«ذكريات مصطفى الفقي».. كواليس السياسة ودهاليز السلطة في كتاب جديد (خاص)
دائما ما تبقى الأحداث خلف الكواليس في عالم السياسة أسرارا، لا يتم الكشف عنها إلا نادرا.
الدوائر السياسية المصرية، كغيرها من دول العالم مليئة بالأسرار، ونادرا ما يتحدث عنها أحد، لكن مؤخرا قرر الدكتور مصطفى الفقي الذي شغل سابقا منصب سكرتير رئيس الجمهورية للمعلومات والمتابعة، كما شغل منصب مدير مكتبة الإسكندرية، البوح ببعض هذه الأسرار.
في النسخة الحالية من معرض الكتاب القاهرة الدولي للكتاب، يطرح كتاب جديد حمل عنوان "ذكريات الدكتور مصطفى الفقي - بين الدبلوماسية والسياسة والثقافة" للكاتب الصحفي والباحث السياسي "السيد الحراني" عن دار سما للنشر والتوزيع عبر 33 فصلاً في 600 صفحة من الحجم الكبير.
قال الحراني في تصريح خاص لـ"العين الإخبارية" إن هذا الكتاب الذي يصنف ضمن أدب السيرة الذاتية، وما يحمله من معلومات واعترافات لا يعد شجاعة بأثر رجعي من المفكر السياسي الدكتور مصطفى الفقي، خاصة أن الفقي يقول دائما إنه ينزعج عندما يجد الأجيال الجديدة لا تعلم كثيرا عن كواليس السياسة ودهاليز السلطة في الوقت المعاصر، وربما كان ذلك سببا ملحا لسعي الحراني للانتهاء من كتابه هذا.
وأضاف الحراني أن الأجيال الحالية لو علموا ما يجري من أمور من قامة سياسية وفكرية كبيرة مثل الفقي لاستطاعوا أن يدركوا مغزى أحداث 25 يناير/كانون الثاني 2011، وأسباب ثورة المصريين في 30 يونيو/حزيران 2013، وفقه الدولة المصرية الحالي في محاربة الإرهاب والتطرف بكل أشكاله وصفاته.
ذكريات الفقي
خلال الكتاب يستعرض الفقي ذكرياته منذ التحاقه بمنظمة الشباب العربي الاشتراكي في النصف الثاني من عقد الستينيات في عصر الرئيس المصري الراحل جمال عبدالناصر، حتى عطائه الحالي الذي ما زال مستمرا ومتدفقا في الحياة العامة والسياسية والثقافية والصحفية والإعلامية.
ويعد الفقي شاهد عيان على عصر من التحولات السياسية والاجتماعية، انخرط في بعضها، وعاش بعضها الآخر عن قرب، بالإضافة إلى كونه دبلوماسياً مخضرماً عمل نائباً للقنصل العام المصري في لندن ثم سفيراً لبلاده في فيينا، كما شغل منصب سكرتير الرئيس الأسبق حسني مبارك للمعلومات لسنوات كثيرة.
يروي الفقي بنفسه في كتاب الذكريات للسيد الحراني رحلة صعود ابن مدينة دمنهور بمحافظة البحيرة، حتى وصل لمنصب نائب وزير الخارجية ورئيس لجنة الشؤون الخارجية داخل مجلس الشعب حتى عام 2011، وكيف بدأ حياته السياسية بالمشاركة في الأحداث الوطنية في عصر الرئيس عبدالناصر من خلال مظاهرات الطلبة.
ويروي بدقة تفاصيل كثيرة تتعلق بعصر الرئيس الراحل محمد أنور السادات، وكيف جرت محاولة تجنيده من جانب المخابرات الإسرائيلية، وأيضا يروي داخل الذكريات تفاصيل كثيرة عن عمله دبلوماسيا في لندن والهند والنمسا، ويسرد بدقة موقف الدولة المصرية من وجود الدكتور محمد البرادعي في وكالة الطاقة الذرية.
ثم تأتي الأحاديث الأكثر دقة، وربما جدلا حول عمله مع الرئيس الراحل محمد حسني مبارك بداية من كواليس الالتحاق بالعمل عن طريق مساعدة الدكتور أسامة الباز حتى أصبح الأقرب إلى الرئيس وزوجته السيدة سوزان وابنيه علاء وجمال، خاصة أنه كان له دور بارز مع الدكتور أسامة الباز يرويه بدقه شديدة في عقد لقاءات سرية بين مصر والجزائر، من أجل التمهيد لعودة مصر إلى الجامعة العربية في مؤتمر قمة مايو/أيار 1989 في الدار البيضاء التي كانت قمة استثنائية، وعبرت عن دعمها للدولة الفلسطينية التي أعلنها ياسر عرفات في ختام المجلس الوطني الفلسطيني في الجزائر في 1988 والعمل على توسيع الاعتراف بها.
ولا ينكر الدكتور مصطفى الفقي أنه ضمن الأسباب القوية لخروجه من منصبه بالرئاسة القضية التي عرفت آنذاك بفضيحة لوسي أرتين، حيث وجه له البعض اتهامات، وكانت هذه القضية هي سبب الإطاحة بوزير الدفاع آنذاك المشير محمد عبدالحليم أبوغزالة.
الجيش رفض التوريث
ويؤكد الفقي من خلال عرض تفاصيل دقيقة رفض الراحل المشير محمد حسين طنطاوي والجيش المصري مشروع توريث جمال مبارك للحكم، مما يوضح لماذا انحاز الجيش المصري إلى الشعب في أحداث 25 يناير 2011؟ في ظل دعم الراحل اللواء عمر سليمان مشروع التوريث وتأكيده للفقي في لقاءات وأحاديث خاصة جرت بينهما أن مهمته "عمر سليمان" ومهمة جهاز المخابرات نقل سلطة الأب "مبارك" إلى الابن "جمال"، وفاء لوالده وتاريخه العسكري البطولي ودورة الوطني في الحفاظ على مقدرات الدولة المصرية.
الدكتور مصطفى في كتاب الحراني يفتح كل الملفات ويتحدث في كل شيء دون مواربة أو مجاملة أو حتى حسابات، ويروي كواليس كثيرة بينه وبين عبدالحليم حافظ وأم كلثوم ومحمد عبدالوهاب ونبيلة عبيد والفريق سعد الدين الشاذلي والملك حسين وصدام حسين والملك تشارلز الثالث والرئيس مبارك وكل الرجال الذين كانوا حوله.
إملاء استغرق عامين
أكد الحراني لـ"العين الإخبارية" أن كتاب "ذكريات الدكتور مصطفى الفقي بين الدبلوماسية والسياسة والثقافية" بدأ بحوار صحفي عادي ولكنه تطور واستمرت الأحاديث بينهما عبر جلسات مطولة وصلت لأكثر من عامين، ولم يكن من السهل أبدا إقناع الدكتور مصطفى الفقي بنشرها في كتاب، ولكنه وافق أمام إيمان أن شهادته للحق والحقيقة والتاريخ، خاصة أنه عبر صفحات الكتاب الضخم المليء بالأسرار والتفاصيل والأحداث والروايات لم يوجه إدانة للبعض على حساب البعض الآخر، بل إنه وجه الإدانة للحدث، وللموقف، وترك وراءه من النصوص والوثائق المكتوبة والمرئية والمسموعة ما يؤكد صدق رواياته التاريخية وأيضا رؤيته المستقبلية.
السيد الحراني
الجدير بالذكر أن السيد الحراني كاتب صحفي بمؤسسة أخبار اليوم، وباحث سياسي، وروائي وسيناريست مصري، تخرّج في كلية الإعلام بجامعة القاهرة، ويشغل حالياً عضويات لجنة الإعلام بالمجلس القومي للمرأة، وعضو الجمعية المصرية للدراسات التاريخية، ونقابة اتحاد كتاب مصر.
وعمل بالعديد من الصحف المصرية من بينها "الفجر، البوابة، مصراوي، المصري اليوم، الوطن، الأهرام، أخبار اليوم"، وقام بكتابة مذكرات "الدكتور مصطفى محمود"، و"الدكتور سعد الدين إبراهيم"، و"الدكتور مصطفى الفقي"، و"الدكتور رفعت السعيد"، و"الدكتور محمد حبيب"، ورجل الأعمال "أحمد الريان" بعد خروجه من السجن، والمفكر الإسلامي "جمال البنا"، و"الفنانة فاتن حمامة"، و"الفنان نور الشريف" والفنان "حمدي أحمد".
وقدم برنامجا تليفزيونيا باسم "مسافر بين الشك واليقين"، وله العديد من المؤلفات، من بينها روايات "مارد"، "قضية الكوراني"، وكتب "الجماعات الإسلامية من تانى"، "الفيلسوف المشاغب"، "الوثائق المجهولة للإخوان المسلمين"، "ملعون أبو الواقع"، "فلسفة الموت"، و"الإخوان القطبيون".
aXA6IDMuMTQ0LjIzNS4xNDEg جزيرة ام اند امز