استزراع اللحوم.. عميد "زراعة عين شمس" يكشف تفاصيل توجه أثار جدلًا في مصر (حوار)
شهدت مواقع التواصل الاجتماعي في مصر جدلًا واسعًا، جراء تداول تصريح يتناول إمكانية استزراع اللحوم.
تناول مستخدمو مواقع التواصل الاجتماعي هذا التصريح في إطاري الانتقاد والسخرية، خاصةً أن هذا الطرح، حسب زعمهم، يتزامن مع تغييرات شهدها الاقتصاد المصري، أدت إلى زيادة أسعار السلع الغذائية.
الحالة التي أحدثها رواد "السوشيال ميديا"، امتد صداها إلى عدد من وسائل الإعلام المرئية على الصعيد المحلي، بحيث حاز الأمر اهتماما واسعا توقف عنده كثيرون.
تعود التصريحات التي تداولها مستخدمو مواقع التواصل الاجتماعي، إلى الدكتور أحمد جلال عميد كلية الزراعة بجامعة عين شمس المصرية، والذي يمتلك رؤية تتعلق بتطبيق عملية استزراع اللحوم، وما يمكن أن يفيده هذا التوجه حال الاعتماد عليه، والمخاطر التي يمكن تجنبها بموجب دخول هذا الإجراء حيز التنفيذ.
خلال السطور التالية، رد الدكتور أحمد جلال، في حواره لـ"العين الإخبارية"، على الانتقادات التي نالت من طرحه بشأن استزراع اللحوم، كما حدد الخطوات التي يمكن من خلالها إنجاز هذه العملية، وما تحتاجه حتى تتم بنجاح.
إلى نص الحوار:
ما سر الجدل المثار بشأن عملية استزراع اللحوم؟
أود الإشارة إلى أن عملية استزراع اللحوم ليست بجديدة وأنا أتحدث عنها منذ عام 2019، المشكلة هي أن مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي تداولوا تصريحاتي القديمة عن هذا الأمر في الآونة الأخيرة بصورة من الاستهزاء والسخرية.
كيف توصل العلماء إلى فكرة استزراع اللحوم؟
فكرة الاستزراع جرى تطبيقها في العديد من المجالات، أولها في مجال النبات، فهناك نباتات كثيرة جرى إنتاجها عن طريق زراعة الأنسجة والخلايا، وتمت في مصر سنة 1986 بإنشاء أول معمل لزراعة الأنسجة النباتية، مع العلم أن معظم فاكهة الموز والفراولة في مصر هي نتيجة زراعة الأنسجة.
بعدها انتقلت فكرة الاستزراع إلى الإنسان نتيجة الأمراض الكثيرة الموجودة وعلى رأسها السرطان، وفكر الباحثون في إنشاء بنك لزراعة الأعضاء ليكون بمثابة "قطع غيار" للأعضاء التي تتعرض للتلف، لكنهم في النهاية لم يصلوا إلى الهدف المنشود. رغم هذا استغلوا هذه المعطيات في علاج اللوكيميا من خلال الخلايا الجذعية عن طريق نخاع العظام، ونجحت بنسبة تجاوزت 80%.
لاحقًا انتقل هذا الموضوع إلى الحيوانات، والعالم يعمل على هذا التوجه منذ ما يزيد عن 91 عامًا وحقق نجاحًا، ففي سنة 2013 شهدت هولندا مؤتمرًا صحفيًا أُعلن فيه إنتاج أول قطعة برجر من عملية الاستزراع. ثم انتشر هذا الموضوع تحت مسمى "اللحوم المنماة أو المستنبتة في المعمل".
كيف تتم عملية استزراع اللحوم؟
هي عملية قائمة أساسًا على الخلايا الجذعية، وهي المكون الرئيسي لجسم الكائن الحي بدايةً من المرحلة الجنينية، كما أنها تكوّن كل شيء في الجسم، ولديها قدرة هائلة على التضاعف في ظروف معينة خارج جسم الكائن الحي.
العلماء فكروا في كيفية الحصول على هذه الخلايا وكانت من مصدرين، إما من أجنة الأبقار أو الجاموس أو الدواجن أو الأسماك، أو من البالغين منها، وبتقاليع معينة يتحصلون على هذه الخلايا ويجري وضعها في بنك الخلايا.
لاحقًا يأخذ العلماء من بنك الخلايا جزءًا من الخلايا الجذعية بعد حفظها في ظروف معينة، ويجري لها عملية إنماء لزيادة أعدادها عن طريق وسط وخطوات معينة، بحيث تتحول ملايين الخلايا إلى تريليونات من الخلايا.
بعدها تتحول الخلايا لنوعين، إما خلايا جذعية من جديد أو خلايا وليدة، هذه الخلايا الوليدة تتحول لخلايا تخصصية وتخضع لعملية إنماء جديدة في ظروف معينة، ومع نموها تكوّن أنسجة، وبعمليات معينة يجري تجميع هذه الأنسجة وتتكون قطعة اللحم.
ما كمية اللحوم التي يمكن إنتاجها جراء هذه العملية؟
جرام واحد من هذه الخلايا قد يمكنك من إنتاج ألف طن لحم.
ما الذي تحتاجه هذه العملية لتنفيذها في مصر؟
أولًا مصر تستطيع تنظيم أي شي ولا ينقصها العلماء، التطبيق يحتاج إلى معامل مجهزة ومعقمة وطاقم فني مؤهل على درجة عالية من التدريب، وهذا ما يمثل الشق التقني والفني فقط، مع العلم أن هناك جانب تشريعي تملكه الدول، وآخر ديني تبدي فيه المؤسسات الدينية رأيها الشرعي فيه.
هل تواصلت مع مؤسسات الدولة أو المؤسسات الدينية لبحث هذا الأمر؟
أنا دوري يتمثل في التعريف بالتقنية فقط.
هل عملية استزراع اللحوم هو التوجه الذي يسير إليه العالم في الفترة الراهنة؟
العالم فكر في هذا التوجه بالفعل، خاصةً وأن الدول لم تعد تستخدم الوسائل التقليدية القديمة في التعامل مع الأزمات.
عدد سكان العالم 7.1 مليار نسمة بينهم 1.2 مليار نسمة يعانون من سوء التغذية، و800 مليون نسمة يعانون من الجوع، ومع حلول عام 2050 سيصل تعداد سكان العالم إلى 9.2 مليار نسمة، ومتوقع بلوغ عدد الذين يعانون من مشكلات الغذاء إلى 2 مليار نسمة.
هل القطاع الحيواني يكفي لسد احتياجات الفئات التي تعاني من مشكلات الغذاء؟
لا، وهذا ما يفرض علينا البحث عن طرق حديثة لسد أفواه حوالي 2 مليار شخص مستقبلًا.
هل للتغيرات المناخية دور في تركيز بعض الدول على عملية استزراع اللحوم؟
القطاع الزراعي على مستوى العالم يساهم في انبعاثات غازات الاحتباس الحراري بـ23%، وأكثر جزء منها تتسبب فيه من الأبقار وغيرها من الماشية لأنها تصدر كميات كبيرة من غاز الميثان.
العالم يريد العيش في كوكب نظيف، وبالتالي هناك اتجاه لتقليص الثروة الحيوانية لعدة أسباب، أولها عدم توافر المياه العذبة الكافية للإنسان وبالتالي للحيوان، وثانيها زراعة الأرض لضمان غذاء الإنسان دون وجود منافسة مع الحيوانات.
هل عملية استزراع اللحوم تعتبر بديلًا آمنًا للحوم الماشية؟
لا نستطيع التأكيد على أنها بديل آمن، نحن ما زلنا في مرحلة التجريب، فعلى سبيل المثال سنغافورة تقدم في مطاعمها هذه اللحوم، ويمكن بموجب ظروفها أن يتقبل مواطنوها هذا الأمر.
في حال تطبيق هذه العملية بمصر.. هل ستكون أسعار اللحوم المستزرعة في متناول المواطن؟
يجب أن يكون هناك سوق لبيع هذه المنتجات، وهو ما يتوقف في أساسه على مدى قبول المستهلك لفكرة تناول اللحوم المستزرعة.