انتخابات موريتانيا.. تناقضات مميزة ومسار ديمقراطي «منقوص»
تداول سلمي للسلطة، ونسب مشاركة عالية، ودور كبير للنساء، وتنوع خلفيات المرشحين، علاوة على استخدام ابتكارات تقنية.. 5 مفارقات في الانتخابات الرئاسية الموريتانية في 2019.
تلك المفارقات ظلت عالقة في الأذهان، وعكست صورة مغايرة للبلد الأفريقي صاحب التاريخ المعقد.. فهل تكون أساسا لأي مسار انتخابي مستقبلي بالبلاد؟.
- الانتخابات الرئاسية في موريتانيا.. أكبر منافس خارج السباق
- توغل فاغنر في موريتانيا.. تأثير «مغلوط» ورسالة خارج السياق
خطوة مهمة
على الرغم من تاريخ موريتانيا المعقد، إلا أن الانتخابات الرئاسية في 2019، شهدت انتقالًا سلميًا للسلطة، وارتفاعا في نسب المشاركة وزيادة ملحوظة في مشاركة النساء إضافة إلى تنوع خلفيات المرشحين.
وعدّ الخبراء ذلك "خطوة مهمة نحو تعزيز الديمقراطية والاستقرار السياسي في البلاد، وزيادة الوعي السياسي بين المواطنين، وتقدمًا في حقوق المرأة وتعزيز دورها في الحياة السياسية، علاوة على عكس طبيعة المجتمع الموريتاني".
كما رأوا أن "التحديث التقني ساهم في تعزيز الشفافية وتقليل احتمالات التزوير"، في وقت رآه خبراء تحدثوا لـ " العين الإخبارية" بأنه مجرد تداول للعسكريين على السلطة.
3 مراحل
الكاتب الصحفي والمحلل السياسي الموريتاني "عبد الله امباتي" أوضح من جانبه أن الانتقال السلمي في موريتانيا مر بثلاث محطات وثلاث مراحل.
وقال امباتي لـ"العين الإخبارية"، إن "المرحلة الأولى في بداية التسعينيات أيام التعددية الحزبية، وكانت الانتخابات آنذاك تجرى والسلطة بيد المؤسسة العسكرية محصورة في شخص الرئيس الأسبق معاوية سيد أحمد، وكان في كل مرة يتم التجديد له من خلال الانتخابات، وحكم 20 عاما"،
وأضاف أنه "بعد ذلك جاء مسار تصحيحي من داخل المؤسسة العسكرية بقيادة الرئيس محمد فال ولد بلال، وأسس ديمقراطية حقيقية أفضت إلى انتخاب أول رئيس مدني لموريتانيا سيدي ولد محمد الشيخ عبد الله".
واستدرك: "لكن هذا المسار المدني لم يعبر طويلا، لأن المؤسسة العسكرية منذ أكثر من 30 عاما ظلت متمسكة بمفاصل الدولة، وهي التي كانت تسير الأمور رأت في الحكم المدني أن الأمور بدأت تخرج عن السيطرة، وأنها بدأت تفقد نفوذها وامتيازاتها، فوقع الانقلاب على الرئيس المدني آنذاك سيدي ولد محمد الشيخ، بقيادة الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز".
وتابع: "هنا بدأت مرحلة جديدة بتداول العسكريين على السلطة، لكن عبدالعزيز سبقه إصلاح في الدستور بعدم السماح للرئيس بأن يحكم لأكثر من ولايتين رئاسيتين".
وأشار إلى أن "ولد عبد العزيز تولى الحكم بولايتين، وعندما منعه الدستور عن الترشح صار لزاما عليه أن يقدم شخصاً آخر للرئاسة من المؤسسة العسكرية، وكان الرئيس الحالي محمد ولد الشيخ الغزواني، وهو الآن يستعد لولاية ثانية".
وأكد أن "الغزواني سيكون الرئيس القادم لا محالة"، منوها أنه "بعد انتهاء ولاية الغزواني سيتم البحث عن شخص آخر من داخل المؤسسة العسكرية، وإذا كان هناك تداول على السلطة في موريتانيا فهو بهذا الشكل، واصفا ما يحدث بـ "تداول العسكريين على السلطة".
إصلاحات شفافة
وحول الحديث عن دخول تقنيات حديثة في الانتخابات الماضية قال الصحفي الموريتاني إن "الإصلاحات التي شهدتها الحالة المدنية والتطور التقني والرقمي ساهم في القضاء على الأساليب القديمة التي كانت تستخدم في التزوير".
وأضح أن "المواطن لا يستطيع أن يسجل أكثر من مرتين أو أن يسجل في مكتبين مختلفين بسبب الرقم الوطني الموحد، ولم يكن هذا الرقم موجودا سابقا، وأتى مع عبد العزيز في 2010".
وتابع: "منذ ذلك الحين هناك عدة إصلاحات كالفرز الإلكتروني الشفاف الذي صارت تستخدمه لجنة الانتخابات، وهذا أيضا نوع من الشفافية، لافتا إلى أن هناك تطورا يلازم العملية الإنتخابية على مستوى الهيئة المشرفة على تنظيم الانتخابات.
نسب المشاركة
وأبان الصحفي الموريتاني أن هناك خطوات من ضمنها التسجيل على اللائحة الانتخابية، وفي الأساس من يسجل على اللائحة الانتخابية معناه أنه على استعداد أن يشارك في الانتخابات.
وأوضح أن "هناك مليوناً ومائتين وخمسين ألفا تقريبا مسجلون على اللائحة الانتخابية، وأنهم سيشاركون في الاقتراع"، مضيفا: "لكن عندما ينظر لهذا العدد مقارنة بعدد من هم فوق الـ 18 عاما والذين يحق لهم الانتخاب، نجد أن ثلث من يملكون حق التسجيل لم يهتموا أصلا بالتسجيل على اللائحة الإنتخابية".
وأوضح أن "نسبة المشاركة العالية تأتي للذين سجلوا على اللائحة، وليس للذين لهم حق الانتخاب، وصحيح النسبة مرتفعة قياسا بعدد الذين سجلوا وهم أصلا لديهم الرغبة طالما قاموا بالتسجيل، ولكن هذا لا يعني أن النسبة عالية".
دور النساء
وعن دور النساء في الانتخابات قال هذا مرتبط بالتركيبة الديموغرافية للسكان، مضيفا لدينا في الهرم السكاني النساء يشكلن نسبة 52%، وأن النساء غير مرتبطات بالتزامات تمنعهن من الذهاب إلى مراكز الاقتراع، أما الرجال الذين يكدون في أعمالهم لا يبالون بالعملية الإنتخابية..
فالنساء في وضعية تسمح لهن أصلا بالمشاركة، فالنساء في الانتخابات في موريتانيا يمتهن جمعيات لدعم ناخبيهن، وكل مجموعة من النساء في حي أو قرية يقومن بعمل مبادرة لجمع ناخبين وحشدهم لصالح مرشحهن في مقابل مادي وتعهدات إلى آخره.
وبحسب "امباتي" فإن "طبيعة المجتمع الموريتاني النساء هم أكثر جاهزية لذلك"، موضحا أن "الانتخابات الرئاسية المتوقع انعقادها في نهاية يونيو/حزيران المقبل بها تحسينات على المستوى التقني، تعهدت بها اللجنة المستقلة للانتخابات على المنصة الرقمية التي تمكن من الاطلاع على النتائج، وأنها عملية تساعد على الشفافية".
ولفت إلى أن "الضغط على الحزب الحاكم في هذه الانتخابات أخف من المرات السابقة، لأن أكبر المترشحين في مواجهته هو بيرم عبيدي، ويواجه أيضا مرشح الإخوان في حزب تواصل ومرشحاً آخر، ويتوقع أن يقوموا بتشتيت قواعدهم الجماهيرية".
وأضاف أن "هذا يمكن أن يكون دبره سياسيو الحزب الحاكم أنفسهم من أجل تسهيل فوز مرشحهم في الشوط الأول".
وبين أن "المرشحين يمثلون عدة قوميات مختلفة في البلاد، ولم يعتبر ذلك ميزة في التنوع، ورأى ذلك من زاوية تشتيت القاعدة الجماهيرية التقليدية، وقال: طبيعة الموريتانيين أنهم أكثر انتماءً للقبيلة والعرق من الانتماء إلى الأفكار الحزبية.
نسب متفاوتة
أما الناشط السياسي الموريتاني أحمدنا سيد أحمد فقد رأى من جهته أن المفارقات الخمس التي اعتبرها الخبراء ميزات في المشهد الانتخابي السابق قد تكون حصلت بنسب متفاوتة.
وقال أحمد لـ"العين الإخبارية"، إن "الذي يختلف في هذه الانتخابات عن سابقتها هو الظروف السياسية المتمايزة، والتحديات الاقتصادية للبلاد، وكذلك الهاجس الأمني في منطقة الساحل خصوصا مع الجارة مالي".
بالإضافة إلى "الهجرة التي استنزفت القوى الحية في البلاد ، وما تطرحه الهجرة المعاكسة من تحديات على المجتمع والدولة".
وأعرب عن اعتقاده بأن "الانتخابات الحالية قد تشوبها نواقص، مضيفا خصوصا أن العديد من المرشحين تم رفضهم، وكذلك دخول الرئيس السابق ولد عبد العزيز على الخط من جديد قد يخلط الأوراق، ويؤثر على الحسابات السياسية لصانع القرار في البلاد.
ولفت إلى أنه "قد لا تختلف نسبة المشاركة لأهمية الظرف الذي تمر به البلاد على أصعدة عدة"، وقال إن "النتائج ستكون محل تمحيص خاص من طرف مناوئي النظام، وقد يكون ذلك أكثر حدة هذه المرة، لا سيما في حالة لم تعكس النتائج الوقائع المشاهدة وحجم التاييد لهذا الطرف أو ذاك.
تحول كبير
واتفق الصحفي الموريتاني الشيخ المهدي النجاشي على أن الاستحقاقات الرئاسية في 2019 شهدت تناوبا سلميا على السلطة لأول مرة في تاريخ موريتانيا، رئيس يأتي للسلطة وآخر يغادر من القصر الرئاسي لمنزله".
وأكد أن ذلك كان تحولا كبيرا في المسار الديمقراطي بالبلاد وأنه كان مكسبا للديمقراطيين في موريتانيا.
وأشار إلى أن "الانتخابات السابقة شهدت الكثير من النقاط الإيجابية، وأنها عززت المسار الديمقراطي وقوت المنظومة الانتخابية"، موضحا أن الإنتخابات الحالية تشهد هي الأخرى تحسينات كبيرة خصوصا في الجانب الإنتخابي، على طريقة الآلية الجديدة "ماي سيني" وهي لضبط عملية التصويت من طرف اللجنة المستقلة للإنتخابات".
وقال إنها" شهدت إلى حد الساعة تنوعا كبيرا في المترشحين من الناحية الثقافية والخلفيات الأيديولوجية وحتى الإثنية".
مضيفا ستكون انتخابات مهمة هي الأخرى في تاريخ موريتانيا، وأنها تمثل هي الأخرى تحولا في المسار الموريتاني، نظرا لأنها ستكون فاصلة، وتابع أنها تأتي في سياق موريتانيا ما بعد الغاز، وماقبل الغاز.
واعتبر أنه تحول ديمقراطي انتخابي وسياسي، يأتي في سياق نقلة اقتصادية ستشهدها البلاد مع نهاية 2024، قال إنها استحقاقات مهمة، وإلى الآن تبدو ملامحها قوية ومنافسة كبيرة، وسط أجواء بدأت تخرج للعلن وبصورة ترسم ملامح موريتانيا المستقبلية.
غياب مرشحة من النساء
وتوقع الصحفي الموريتاني الحسن المهدي أن تشهد الانتخابات الرئاسية القادمة مشاركة مرتفعة. وقال المهدي لـ " العين الإخبارية" على الرغم من أن الانتخابات هذه المرة محسومة مسبقاً لصالح الرئيس الحالي.
وأضاف: "كما تشهد غياب مرشحة لمنصب الرئاسة من شريحة النساء"، وتابع لا يمكن الحديث عن ميزات جديدة للانتخابات المقبلة المزمع عقدها في التاسع والعشرين من الشهر المقبل إلا بعد أن تبدأ الحملة الإنتخابية في الرابع عشر من يونيو/حزيران المقبل.
aXA6IDMuMTYuMTM1LjIyNiA= جزيرة ام اند امز