا من حياتهم
ما بين الحزن والفخر تتباين مشاعر أسر شهداء 16 عنصراً أمنياً، سقطوا في هجوم الواحات بمصر، إذ بدأ ذووهم في استعادة ذكرياتهم حول صغارهم الذين أصبحوا بين ليلة وضحاها شهداء للوطن على يد الإرهاب الغاشم.
وبين مكلوم غالب دموعه، وآخرين بدوا متماسكين، تواصلت بوابة "العين الإخبارية" مع 5 أسر، اكتست قلوبهم بالسواد بعد استشهاد ذويهم، مطالبين بالقصاص من الإرهابيين، بعدما وجهوا رصاصهم الغادر إلى صدور أبنائهم، فأصابوا بها الأبناء والآباء معًا.
ويوم الجمعة الماضي، استشهد 16 من عناصر الشرطة المصرية إضافة إلى مقتل وإصابة 15 إرهابياً، ليل الجمعة، في تبادل لإطلاق النيران مع إرهابيين بالواحات البحرية، غرب القاهرة.
أحمد حافظ أبو شوشة: "الإرهابيون ليسوا سوى دجاج"
"الإرهابيون دول فراخ (دجاج) مش أكتر".. وصفٌ صاغه النقيب أحمد حافظ أبو شوشة، منذ أن قرر الالتحاق بالقوات الخاصة لمكافحة الإرهاب، ليعكس به قناعته بالقدرة على هزيمة الإرهاب، حتى بات يكرره وسط أصدقائه وعائلته، ممن تذكروا مقولته عقب استشهاده في حادث الواحات.
ومن السويس شمال شرقي العاصمة القاهرة، يحكي عم أحمد، لـ "بوابة العين الإخبارية" ما يتذكره عن ابن أخيه، مفضلًا ذكر اسمه بـ"عم الشهيد" قائلًا: كان في مقدمة زملائه، اجتاز هم جميعًا في الامتحانات بالأكاديمية (أكاديمية الشرطة)، ما أعطاه الحق أن يختار طريقه فيما بعد، ليطلب الالتحاق بالقوات الخاصة رغبة منه في الدفاع عن مصر.
يتابع: لطالما سألته أنا ووالده لماذا يُصر على هذا القسم بالتحديد، فكان يجيبنا بابتسامة من قُدر له أن يكون شهيدا، متحدثًا معنا عن ضرورة وجود عناصر تواجه الإرهاب عن قناعة، وأن دورنا جميعًا الدفاع عن مصر، كل في موقعه.. فما كان منا إلا الدعاء له.
ورغم أن "شوشة"، كما يحب أصدقاؤه مناداته، هو الابن الوحيد لشقيقتين غيره، فإن والده قال فور علمه بخبر وفاته، إنه لو "كان لدي 10 أولاد ما تأخرت عن تقديمهم للوطن"، مرددًا عبارة ابنه "زي ما أحمد كان بيقول الإرهابيين دول شوية فراخ مش أكتر.. ولن يجعلوني أفقد إيماني بالله.. حسبي الله ونعم الوكيل".
يلتقط الحديث من والده، خالد خميس وهو أحد أصدقاء شوشة، وابن عمته، فيقول لبوابة "العين": أحمد عمره ما أذى حد.. كان دائم الابتسامة والضحك.. وكان يحب شغله أكثر من أي شيء آخر.. كنت أتصل به في الإجازة فأجده في عمله... لم يكن شخصًا عاديًا.
يعود "خالد" بالذاكرة لأيام الطفولة قائلًا: من صغره كان يحب لعبة المصارعة، وأي شيء له علاقة بالأمن، مازلت أذكر أنه كان يدافع عني في المدرسة.. فلا استغرب أن يستشهد اليوم دفاعًا عن الوطن.
أحمد زيدان.. ترك الهندسة لأجل الشرطة
ومن شرقي العاصمة المصرية القاهرة، اختار أن يترك كلية الهندسة البحرية، رغم تفوقه في أول ترم بالسنة الدراسية، إذ كان لديه حلم أكبر وهو الالتحاق بأكاديمية الشرطة.. هكذا يتذكر إبراهيم حمودة، صديق النقيب أحمد طارق أحمد زيدان، كيف أصر أحمد على اختياره وسط مخاوف والدته.
يقول إبراهيم، صديق أحمد المقرب، لـ "بوابة العين" الإخبارية: مجموعه في الثانوية العامة كان كبيرا وفعلًا التحق بالهندسة لكنه قدم أوراقه لكلية الشرطة، كان يحلم بالالتحاق بها، ما دفعه لترك الكلية رغم اجتيازه الترم الأول.. مازلت أذكر كل شيء يتعلق به كيف كانت أخلاقه وكيف أحب هذا البلد وسعى للدفاع عنه.
يصمت إبراهيم لبرهة، ثم يروي كيف عرفوا خبر وفاته: لم نكن نصدق أنه استشهد، حتى بعدما تأكدنا من الحادثة، وأن زيدان كان في هذه المهمة، شعرنا بالاطمئنان حينما عرفنا بأنه مصاب رغم أن الإصابة خطيرة وهي قطع قدمه لكن كنا نمني أنفسنا بإسعافه، وصدمنا بخبر وفاته.
أحمد عبد الباسط.. عريس الشرطة
قبل أشهر قليلة، تقدم إلى خطبة الفتاة التي اختارها، لم يكن يعرف أن زفافه لن يكون هنا، بل في مكان آخر.. بهذه الكلمات استهل عم الرائد أحمد عبد الباسط محمد، الحديث عن ابن أخيه الشهيد، الذي استشهد ضمن 16 آخرين في حادثة الواحات.
يغالب العم نبيل حزنه، مستكملا حديثه: اللي يعرف ابن أخي يعرف صعوبة الأمر علينا.. يعرف إن كل خلق حميد وحلو كان لأحمد.. مازلنا لا نستوعب الأمر... خصوصًا إن أحمد كان كل كلامه عن مكافحة الإرهاب، وكيفية مواجهتهم، حتى إننا كنا نطلب منه أن يهونها على نفسه.
يتابع العم المكلوم حديثه: في أي تجمع عائلي كان لا يترك النقاش دون أن يتحدث عن فساد عقيدة الإرهابيين، كان يقول إنهم يسعون لتخليص البلاد منهم، لم يكن يعرف أنه سيموت وهو يحاربهم، تاركًا المهمة لبقية زملائه.
وعرفت أسرة أحمد، بخبر استشهاده عن طريق ابن عمه، الذي يعمل معه بنفس وحدة مكافحة الإرهاب، ليبلغ بعدها والده بإصابته، ثم استشهاده، في محاولة للتخفيف من حدة الخبر، لتمر الساعات بعدها ثقيلة على الجميع، بما فيه عروس أحمد، التي ترفض الظهور إعلاميًا، هي ووالداه.
إمتياز كامل.. شرطي بدرجة محارب
كثيرة هي المعارك التي خاضها العميد إمتياز إسحاق محمد كامل، فلم تكن الواحات معركته الأولى، بل كان تاريخه حافلًا بمحاربة الإرهاب، منذ 25 يناير/كانون الثاني... حقيقة اتفق عليها أصدقاء وزملاء العميد إمتياز في أحاديث متفرقة لـ "بوابة العين" الإخبارية.
العقيد المتقاعد علاء عبد الحميد، جار العميد إمتياز، وصديقه، يقول لـ "العين": إمتياز ليس جاري فحسبي، لكنه صديقي.. لا يمكن لأحد أن يختلف عليه كابن بلد، كان خدومًا بطبعه، ومهذبا ويساعد أي شخص يلجأ له، كان يحب الناس يجلس وسطهم ولا يرد أحدًا أبدًا.
يتابع "علاء" الذي بدا متماسكًا: إمتياز نال حظه من اسمي، فما زلنا نذكر سيرته في الأمن المركزي عندما كان مسؤولًا عن معسكر الدويقة، شرق العاصمة القاهرة، وكيف حمى الحي بأكمله من الانهيار واستطاع أن يسيطر على الوضع هناك أثناء اندلاع ثورة 25 يناير/كانون ثاني.
متحدثًا عن تاريخه المهني، يقول العميد المتقاعد عبدالحميد: هو من ألقى القبض على نائب مرشد الإخوان خيرت الشاطر، حتى أننا حينها تداولنا فيديو القبض عليه وعرفناه من صوته، قبل أن نعرف منه فيما بعد أنه من قام بإلقاء القبض عليه.. وهو أيضَا من ألقى القبض على الإخواني محمد البلتاجي، وكان يُنتظر منه سماع شهادته غدًا في قضية "فض رابعة".
يكمل جاره الحديث: إمتياز كان يسميه الجميع بالـ "البوب"، لأنه كان يمتلك قدرة رهيبة على تشجيع كل من في المأمورية.. فكانت جميع المأموريات ناجحة.
ولدى إمتياز ولد وابنتان، إحداهما طفلة في عمر الأربع سنوات، وتعتبره عائلته بمثابة الكبير لهم، حتى إن أهالي حي العباسية شرقي القاهرة (مكان سكنه) يعتبرونه كذلك، بحسب أحاديث متفرقة لهم من داخل العزاء الذي طالبوا بإقامته له اليوم.
يقول نجله "نور" لـ"بوابة العين" الإخبارية، عندما التقته بعزاء والده: سأكون ضابط شرطة مثل أبي، بل وسألتحق بالأمن المركزي وتحديدًا العمليات الخاصة، وأثأر لأبي والشهداء من الإرهابيين، مضيفًا أنه سعيد لأن والده نال ما تمناه، فكثيرًا ما كان يتمنى الشهادة.
يقاطعه صديق والده بالقول: إمتياز دائمًا كان يقول لنا ستروني يومًا على شاشة التلفاز إما حيًا أو ميتًا، حيًا إذا ما قضيت على الإرهابيين، وميتًا إذا كنت في طريقي للقضاء عليهم، وقد كان.
محمد مصيحلي.. البكري الذي أخفى الجميع عن والده خبر استشهاده
لم يكن محمد وحيد مصيحلي، المقدم الذي انتشرت صوره بين أصدقائه، عقب معرفتهم بخبر استشهاده، يحلم بأكثر من أن يكون مثل والده الشرطي الذي كان شغل منصب نائب مدير أمن محافظة السويس (شمال شرقي القاهرة)، لتمر الأيام فيستشهد، ويخفي الجميع عن والده خبر وفاته.
يحكي الحاج عادل مصيحلي عم محمد لـ "بوابة العين" الإخبارية قصة التحاق محمد بالشرطة المصرية، فيقول: نشأ في أسرة تنتمي للشرطة المصرية، كان أبوه مثله الأعلى وكان حلمه أن يكون شرطيا مثله، وبالفعل نجح في ذلك، فعمل فترة في محافظة المنيا (وسط) حيث تقطن الأسرة، قبل أن ينتقل مع والده للخدمة في مدينة السويس، وبعدها كان على رتبة نقيب عندما دخل الأمن الوطني.
يتابع عم الشهيد محمد وحيد: ليست المأمورية الأولى من نوعها له، لكن منذ عودته للحج وهو يشعر بأنه سيموت قريبًا.. كأنه كان يشعر بما سيحدث له.. الجميع يعرف عنه حسن خلقه ودماثته الشديدة، فكان بارًا بوالده بعدما أقعده المرض، حتى إننا لم نخبر والده حتى الآن بوفاته.
ومحمد هو الابن الأكبر، وسط 3 غيره (فتاتين وشاب)، وهو متزوج ويبلغ من العمر 35 عامًا ولديه طفلان، أحدهما لديه 4 سنوات والآخر 6 سنوات.
ويقول زميل دراسته، محمد محمود موسى، لـ"العين": مصيلحي كان دفعتي ودخلنا الكلية مع بعض عام 96، كان متفوقًا دراسيًا، ودمث الخلق، لا أبالغ عندما أقول إنه كان من أكفأ الضباط في قطاع الأمن الوطني.. وخدم البلد في ضبط خلايا إرهابية وعناصر خطرة جدًا.. ولا نقول سوى الله يرحمه ويصبرنا ويصبر أسرته.