قديما قال أتاتورك مؤسس الجمهورية التركية: "سلام في الداخل سلام في الخارج"، لكن أردوغان لم يستمع إلى مقولة أتاتورك هذه
تتجه الأنظار إلى المهلة التي حددها أردوغان نهاية الشهر الجاري، ليعرف العالم كيف سيتصرف أردوغان في معضلته بإدلب السورية، ومع أن المهلة أقتربت من نهايتها، فإن أرودغان يواصل الصعود إلى قمة الشجرة، مرسلا مزيدا من القوات العسكرية، مواصلا تهديداته النارية بعملية عسكرية، ما لم يتراجع الجيش السوري إلى ما بعد نقاط المراقبة التركية والمناطق التي سيطر عليها مؤخرا لا سيما الطرق الدولية.
قديما قال أتاتورك مؤسس الجمهورية التركية: "سلام في الداخل سلام في الخارج"، لكن أردوغان لم يستمع إلى مقولة أتاتورك هذه، بل سار على درب أجداده السلاطين العثمانيين في سياسة الاحتلال والهيمنة والضرائب
وفي انتظار نهاية المهلة، يسعى أردوغان جاهدا للتوصل إلى مخرج يحفظ له ماء الوجه، تارة من خلال تكثيف المحادثات مع الروس وطلب لقاء قمة مع بوتين، وأخرى بمحاولة جر ألمانيا وفرنسا إلى الجهد الذي يبذله، وثالثة بالسعي إلى دعم أمريكي وأطلسي بحجة مواجهة النفوذ الروسي، ولكن من الواضح أن أردوغان في جميع هذه المسارات يواجه صعوبات وتحديات كثيرة، فصمت بوتين على تهديدات أردوغان، ودعمه الثابت لاستعادة الجيش السوري مزيدا من الأراضي، وضعا أردوغان في امتحان هو الأصعب، وأوروبا معنية أولا وأخيرا بقضية النازحين واللاجئين لا تجد نفسها ملزمة بأجندة أردوغان، فيما واشنطن تكتفي بالدعم السياسي دون العسكري، وهو ما يزيد من شكوك أردوغان ومخاوفه من أن الإدارة الأمريكية تريد توريطه في مواجهة مع روسيا، قد تأتي بنهايته السياسية، لا سيما في ظل ارتفاع أصوات المعارضة في الداخل، وتحميلها أردوغان مسؤولية سياسته الخاطئة في سوريا وليبيا، ووضع تركيا في صدام مع معظم دول العالم، فيما تبقى معضلة أردوغان الأكبر التقدم الدراماتيكي للجيش السوري وهزيمة الفصائل المسلحة المرتبطة بأردوغان وسقوط العديد من القتلى في صفوف القوات التركية، ومحاصرة معظم نقاط المراقبة التركية التي تحولت وظيفتها من نقاط مراقبة لحفظ الأمن إلى قوات مشاركة في الحرب.
نهاية مهلة أردوغان، ستكون بمثابة بداية النهايه لتدخلة العسكري في سوريا، إذ إنه يدرك جيدا أن القبول بالواقع الجديد، سيكون بمثابة الموافقة الضمنية على الانسحاب من باقي المناطق السورية، وإن ما يجري في إدلب اليوم سيتكرر في عفرين وأعزاز والباب وجرابلس وغيرها من المناطق التي تحتلها تركيا، فيما الذهاب إلى مواجهة عسكرية يعني الصدام مع روسيا، واختيار الانتحار السياسي، لا بسبب التفوق العسكري لروسيا، وسيطرتها على أجواء إدلب، بل لقدرة روسيا على التأثير في الداخل تركيا، إذ يكفي هنا التذكير بأن تركيا تستورد أكثر من 65 بالمئة من حاجتها للطاقة من روسيا، ومجرد لجوء روسيا إلى فرض عقوبات على تركيا كفيل بدفع الليرة التركية إلى الانهيار في وقت يعاني فيه الاقتصاد التركي من أزمة كبيرة، وفي وقت تزداد فيه الصعوبات الحياتية في البلاد، وهو ما يزيد من نقمة الشعب التركي على أردوغان وسياساته في الداخل والخارج.
سياسات أردوغان الخاطئة في سوريا والمنطقة العربية، بدأت مع طموحاته الجامحة، التي اعتقد أنه من خلالها يستطيع إعادة بناء أمجاد إمبراطورية أجداده البائدة، معتمدا في ذلك على جماعات الإسلام السياسي، لا سيما الإخوان المسلمين، واستخدامهم كأذرع له في تغيير الأنظمة وارتكاب القتل والجرائم، وهو في كل ذلك كان يعتقد أن سيناريو قبرص سيتكرر في شمالي سوريا والعراق وليبيا بحجة الدفاع عن المظلومين، فيما يعرف الجميع أن هدفه الاحتلال والتوسع لا أكثر.
ما لم يدركه أردوغان أن سوريا ليست قبرص، وأن سياسته البهلوانية بين موسكو وواشنطن أفقدته القدرة على التركيز وانتهاج سياسات تخدم الأمن والاستقرار؛ ليس في المنطقة فحسب، بل في تركيا نفسها التي تدخل مرحلة شديدة التعقيد، عنوانها سيكون دفع أثمان سياسات أردوغان ومغامراته.
قديما قال أتاتورك مؤسس الجمهورية التركية: "سلام في الداخل سلام في الخارج"، لكن أردوغان لم يستمع إلى مقولة أتاتورك هذه، بل سار على درب أجداده السلاطين العثمانيين في سياسة الاحتلال والهيمنة والضرائب، تلك السياسة التي جاءت بنهاية إمبراطويتهم، سياسة لم يأخذ أردوغان منها العبر والدورس، ليضع تركيا من جديد أمام مخاطر مصيرية.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة