أردوغان يتشبث بنقاط المراقبة في إدلب ويعلم تماما أن الطريق إليها مع مرتزقته لن يكون سهلا بدليل اندحار التنظيمات المسلحة المتمردة
التصريحات المتلونة التي أطلقها أردوغان حيال موسكو بشأن إدلب تثير كثيراً من التساؤلات حول الأهمية الاستراتيجية لهذه المدينة بالنسبة لتركيا وما يحشد لها من عمليات التدعيم العسكري لجبهة النصرة والفصائل المسلحة.
وثمة تساؤلات أيضاً مبعثها الدور المريب الذي يتلاعب به رئيس النظام التركي بمخاطرته إذا أصر على الدخول في مواجهة مباشرة ضد الحليف الروسي بغية الحفاظ على مرتزقته ونقاط المراقبة التابعة لأنقرة وأن لا تراجع أو انسحاب عن مواقع انتشار قواته، حينها قد تغدو المدينة مسرحاً لعمليات عسكرية بين حليف الأمس وعدو اليوم وملامح التفكك بمؤشراتها واضحة للعيان بتقويض أنقرة كل بنود الاتفاقيات المتعلقة بالسيادة السورية على أراضيها.
أردوغان يتشبث بنقاط المراقبة في إدلب ويعلم تماماً أن الطريق إليها مع مرتزقته لن يكون سهلاً بدليل اندحار التنظيمات المسلحة المتمردة التي جمعتها تركيا بتشكيلة واحدة تحت راية الجبهة الوطنية للتحرير وضمت في صفوفها فصائل مسلحة عديدة أبرزها "أحرار الشام" و"نورالدين الزنكي" و"فيلق دمشق" و"حماية الدين" و"فصائل جيش الأحرار"، فضلاً عن الخلايا المسلحة النائمة والمدعومة من أنقرة والقريبة من مناطق الحدود الشمالية، وهذه الفصائل على تنسيق دائم مع جبهة النصرة الذراع السابقة لتنظيم القاعدة في سوريا.
وبعد هزائم متلاحقة للتنظيمات المسلحة المدعومة أردوغانياً في الميدان، كانت دعوة وزير الحرب التركي خلوصي أكار وبشكل رسمي وعلى هامش اجتماعات الناتو في بروكسل كلاً من الولايات المتحدة ودول حلف الناتو إلى تعزيز دعمها لتركيا في ظل تصعيد التوتر في إدلب.
مطالب خلوصي كانت من نظيره الأمريكي مارك إسبر للمساعدة الملموسة لوقف التحولات التي طرأت لصالح الجيش السوري في الشمال السوري وسيطرتها على عشرات المدن والبلدات التي كانت فصائل جبهة النصرة مهيمنة عليها.
هل يدرك أردوغان مغبة ما يذهب إليه في معترك الاندحارات التي تشهدها فصائله المتطرفة؟ وهل يعي ما يطرحه من مواقف عنصرية ستلقي باندفاعاته في جحيم لا ينطفئ والويل والثبور لأهوائه؟
وتنطوي دعوة خلوصي على نزعة عدوانية، إلا أن دول الناتو لن تقدم دعماً استناداً لتفعيل البند الخامس بسبب مقتل عسكريين أتراك في إدلب الشهر الماضي، والناتو لا ينظر إطلاقاً لتقديم مساعدة عسكرية لأنقرة في حال قيامها بعملية عسكرية.
وفي السياق ذاته، أكد المتحدث باسم الرئاسة التركية إبراهيم قالن في مؤتمر صحفي، أنه لم تتمخض مباحثات موسكو عن أي نتيجة مُرضية، واعتبر أن موقف الناتو والحلفاء من الأوضاع في إدلب لا يكفي وهم يكتفون بالثناء على الموقف التركي وتشجيعه، وإذا استمر الأمر فإن إدلب ستذهب غداً.
وبالمقابل، فإن إنذار الكرملين يأتي رداً على كلمة أردوغان أمام البرلمان وفي أعقاب انفضاض المباحثات بين الجانبين في موسكو دون التوصل إلى جوانب مقنعة بينهما، وإن تحذيراته النهائية للحكومة السورية حول تشدقه بعملية عسكرية مرتقبة مسألة وقت وتفضي بشكل أو بآخر إلى انهيار مجموعاته المسلحة وستكون إدلب وبالاً عليه وطامة كبرى ضد سياسته الحمقاء.
وبالمحصلة، فإن المباحثات التركية مع موسكو لم تستجب لطموحات أردوغان في الشمال السوري ولم تحقق النتائج المرجوة لصالحه، فالخريطة الجديدة التي قدمها الجانب الروسي لتوزع مناطق السيطرة تظهر فيها المناطق الحدودية تحت سيطرة فصائل المعارضة.
وفي مجلس الأمن، رفضت موسكو إعلاناً يطالب بوقف إطلاق النار شمال سوريا، مؤكدة دعمها لدمشق في حربها ضد الفصائل المسلحة المدعومة تركياً، ويتمسك الروس بدعم الدولة السورية عسكرياً إلى أن تتحقق السيادة الوطنية على كامل الأراضي السورية.
فهل يدرك أردوغان مغبة ما يذهب إليه في معترك الاندحارات التي تشهدها فصائله المتطرفة؟ وهل يعي ما يطرحه من مواقف عنصرية ستلقي باندفاعاته في جحيم لا ينطفئ والويل والثبور لأهوائه؟
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة