يحاول البعض كثيرا -لأغراض سيئة في أنفسهم- تحويل الإيجابي إلى سلبي، ويعشقون دوما -لمآرب غير سوية- تصوير الكأس الملآنة على أنها فارغة، والحقيقة أن نفوسهم هي الفارغة.
سبب هذه المقدمة ما لاحظته من تداول غير طبيعي للمقطع الذي يبدو فيه معالي الشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان، وزير التسامح والتعايش في دولة الإمارات العربية المتحدة، وهو يعبر عن عدم رضاه عن سلوك طالبة في حفل تخريج دفعة من طلبة جامعة الإمارات أثناء تسلمها شهادة التخرج.
الواقع يقول إنه يفترض أن هذه الطالبة تخرجت برصيد من الأخلاق يوازي رصيدها العلمي، وبالتالي فلا معنى للحركات البهلوانية التي قامت بها، وواجب الشيخ نهيان بن مبارك -كأبٍ- هو توجيهها.
وبغض النظر عن تقييم ما قامت به الطالبة، والذي يتفق عليه جميع العقلاء في علوم التربية، فإنه كان واضحا أن هناك مآرب أخرى من استغلال هذه الواقعة لتشويه صورة الشيخ "نهيان"، ليس لشخصه فحسب، بل المقصود فعلا هو الصفة التي يحملها "وزيرًا للتسامح".
لا يختلف اثنان على أن هناك الكثير ممن لم يرقَ لفكرة التسامح والتعايش، التي تعمل عليها دولة الإمارات، كما لم يستسغ إنشاء وزارة خاصة للتسامح، واعتبر ذلك "ترفا وضربا من الخيال".. فأعداء الحياة وداعمي الإرهاب سبّب لهم مشروع الإمارات للتسامح عُقدا نفسية مستحكمة، تُحبَس أنفاسهم بمجرد التفكير فيها.
القضية قضية عداوة وحسد، ولا غرابة إذا أشعل الذباب الإلكتروني النار في هشيم المقطع الذي أردوا به تشويه صورة الشيخ نهيان بن مبارك، بينما تجاهلوا تماما مقطعا آخر في الحفل نفسه يتسلم فيه الشيخ نهيان رسالة من إحدى الطالبات، ويضعها في جيبه دون أن ينتبه أحد، في مشهد يوحي بأن الرجل معتاد على استقبال الطلبات بشكل شخصي، حتى أصبح الأمر روتينا في حياته.
المشهدان يجسّدان جزءا من شخصية الرجل، حيث ينبّه المخطئ بهدوء، ويساعد كل من له مطلب في صمت.
لم ألتقِ الشيخ نهيان بن مبارك، لكن جميع من التقيتهم خلال العقدين الماضيين من مواطني الإمارات أو المقيمين يُجمعون على أنه شخص في غاية التواضع ورحابة الصدر، وأنه يشارك الكل في مناسبات فرحهم وأحزانهم بكل ود دون تمييز.. ويتجلّى ذلك بوضوح من النتائج العملية على الأرض لسياسة وزارته، والتي ألقت بظلالها الوارفة داخل وخارج الإمارات.. وأي شخص موضوعي يرى أداء الرجل في الحفل لا يمكن أن يصدق أن يتم تداول هذا المقطع على هذا النحو الذي يحمل سُخفا وقصدا سيئا.
والحقيقة أن مجتمع دولة الإمارات استثنائي، فالعلاقة فيه بين المسؤول والمواطن أشبه بعَلاقة الأب بأبنائه، وتلك صفة موروثة عن المؤسس الشيخ زايد بن سلطان، طيّب الله ثراه.
وعندما نضع الواقعة في إطارها الطبيعي، فهذا أب يلفت انتباه ابنته للرزانة مع تقدير لفرحتها.. والحق يقال، فإن الإمارات تتميز بتفعيلها قيمة الإنسان المناسب في المكان المناسب، فلم يتولّ الشيخ "نهيان" حقيبة التسامح اعتباطا، بل كان ذلك انطلاقا من إرث الرجل من التسامح والتواضع وتقبل الآخر، سواء كان مواطنا أم وافدا، وهو ما يشهد عليه الجميع.
ودولة الإمارات ليست من الدول التي تنتهج الفرقعة وعرض اللافتات واليافطات، لذا فالتسامح فيها ليس شعارا، بل منظومة متكاملة من التسامح والتعايش والسلم واستيعاب الآخر يعيشها كل فرد في هذا البلد.
وقد رُسّخ مفهوم التسامح في دولة الإمارات بقوانين ومواثيق تجعل الجميع مقبلا على تطبيق هذه المنظومة بانضباط وحسم، كما أخذ الجميع على عاتقه تطبيق منظومة التسامح تلك، حتى صارت الإمارات نبراسا يضيء التسامح والتعايش والسلم عالميا، ما مكّنها من فرض كلمتها و انتقاد جميع مظاهر العنصرية والكراهية والعنف.
وكان آخر تلك المواقف المعضِّدة للتسامح، والواقفة ضد الكراهية والعنصرية، استنكار الإمارات تصريحات مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، جوزيف بوريل، الأخيرة، ووصفها بـ"العنصرية"، ما دفع المسؤول الأرووبي للمبادرة بالاتصال بوزير الخارجية الإماراتي ليشرح تصريحاته، فكيف لدولة تنتقد مسؤولا في الاتحاد الأوروبي وتتهمه بـ"العنصرية" لو لم تكن قد غرست مفهوم التسامح ونبذ الكراهية والعنف وعمّقت تقبل الآخر والتعايش والتسامح؟
إن بيت دولة الإمارات ليس من زجاج.. وعلى أرضها يوجد منتمون لأكثر من 200 جنسية تعيش في بحبوحة من التسامح والتعايش والسلم وحرية العبادة في مجتمع عربي مسلم تقليدي يحافظ على عاداته وتقاليده ويصرُّ حكامه على ترسيخ منظومة التسامح ويؤيدهم في ذلك شعبهم.
ولعل من تمعَّن في لقاءات صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس دولة الإمارات، مع جميع مَن يلتقيه، يتأكد من ذلك، حيث ينتابه شعور بأن الرجل صديق مقرّب من الجميع، يسَع بأخلاقه العالية كل من يقابله.. رجل متسامح قادر على غرس قيم التسامح والتعايش والسلم.. مؤمن بأن تطور الشعوب مقرون بتعايشها وتسامحها واندماجها في بوتقة واحدة من السلم والسلام والاحترام المتبادل لتحقيق الاستقرار والازدهار للجميع.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة