الهوية الإعلامية المرئية للإمارات.. ومختارات من نماذج عالمية
الهوية الإعلامية المرئية للدول تسعي لبناء صورتها التي ترسِّخها في الذهنية العالمية ويتفق الخبراء على أهمية تحديد جوهر الهويّة لتنجح.
تعد الهوية الإعلامية لأي دولة هي الشعار المرئي الذي تم تصميمه بصورة مستوحاة من مقومات شعبها التاريخية والثقافية والإنسانية والاقتصادية ويترجم منظومتها القيمية.
وتسعى الهوية الإعلامية المرئية للدول لبناء صورتها التي ترسِّخها في الذهنية العالمية ويتفق الخبراء على أن تحديد جوهر الهويّة هو أحد مفاتيح نجاح هذه العملية بشرط أن يكون الجوهر مرتبطا بحقيقة البلاد وبما تمثله فعلياً.
وتُساعد الهوية الإعلامية الناجحة الدول في تعزيز تنافسيتها في شتى المجالات حيث تعمل الحكومات على إشراك الشعب في تحديد هذه الهوية فى حين خصصت دول أخرى دعما ماليا لهويّتها الإعلامية ساهم فيه قطاعها الخاص لرعاية الحملات الخاصة بهذه الهوية اذ يُتوقّع أن يصل هذا الدعم فى بريطانيا مثلا إلى ملياري جنيه إسترليني بين 2019 و2020.
وتماشيا مع إعلان الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الإمارات رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، والشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة الإماراتية، بشان إطلاق مشروع وطني لابتكار وتصميم شعار يعكس الهوية الإعلامية لدولة الإمارات، ويجسد مقومات شعبها ويترجم منظومتها القيمية وينقل قصتها الملهمة للعالم، يستعرض هذا التقرير مجموعة من القصص الخاصة بالهويات الإعلامية للشعوب والدول الأخرى.
ويتّفق الخبراء على أنّ تحديد جوهر الهويّة هو أحد مفاتيح نجاح هذه العملية بشرط أن يكون الجوهر مرتبطا بحقيقة البلاد وبما تمثله فعلياً، بالإضافة إلى ذلك، يلعب مواطنو الدولة دوراً مهماً إذ تقع على عاتقهم تبنّي هذه "الهوية الإعلامية".
ولا يقتصر تبنّي هويّة إعلامية على اعتماد شعار جذاب أو مؤثر فحسب، بل يتعين على الهوية الإعلامية الناجحة أن تكون تمثيلاً صادقاً وحقيقياً للأفكار والتصورات التي يحملها الآخرون، أفراداً وشعوباً ودولاً، عن الدولة المعنية.
فلنأخذ على سبيل المثال ورقة "القيقب" في كندا، أو حرّاس القصر الملكي البريطاني، أو قصر الأوبرا في سيدني أو حتى حيوان الكنغر.
ويعد بناء وتصميم هويّة إعلامية جهداً وطنياً وجمعياً يتشارك به الشعب والحكومة معان من هنا، تعمل الحكومات على إشراك الشعب في تحديد هذه الهوية، بما يعكس هوية البلد الأصيلة، ثقافياً وإنسانياً وتاريخياً.
ويسهم المكون البشري في البلد وقطاعات مزدهرة فيه، كالسياحة والثقافة، والاستراتيجيات الاقتصادية في رسم صورة البلد.
كما تُشكّل الشركات والمؤسسات جزءاً من صورة البلد وهويّته، فعلى سبيل المثال، يرى المستهلكون منتجاً يحمل عبارة "صُنع في اليابان" بأنّه ذو جودة ممتازة.
ولنأخذ، على سبيل المثال، نظرة الناس إلى السيارات اليابانية، أو المطبخ الإيطالي أو الموضة الفرنسية.
فالهوية الإعلامية الوطنية تُبنى أيضا من قيمة شركاتها وعلاماتها التجارية الناجحة، تماماً كما تتعزز قيمة هذه الشركات والعلامات من الهوية الإعلامية الوطنية.
مثلاً، خصّصت بريطانيا 13.5 مليون جنيه إسترليني لدعم هويّتها الإعلامية، وساهم القطاع الخاص بـ68 مليون لرعاية الحملات الخاصة بهذه الهوية، وبلغ حينها العائد على الاستثمار 1.2 مليار جنيه إسترليني من 2012 وحتى 2015، ويُتوقّع أن يصل إلى ملياري جنيه إسترليني بين 2019 و2020.
وفي نيوزيلندا، انطلقت بين يوليو/ تموز 1999 وفبراير/شباط 2000 انطلقت حمل التي تعتبر واحدة من أشهر قصص النجاح في تاريخ الهوية الإعلامية، فعلى الرغم من أن نيوزيلندا تتمتع بتقاليد سياحيّة عريقة جدًا، ولديها بأقدم مجلس سياحي في العالم، فإن الاعتراف بالهوية الإعلامية للبلاد في فجر الألفية الجديدة لم يبدُ واعداً جداً.
وتوجّهت نيوزيلندا في التسعينات نحو تحفيز الناس على المدى القصير لزيارة هذه الوجهة البعيدة، وأطلقت أول حملة شاملة للهوية الإعلامية، من أجل بناء هوية قوية وعالمية، وجذب المزيد من السياح، بالإضافة إلى الحد من تخلفها في هذا المجال وراء أستراليا، وهي أعظم منافسة لنيوزيلندا.
وقامت شركة "السياحة في نيوزيلندا TNZ" بسلسلة نشاطات بحثية متعمقة قبل إطلاق الحملة وذلك بغية مضاعفة فرص نجاحها، إذ تم استفتاء الشركات المحلية والخبراء الاقتصاديين والمخططين الاستراتيجيين والاقليميين كما الزوار السابقين والناس الذين لم يسبق لهم زيارة نيوزيلندا.
وساعدت هذه العملية المسؤولين عن الهوية في نيوزيلندا على بناء وتصميم هوية تتماشى مع توقعات ورغبات المستهلكين، أما الخطوة التالية فكانت تحديد ما تمثله نيوزيلندا فعليا والتعبير عنه في هويتها الإعلامية.
وكما أظهر البحث، فإنه وعلى الرغم من أن العالم كان ينظر إلى نيوزيلندا على أنها مليئة بالمناظر الطبيعية الجميلة، وبالتلال الخضراء التي تتميز برعي الأغنام وبآثار ثقافة الماوري (سكان نيوزيلندا الأصليين، فإن الصورة العامة كانت مملة نسبياً، وتختلف هذه الصورة كثيراً عن تلك التي يرى بها النيوزيلنديون وطنهم.
غير أن الخبراء قرروا أن نواة الهوية النيوزيلندية ينبغي أن يتمحور حول مناظرها الطبيعية التي تشكل جوهر البلد، كما أن هذه الهوية لا تجذب أغلبية الزوار فحسب، بل إنّه من المرجح أن تبقى ثابتة لا تتغيّر.
وأطلقت الهوية مستهدفةً بصفة رئيسية ما يعرفون بـ "المسافرون المتفاعلون"، وهم عادةً الشباب الذين يحبون السفر ويبحثون دائماً عن مغامراتٍ جديدة.
وكانت رسالة الحملة التسويقية العالمية الأولى في نيوزيلندا فريدة من نوعها وجذابة، إلّا أنّها كانت بسيطة للغاية: "100% نيوزيلندا صافية".
وكان هذا عنوان الحملة الرئيسة، وانطلقت منها شعارات أخرى كـ"100 ٪ رومانسية صافية"، " 100٪ روح صافية أو "بعد خمسة أيام ستشعر أنك 100%".
وأثبتت هذه المقاربة فعاليتها بشكل كبير، ففي 2005، صُنف شعار "100% صافية" عاشر أفضل هوية عالمية سياحية.
وإضافة إلى ذلك، اعتبرت "إنتربراند" أن جهود نيوزيلندا التسويقية بلغت قيمتها 13.6 مليار دولار أمريكي.
وبعد بدء الحملة، ازدادت أعداد الزوار الأجانب بنسبة 50%، كما تضاعفت تقريباً المكاسب من السياحة لتصل إلى أقصى ما شهدته نيوزيلندا.
وقد كانت نيوزيلندا أرضاً موقعاً مثالياً ومرغوباً لتصوير العديد من الأفلام العالمية، وهذا ما ساهم في الترويج لها كأحد أهم وجهات السفر.
وعلى الرغم من نجاح حملة "100٪ صافية"، إلا أنها لم تسلم من النقد، إذ يرى البعض أن نيوزيلندا تتمتع بمقومات كثيرة تعزز جاذبية صورتها العالمية، خلافاً للطبيعة الساحرة فيها. فهي، على سبيل المثال، ذكية جداً ومبتكرة وقائدة عالمية في سهولة ممارسة الأعمال أو غياب الفساد، ولكن هذه الرسائل لم تصل من خلال الهويّة الإعلامية الحالية.
aXA6IDMuMTQ1LjEwOS4yNDQg جزيرة ام اند امز