موقف دولي موحد في وجه القرصنة التركية بشرق المتوسط
خبراء لا يستبعدون توقيع عقوبات كبيرة على أنقرة بسبب انتهاكها القوانين والمواثيق الدولية الخاصة بالتنقيب عن الغاز في المتوسط.
باتت تركيا بسبب إصراراها على مخالفة المواثيق الدولية والمعاهدات الخاصة بالتنقيب على الغاز في المتوسط، في مواجهة موقف دولي موحد ضدها، الأمر الذي يهدد بفرض عقوبات واسعة عليها.
وأظهرت أعمال التنقيب في منطقة شرق المتوسط، خلال السنوات الماضية، العثور على احتياطات ضخمة للغاز، بينها حقل "ظٌهر" المصري، ونتج عن تلك الاكتشافات تعاون وثيق بين مصر واليونان وقبرص، فيما أثار توترات مع تركيا، التي تحتل الشطر الشمالي من قبرص منذ عام 1974.
وعلى مدار الأشهر الماضية طفا ذلك النزاع للسطح، متضمنا تهديدات ومناوشات عسكرية خاصة بعدما أرسلت تركيا السفينة "فاتح" في مايو/أيار للتنقيب في مياه المنطقة الاقتصادية القبرصية، تبعتها السفينة "يافوز"، في 20 يونيو/حزيران الماضي، قبالة سواحل قبرص.
وتزعم تركيا أن مناطق معينة في المنطقة البحرية قبالة قبرص تقع ضمن المنطقة السيادية لها، فضلا عن اعتبار نفسها مدافعا عن حقوق القبارصة الأتراك (قبرص الشمالية)، التي لا تحظى باعتراف دولي سوى من أنقرة.
وترفض السلطات التركية الاعتراف باتفاقية تعيين الحدود بين مصر وقبرص المبرمة عام 2013، والمودعة بالأمم المتحدة رسميا.
غضب دولي... وتهديد بعقوبات
وأثارت الأنشطة التركية الأخيرة في شرق المتوسط ردود فعل دولية حادة من قبل كلّ من قبرص واليونان ومصر والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، الذي لوح بتوقيع عقوبات على أنقرة.
وبينما أدانت قبرص عملية التنقيب التركية الجديدة واعتبرتها "غير مشروعة، وتصعيدا للانتهاكات المستمرة" طالب الاتحاد الأوروبي تركيا بوقف أنشطته وقال في بيان (الإثنين): إن "تنقيب تركيا عن النفط والغاز قبالة قبرص يثير قلقا بالغا ويعد تصعيدا غير مقبول للتوتر في محيط الجزيرة الواقعة بالبحر المتوسط".
وهدد الاتحاد الأوروبي أنقرة بفرض عقوبات على شخصيات وشركات تركية منخرطة في أنشطة التنقيب المخالفة ونقلت وكالة "بلومبرج" للأنباء عن مصدر دبلوماسي أن "الاتحاد الأوروبي يدرس تعليق الاتصالات رفيعة المستوى مع تركيا ووقف المساعدات المالية لها".
وأكد المصدر أن هذه الإجراءات جزء من مجموعة أوسع من المقترحات سيبحثها ممثلو حكومات الاتحاد الأوروبي، ويمكن أن تحد من القروض التي يقدمها بنك الاستثمار الأوروبي لتركيا، مع تأكيد خفض جزء من مساعدات مقررة للعام المقبل بقيمة 146 مليون يورو (163 مليون دولار).
وبحسب المصادر، فإن مقترحات المفوضية الأوروبية للضغط على تركيا من أجل وقف أعمال التنقيب عن الغاز بالقرب من سواحل قبرص، عضو الاتحاد الأوروبي، تتضمن تعليق أي اجتماعات على مستوى الوزراء أو على مستوى القمة مع تركيا، إلى جانب وقف المحادثات الحالية بين الجانبين بشأن اتفاقية للطيران.
وحذرت وزارة الخارجية الأمريكية السلطات التركية، الأربعاء، من الاستمرار في عمليات التنقيب عن النفط والغاز قبالة ساحل قبرص، وذلك بعد يوم من احتجاج نيقوسيا على رسو سفينة تركية هناك.
وقال متحدث باسم الوزارة في بيان: "هذه الخطوة الاستفزازية تزيد التوتر في المنطقة، ندعو السلطات التركية إلى وقف تلك العمليات ونشجع كل الأطراف على ضبط النفس في تصرفاتها، والإحجام عن الأعمال التي تزيد التوتر في المنطقة".
بدورها، دعت فرنسا، الثلاثاء، تركيا إلى احترام "سيادة" قبرص وعدم زعزعة "الاستقرار الإقليمي"، وأعلنت المتحدثة باسم وزارة الخارجية آغنيس فون دير مول تمسك فرنسا الثابت باحترام قوانين البحار وبتضامنها مع قبرص التي يجب احترام سيادتها".
وأضافت: "ندعو تركيا لتفادي أي عمل سيكون مخالفا للقانون ويعرض الاستقرار الإقليمي للخطر".
كما حثت الولايات المتحدة تركيا على تعليق محاولات التنقيب عن النفط والغاز قبالة قبرص، وقالت مورجان أورتاجوس المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأمريكية في بيان، الثلاثاء، إن محاولات تركيا إجراء عمليات التنقيب في المياه القبرصية "تثير التوترات في المنطقة".
وأضافت أورتاجوس: "نحث السلطات التركية على وقف هذه العمليات ونشجع جميع الأطراف على التحلي بضبط النفس والامتناع عن الأعمال التي تزيد من التوترات في المنطقة".
ووجهت مصر انتقادات مماثلة وأعربت "عن قلقها" حيال عزم تركيا التنقيب قبالة سواحل قبرص.
وقال بيان لوزارة الخارجية: إنّ "إصرار (تركيا) على مواصلة اتخاذ إجراءات أحادية من شأنه أن يزيد من درجة التوتر في منطقة شرق المتوسط"، ودعت لـ"ضرورة عدم التصعيد والالتزام باحترام وتنفيذ قواعد القانون الدولي".
وتشير تقديرات الخبراء إلى أن هناك نحو 227 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي أسفل قاع البحر بالقرب من السواحل القبرصية.
مخالفات قانونية واضحة
ويقول الدكتور أيمن سلامة أستاذ القانون الدولي العام: إن تنقيب تركيا عن الغاز في منطقة شرق المتوسط، خارج مياهها الإقليمية، يخالف كل قواعد القانون الدولي، ويعد أعمال عدائية".
ودعا الخبير القانوني تركيا إلى "إثبات ملكيتها في المنطقة عن طريق القانون الدولي وليس بالقوة".
وضرب سلامة مثلا بمصر التي حرصت على تقنين إجراءاتها بدقة بالغة، موضحا أن اتفاقية تعيين الحدود بين مصر وقبرص تأسست وفقا لقواعد القانون الدولي، ومنها اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار عام 1982، وأن الدولتين التزمتا بحقوق كل دول الجوار البحرية في شرق البحر المتوسط.
وأبرمت مصر وقبرص اتفاقيتين في عام 2003 و2013 لتعيين الحدود البحرية بينهما على أساس قاعدة خط المنتصف الذي يفصل المسافة البحرية بين البلدين كونها أقل من 400 ميل بحري، في ضوء قواعد القانون الدولي وتم تسجيلها وفقا لنص المادة 102 من ميثاق الأمم المتحدة لدى الأمانة العامة للأمم المتحدة.
من جهته، أكد الدكتور مساعد عبدالعاطي، عضو مجلس إدارة الجمعية المصرية للقانون الدولي، أن تركيا من الدول غير المنضمة لاتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار، ومن ثمة فهي في وضعية قانونية ضعيفة في مواجهة مصر وقبرص.
واعتبر عبد العاطي أن ما تقوم به تركيا من تدخل في شؤون قبرص واعتداء سافر على القانون الدولي، وسيؤدي إلى توقيع عقوبات عليها من قبل الاتحاد الأوروبي.
aXA6IDMuMTI5LjIxMS4xMTYg جزيرة ام اند امز