العمل الإعلامي في المقام الأول أصبح فنا قائما بذاته وليس كما كان قبل عقد من الزمن يتم تناقل ما ترسله الوكالات العالمية عبر جهاز الفاكس
شرارة أي حرب كلمة وكثيراً ما وقعت الحروب والخلافات نتيجة فتن يقوم بها البعض، وقد استطاع البعض توظيف تطور وسائل الإعلام وتقنياتها المختلفة في زعزعة استقرار الدول وصناعة الحروب الأهلية، كأن لسان حالهم يقول: "أعطني إعلاماً أسقط لك أعلاماً"، ويرى البعض أن هناك وسائل إعلام تحاول أن تتصدى لأبواق الفتن من شبكات تلفزيونية ووسائل تواصل اجتماعي، ولكن تفتقد التميز والإبداع.
في منطق الحروب ومنها الحروب الإعلامية أن العقول البشرية هي التي قد ترجح كفة المعارك بصرف النظر عن نوعية وكمية العتاد الذي معك أو مع خصمك
ويرجع البعض نجاح الفريق الأول لعدم تقيده بأخلاق المهنة بسبب أهدافه التخريبية، ولا توجد لديه خطوط حمراء، بينما الفريق الآخر فإنه يراعي المهنية والمصداقية في أداء رسالته، ولا أتفق مع هذا الرأي، فمن المعلوم إذا كانت للشر أدواته فيجب أن تتوفر للخير أدواته الأقوى التي تكبح جماح الشر، تماماً كتحدي رجال الشرطة وهم يحافظون على القانون وتصديهم لأولئك المجرمين الذين يتجاوزون كل الخطوط الحمراء في ارتكاب جرائمهم.
إن العمل الإعلامي في المقام الأول أصبح فنا قائما بذاته وليس كما كان قبل عقد من الزمن يتم تناقل ما ترسله الوكالات العالمية عبر جهاز الفاكس وقراءة نشرات الأخبار، وإن كان لا يمكن الاستغناء عن المتخصصين في الإعلام لا سيما في تنفيذ البرامج المختلفة، فإن العمل في المجال الإعلامي لا يخضع دائماً للشهادات الأكاديمية في المقام الأول، كما كان سابقاً، ولكن يعتمد على من يمتلكون المواهب ولهم ملكات في وضع الخطط الاستراتيجية للعمل الإعلامي الذي يغطي كل الجوانب المتعلقة في التنافس الإعلامي والتنسيق بين كل الأدوات الإعلامية لنجاح كفة الجهات التي يميلون لها.
كما أن بعض القائمين على بعض وسائل الإعلام وإن كانوا يحملون شهادة إعلام فإن ذلك لن يكون مجدياً في حالة عدم استيعاب الحروب الإعلامية التي لا تقل أهمية عن الحروب التقليدية، وفي بعض الأحيان قد تتفوق عليها، فلهذا على وسائل الإعلام التي تمثل الخير أن تواجه إعلام الفتن وصناعة الحروب وتتفوق عليها حتى لو أخفت غريمتها نواياها الخبيثة وبثت سمومها من جزيرة قريبة أو بعيدة أو غاصت في المحيطات، وعليها أن تطور من أدواتها وأن تضم في صفوفها دائماً الكوادر المبدعة، لأنهم هم وقود العمل الإعلامي، وأن تتصيد الفكرة بصورة مجردة عن الأنانية، لأن في منطق الحروب ومنها الحروب الإعلامية أن العقول البشرية هي التي قد ترجح كفة المعارك بصرف النظر عن نوعية وكمية العتاد الذي معك أو مع خصمك.
ومن الملاحظ أن بعض المحطات التلفزيونية المؤيدة لقوى الخير تفتقد للإبداع والاستراتيجية المتكاملة وتعمل بصورة تقليدية وبرامجها محصورة في برامج حوارية واستضافة ضيوف محددين، فلهذا هي بحاجة لإعادة استراتيجياتها وألا تكون محدودة وتشغل نفسها في أن تمارس دور الإعلام المضاد لتلك الشبكات الخبيثة، ولكن عليها أن تبادر في وضع الخطط التي تتفوق عليها واستشراف للمستقبل، حيث إن مصالح الدول غير ثابتة، وإذا نجحت في ذلك فإن بمقدورها أن تغير معادلة "أعطني إعلاماً أُسقط لك أعلاماً" إلى "أعطني إعلاماً أرفع لك أعلاماً".
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة