قرط ميجان وحجاب مهسا.. الإعلام الغربي والاستثمار التائه في خاشقجي
ميجان ماركل، ومهسا أميني، سلمان رشدي، جمال خاشقجي، لا شيء يجمع بين هذه الشخصيات، سوى أن حبة ميزان الإعلام الغربي، في تغطية قضاياها متأرجحة، تفضح ازدواجية المعايير، حين يتعلق الأمر بقضايا دول الشرق الأوسط.
الأولى ممثلة أمريكية مغمورة، وجدت نفسها في خضم الأحداث، وأمام الأضواء، حين ارتبطت بالأمير البريطاني هاري نجل الملك تشارلز الثالث وحفيد إليزابيث، والثانية فتاة من الأقلية الكردية في إيران، دفعت ثمن رفضها الخنوع لفرض زي شرعي، وماتت تحت سياط جلادي "شرط الأخلاق"، فأشعلت حادثتها نيران الاحتجاجات.
أما سلمان رشدي فيتشابه معها في كونه يشرب من نفس الكأس، كأس مواجهة النظام الإيراني، والقصة قديمة تعود لإهدار دمه من قبل المرشد الراحل آية الله الخميني في ثمانينيات القرن الماضي، لكنها تجددت مع تنفيذ متسلل لفتوى قتله، التي فيما يبدو لا تسقط بالتقادم.
الشخصية الرابعة الصحفي السعودي جمال خاشقجي، الذي رغم إسدال الستار على قضية مقتله في قنصلية بلاده على يد فريق خضع للمحاكمة ونال جزاءه على يد قضاء المملكة، إلا أن الصحف العالمية لا تجد غضاضة في استدعاء تلك الحادثة بين الفينة والأخرى، لكن بدون عدالة في التناول، وبإسفاف في الاستطراد.
الإعلام الغربي في تعامله مع القضايا الآنفة، بالغ في الكيل بمكيالين، خاصة في الصحف البريطانية والأمريكية، التي فضحت تغطياتها ازدواجية المعايير بشأن قضايا في ظاهرها عادلة، ويحمل باطنها التحامل والتجني في حق البعض، والمهادنة والتغاضي بحق آخرين.
قرط ميجان
فرغم ما يشهده العالم من مآس ونكبات وحروب، عادت الصحافة البريطانية لتذكر بتلك الحادثة بشأن قرط ميجان ماركل الذي أهداها ولي العهد السعودي خلال زواجها من الأمير هاري، وفقا لصحيفة "ديلي ميل" البريطانية.
الخبر الآن طبيعي في سياق معلومات الصحيفة، لكن الأخيرة حاولت إعادة الحادثة إلى الأذهان، ملفتة النظر عما يجري الآن في إيران عقب مقتل الشابة مهسا أميني وأعمال القمع التي ارتكبتها قوات الأمن بحق النساء والشباب العزل، في الاحتجاجات التي شملت كل المدن الإيرانية.
ولعلّ الصحيفة تتناغم مع خيارات المسؤولين البريطانيين، الذين لا يجدون غضاضة في إبرام اتفاقات مع إيران وقبولها دولة نووية بالاتفاق النووي معها بسبب الرغبة في النفط الإيراني، في ظل أزمة طاقة عالمية تعاني منها بريطانيا كسائر الدول الأوروبية عقب الحرب الروسية الأوكرانية.
وذكرت الصحيفة في تقريرها أنه "خلال جولة هاري وميجان التي امتدت 48 ساعة في فيجي. حضر الزوجان عشاء رسميا أقامه الرئيس، حيث ارتدت الدوقة زوجا من الأقراط المرصعة بالماس. وقال قصر كنسينغتون إنها حصلت عليه على سبيل الإعارة، رافضا التصريح بالجهة التي منحتها إياه".
وأضافت "لم يتضح سبب هذا التحفظ إلا بعد مرور أكثر من عامين، عندما كشفت الصحف أن القرط كان هدية زفاف من ولي عهد السعودية الأمير محمد بن سلمان. أثناء الزفاف، وهنا تفرض استدعاء قضية جمال خاشقجي، في تعسف لربط مقتله بقرط زوجة الأمير هاري.
المفارقة
ما يثير الدهشة هو أن الغرب الذي ملأ الدنيا نحيبا على وفاة المواطن السعودي جمال خاشقجي، وسعى جاهدا، دون جدوى، إلى نبذ المملكة من النظام العالمي هو ذاته الذي يقف صامتا تجاه المجازر التي ترتكب في إيران ضد المحتجين على وفاة مهسا أميني بأسلحته التي استوردتها طهران، بل يستجدي رضا النظام الإيراني للموافقة على مقترحات الاتفاق النووي الذي يمهد لإعلان إيران دولة نووية.
وهذا ما لاحظه الناشط الإيراني في المنفى أفتاه سبديني الذي نشر رسالة احتجاج قال فيها: "إن التجارة مع النظام لا تزال مستمرة عندما يتعلق الأمر بمنح النظام القوة والعضلات. لكن التجارة ليست متاحة للسكان، الذين لا يتمكنون من الحصول على اللقاحات والأدوية والغذاء والاحتياجات الأساسية الأخرى".
واتهم الغرب بالمشاركة في أعمال القمع التي يرتكبها النظام في طهران ضد الشعب قائلا: "شهدنا، على مر السنين، الرافعات السويدية تستخدم كأداة للمشانق في إيران".
نفاق الغرب الساعي إلى تحقيق مآرب خاصة، تجلى بوضوح في العملية العسكرية الروسية في أوكراينا. فمع بداية الحرب انتفض سفراء دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، وغادروا روسيا، فأين هؤلاء السفراء والمسؤولون الآن مما يجري في إيران. وأين هم المسؤولون الذين أدانوا فلاديمير بوتين في سعيه لتأمين حدود بلاده، لماذا لم يخرجوا لإدانة إبراهيم رئيسي، إن هذا لهو النفاق بعينه، يقول الناشط المعارض.
هذا مجرد مثال على السبب الذي يجعل الكثيرين في الشرق الأوسط يفقدون الثقة في السياسيين في العالم الغربي. لأن كل شيء بالنسبة لهم مرتبط بالاتفاقات التجارية والمصالح السياسية والأراضي.
الابتزاز بالمعتقلين وعجز الغرب
قصص كثيرة مرت خلال العامين الماضيين ولا يزال صداها مستمر، أظهرت بصورة جلية أوجه نفاق الغرب الأخرى، فإيران التي تستهدف معارضيها بين ظهراني الغرب، وقتلهم نشطاء الأقليات بدم بارد داخل البلاد، هي نفسها التي يتودد لها الغرب.
فهو يلتزم الصمت المطبق إزاء سياسة "الاعتقالات" التي ينتهجها النظام الإيراني تجاه المواطنين الغربيين بتهم واهية مثل "التجسس والإضرار بالأمن القومي للبلاد والتآمر مع دول أجنبية"، وهي التهم التي يراها المعنيون سواء على المستوى الرسمي أو غير الرسمي بأنها "مفبركة".
تسعى إيران لاستغلالها كأداة ضغط وابتزاز غير قانونية وغير أخلاقية، للحصول على أموالها المجمدة في بنوك غربية أو المساومة بهم للحصول على مكاسب أكبر على صعيد الاتفاق النووي، ويقف الغرب كثيرا عاجزا أمام الضغط الإيراني، بل تبرز صفقات سرية للإفراج عن سجناء أجانب لدى إيران.
وليس آخر القصة ما أعلنت عنه إيران الجمعة من اعتقال 9 أجانب أوروبيين واتهامهم بالتورط في المظاهرات التي اجتاحت عدة مدن بالبلاد احتجاجا على وفاة الشابة "مهسا أميني" عقب ساعات من اعتقالها إثر ارتدائها غطاء الرأس (الحجاب) بشكل اعتبرته شرطة الأخلاق في إيران "غير محتشم".
في المقابل، يرفض الغرب طي صفحة مقتل خاشقجي الذي أسدل القضاء السعودي الستار عليها بمحاكمة عادلة اتسمت بالشفافية لمرتكبي الحادثة، نال إثرها من ارتكبوا الجريمة عقابهم، وباتت في حكم المنتهية لكن الغرب يسعى في كل خلاف مع المملكة إلى إحياء القضية مجددا، بحثا عن مكاسب مزعومة، وقبلها أعلنت تركيا التي قتل خاشقجي على أرضها إغلاق الملف وإحالته للقضاء السعودي.
سلمان رشدي
من الأمثلة الصارخة على نفاق الغرب، أن الكاتب سلمان رشدي صاحب كتاب "آيات شيطانية" والذي أفتى بقتله مرشد إيران، كما تشير الدلائل، ورغم أن منفذ الهجوم الأخير عليه في قعر الولايات المتحدة، على علاقة بالحرس الثوري الإيراني، غير أنه لم يحظ بأي تأثير أو بالأحرى ذكر على خلفية المفاوضات مع إيران في فيينا، في حين يتم استدعاء قضية خاشقجي مع أي زيارة لمسؤول كبير إلى السعودية وأي نشاط تقوم به قيادة المملكة وكأنها قضية مفتوحة لا تغلق أبدا.
المثرثرون بقضية خاشقجي في الإلام الغربي المتناقض، والتي حسم الأمر فيها القضاء السعودي يتجاهلون الإنجاز السعودي الأخير بوساطة دبلوماسية غير مسبوقة قادها الأمير محمد بن سلمان آل سعود ولي العهد رئيس الوزراء السعودي والتي كللت بالنجاح في إطلاق سراح 10 أجانب، بينهم أمريكيان كانوا محتجزين لدى روسيا على خلفية الحرب في أوكرانيا.
مهسا أميني
خذل الإعلام الدولي مهسا أميني التي توفيت في حجز شرطة الأخلاق الإيرانية، ولم تنل من التغطية الإعلامية، وانشغل بقرط ميجان ماركل، ولم يبال بوجاهة قضية مهسا أميني، ولم ينفخ في الاعتداء على سلمان رشدي.
وكان الأحرى بالمجتمع الدولي والإعلام الغربي الذي يتشدق بقضية خاشقجي مع كل شاردة وواردة أن يدعم الشعب الإيراني في مطالبه المشروعة.
تلك المطالب التي لا تختلف كثيرا عن مطالب أي شعب آخر في الحرية والكرامة، لكن الغرب توارى وابتلع المسؤولون الغربيون، الذين أدمنوا النفط الإيراني، ألسنتهم ووقفوا موقف المتفرج وغلبوا مصالح السياسة على قيم الحرية والكرامة الإنسانية التي طالموا نصبوا أنفسهم مدافعين عنها.
aXA6IDEzLjU5LjIzNC4xODIg
جزيرة ام اند امز