مدير معهد «مليار عقل»: القلق المناخي ينهش صحتنا النفسية.. والعلاج في مفاوضات COP (حوار)
مع تفاقم الاحتباس الحراري، تزداد الحاجة لدعم الصحة النفسية، وأخذها بعين الاعتبار في المفاوضات المناخية.
وتُعاني نسبة كبيرة من السكان؛ خاصة الشباب والنساء من مخاوف وقلق إزاء الآثار المدمرة للتغيرات المناخية، وهي حالة تدعو إلى القلق حقًا؛ خاصة في ظل غياب الدعم الكافي لتمثيل الصحة النفسية في العمل المناخي، على الرغم من أنّ تعزيز الصحة النفسية من شأنه أن يُقلل الخسائر الاجتماعية والاقتصادية اللاحقة، إلا أنها لا تُؤخذ بعين الاعتبار في كثير من العمل المناخي والمفاوضات.
وفي هذا الصدد، تواصلت "العين الإخبارية" مع الدكتور "جاري بيلكين" (Gary Belkin)، وهو طبيب نفسي، ومدير معهد مليار عقل (Billion Minds Institute).
ويهتم الدكتور جاري بالربط بين الصحة النفسية والعمل المناخي، ويتعاون مع "تحالف الطب النفسي المناخي" (Climate Psychiatry Alliance). وقد قابلته "العين الإخبارية" في حوار خاص، تناولنا فيه أبعاد تأثيرات التغيرات المناخية على الصحة النفسية، وكيفية دمج الصحة النفسية في العمل المناخي وقضايا التمويل والتكيف.
خلال الحوار كشف بيلكين عن رؤاه ومقترحاته لدعم الصحة النفسية في المجتمعات المحلية التي تعاني من آثار التغيرات المناخية.
ما الفروق في الطريقة التي يتجلى بها القلق المناخي في الدول الغنية مقابل الدول الهشة؟
هذا سؤال رائع، لدينا العديد من الدراسات والاستطلاعات حول هذا الموضوع؛ أولًا، القلق بشأن التغيرات المناخية والمخاوف المرتبطة به شائعة جدًا سواء في الدول ذات الدخل المرتفع أو الدول ذات الدخل المنخفض أو في أكثر المناطق عرضة لآثار التغيرات المناخية وكذلك في المناطق الأقل عرضة لآثار التغيرات المناخية. في النهاية، يواجه الناس بشكل عام آثار التغيرات المناخية على نطاق واسع.
وهذا القلق المناخي مسألة عميقة جدًا؛ فالناس خائفون من المستقبل، وبعضهم فقد الثقة في حكوماتهم والسلطات. لكن يبدو أن الوضع يزداد سوءًا كلما تعرض المرء لأحداث مناخية فعلية وأضرار. ويمكنك أن ترين معدلات أعلى من الأعاصير والظواهر المتطرفة في مناطق عن الأخرى، وبالتالي تزداد التأثيرات. يمكن القول إنه نعم، هناك تأثيرات مناخية منتشرة حول العالم، لكنها ليست بنفس القدر من الضرر في كل مكان.
هل هناك اختلافات ملحوظة في كيفية التعبير عن قلق المناخ بين الفئات العمرية أو بين الجنسين؟
يبدو أن الأمر أكثر شيوعًا بين الشباب، وربما بين النساء، مع أن هذا ينطبق على أي نوع من الاستطلاعات حول الضغوطات النفسية. هل تُبلّغ النساء عن معدلات أعلى من الرجال فيما يتعلق بالضغوط النفسية؟ لطالما تساءلتُ عما إذا كان ذلك يعود إلى أن الرجال يجدون صعوبة أكبر في الاعتراف بمعاناتهم من الضغوط النفسية مقارنة بالنساء، حسنًا، قد يبدو أنّ هذا هو الاختلاف.
تُركز هذه المسوحات على التقاط أعراض معينة من خلال حياة الناس وقياس الدرجة التي يتداخل بها هذا القلق مع أنشطتهم اليومية أو قدرتهم على الاستمتاع بالأنشطة اليومية، وهكذا. لذلك؛ فهو ليس مجرد قلق، بل له في الواقع طابع عاطفي متأصل، وهذا ما يجعله أكثر إثارة للقلق من الناحية النفسية.
هل تعتقد أن استبعاد القلق المناخي من المفاوضات يؤثر على عملية التفاوض؟
هناك القليل من البحث حول مدى تأثير القلق المناخي بين المفاوضين وصناع القرار، وكانت هناك بعض الأبحاث النوعية التي تمت فيها مقابلة المفاوضين في مؤتمرات المناخ، خصوصًا في الأماكن التي تتعرض لتأثيرات مناخية أكبر. هؤلاء المفاوضون يشعرون بقلق شديد، ولديهم أيضًا مشاعر بالإحباط واليأس. لكنني لا أعتقد أن هذه المشاعر تظهر في المفاوضات. وأرى أن هذا أمر مؤسف. هناك بالفعل مجال بحثي جديد يتناول دور المشاعر في المفاوضات السياسية. ويبدو أن المفاوضين كلما شاركوا مشاعرهم مع بعضهم البعض، كانت المفاوضات أكثر نجاحًا. وهذا يتجلى بصورة خاصة في مجال المناخ. لذلك، أرى أنه من الضروري أن تكون هناك دعوات لدعم الصحة في مواجهة التغيرات المناخية بجانب التخطيط والسياسات والتمويل، أيضًا دعوات بين المفاوضين بشأن مخاوفهم وقلقهم.
وبخصوص الاهتمام المتزايد بالصحة والمناخ؛ فأرى أنّه بالفعل هناك اهتمامًا متزايدًا بالصحة وتغير المناخ، لكنه يتركز غالبًا على الأمراض الجسدية والأمراض المرتبطة بارتفاع درجات الحرارة. أما الصحة النفسية، فهي بدأت مؤخرًا فقط تحظى بالاهتمام. وأعتقد أنه إذا حصلت على مزيد من الاهتمام، فإنها يمكن أن تضيف وجهًا إنسانيًا أوضح، سواء في التخفيف من الآثار أو في التكيف مع المناخ. لكنني أعتبر الاهتمام بالتكيّف تحديدًا هو أمر بالغ الأهمية.
لقد تعرضت المجتمعات بالفعل للصدمة والضرر، وإذا لم نواجه ذلك؛ فسيكون لدينا المزيد من العمل لإنجازه في المستقبل.
كيف يمكن للسياسات أن تدعم الصحة النفسية ومرونة المجتمعات في المناطق المتضررة؟
سأتراجع خطوة لأوضح أن الأمر لا يقتصر على وجود ضيق نفسي وقلق لدى الناس وما يترتب على ذلك من آثار سلبية؛ فالمناخ يمثل اضطرابًا شاملاً وخطرًا واسع النطاق؛ إذ قد يؤدي إلى تفاقم معظم الأمراض النفسية تقريبًا، مثل السلوك الانتحاري والاكتئاب واضطرابات القلق والصدمات النفسية وكذلك القلق العام، جميعها تتفاقم، كما أنّ ارتفاع درجات الحرارة تزيد من معدلات العنف بين الأفراد.
وبالتالي، فإن الأمر ليس مجرد مشكلة صحية، بل هو مشكلة اجتماعية أيضًا. لذا، عندما نضيف نطاق تأثير الصحة النفسية وأضرارها، فإننا نشهد أيضًا انخفاضًا في الثقة الاجتماعية وضعفًا في الكفاءة والفعالية. وهذا من شأنه أن يضعف قدرة الناس على حل المشكلات بشكل جماعي. وإذا أصبح الأمر ضارًا بالتماسك الاجتماعي المحلي في وقت نحن في أمسّ الحاجة فيه إليه؛ فهذا يعني أنّ الأمر صار قضية سياسية بارزة.
لكن هذا يطرح أيضًا تحديات أمام الحلول؛ فالأثر هنا أوسع بكثير مما يُناقش عادةً في أنظمة الصحة النفسية، التي تميل إلى التركيز السريري على تشخيصاتٍ مُحددة. بينما القضية أكبر من ذلك بكثير. لذا، كان نهجنا هو القول إن نقطة البداية ليست في النظام السريري، بل في الطرق التي تسعى بها المجتمعات إلى التكاتف حول العمل أو التكيف مع المناخ بحد ذاته.
وفي إطار هذا العمل، نحدد ما يقول الناس إنهم بحاجة إليه، من حيث الأمل النفسي، للقيام بهذا العمل، وللتعامل مع هذه المشاكل، حتى نحصل على قائمةٍ حلول تتناسب مع واقعهم. وبالفعل نعمل مع البنك الدولي على إعداد تقرير يوضح كيفية تطبيق ذلك، ويطرح القضية في إطار تمويل المناخ. لأنه بدون ذلك، تقل احتمالية نجاح المشاريع التي يُموّلها تمويل المناخ، وخاصةً استثمارات التكيف مع المناخ، إذ تعتمد بشكل كبير على تكاتف الناس لمواجهة هذه التحديات. لكنهم لن يفعلوا ذلك ما لم نُبنِ أيضًا ثقتهم النفسية. أجل، ونعم، هناك العديد من المشاكل هنا فيما يتعلق بالتمويل والتكيف.
ما الذي تأملون طرحه في COP30 بشأن الصحة النفسية؟
فيما يتعلق بالصحة النفسية والعقلية، نذكر بعض النقاط. على وجه الخصوص، ينبغي أن يتبنى الهدف العالمي للتكيف نهجًا سكانيًا وصحيًا نفسيًا، نُطلق عليه نهج المرونة النفسية للسكان. هذا النهج يعكس شموليته؛ فهو يتجاوز مجرد الصحة النفسية كما نتصورها كأمراض معينة ورعاية صحية، بل يشمل مجتمعًا بأكمله، ويجب أن يتخلل هذا النهج التكيف مع المناخ وتنفيذه وتمويله. وبالتالي، ينبغي أن ينعكس ذلك في الهدف العالمي للتكيف.
تُعدّ المرونة النفسية جزءًا لا يتجزأ من التكيف، ولذلك ينبغي أن تدعمها قطاعات التمويل. بما في ذلك تمويل الخسائر والأضرار. فهناك بعض الخسائر والأضرار التي ترتبط بشكل مباشر بالصحة النفسية؛ مثل فقدان التراث، أو المناظر الطبيعية المألوفة، أو سبل العيش وما إلى ذلك. تلك الخسائر تؤثر سلبًا على الصحة النفسية للمجتمعات. في الواقع، الكثير من هذه الخسائر تُترجم إلى آثار نفسية، يمكن قياس بعضها كخسائر اقتصادية، لكنها أيضًا تمثل خسائر اجتماعية وثقافية جسيمة. في الواقع، الكثير من هذه الأمور تُختصر في الآثار الجانبية. لذا، إذا كنا سنفترض خسارة غير ناشئة عن ضرر، ففي الواقع، هناك الكثير من هذا الضرر النفسي الذي يمكن قياسه كخسارة اقتصادية. ولكنه أيضًا خسارة اجتماعية ثقافية هائلة.
نعتقد أن تمويل الحماية الاجتماعية في موقع جيد جدًا ليشمل بناء القدرات النفسية. كما أن التمويل عبر بعض التحولات البيئية العالمية شمالًا وجنوبًا، مثل المرفق البيئي العالمي، يمكن أن يُدمج فيه هذا البعد. إضافةً إلى ذلك، ينبغي أن تتضمن ميزانيات الصحة الدولية وخطط الصحة الوطنية، بما في ذلك خطط التكيف الوطنية، تمويلًا مخصصًا للمرونة النفسية.
لذا، ليس علينا إنشاء أنظمة ومناهج جديدة بالكامل أو تمويل منفصل للصحة النفسية المرنة. ببساطة، دمجها ضمن النماذج القائمة. وما يثير الاهتمام أن التمويل لا ينبغي أن يقتصر على العيادات والخدمات الطبية، بل يجب أن يشمل أيضًا الأشخاص المنخرطين في أعمال التكيف المناخي. فالأدلة تشير إلى أن معظم مهارات دعم الصحة النفسية يمكن أن يقوم بها غير المتخصصين، ومن الأفضل في الواقع القيام بذلك. صحيح أن بعض الحالات تتطلب رعاية رسمية، لكن الكثير من الدعم النفسي المرتبط بضائقة المناخ يمكن أن يُقدَّم من خلال النظراء والمجتمع المحلي.
لذلك، نحن بالفعل نستثمر في الأشخاص الذين يعملون في مجال التكيف المناخي، ونرى أن إدماج الصحة النفسية في هذا السياق ليس سوى امتداد طبيعي لهذا الاستثمار. ونعتقد أن هذا ممكن جدًا، وأن المناقشات الحالية حول تمويل المناخ وأهداف التكيف تمثل فرصة مناسبة لإدراج هدف القدرة النفسية كجزء أساسي من أجندة العمل المناخي.
هل تعتقد أنه ينبغي أن تكون هناك بنود مخصصة للصحة النفسية ضمن اتفاقيات المناخ؟
نعم، يجب أن يصبح الأمر كذلك. على سبيل المثال، عندما نضع خططًا وطنية للتقييم، يجب أن نحدد ضرورة وجود تقييم للمخاطر والضعف في مجال الصحة النفسية، ووضع خطة واستجابة متكاملة.
ما هي رسالتك لقادة العالم في COP30؟
من الواضح أنّ تأثيرات المناخ لا تسير في الاتجاه الصحيح، وأننا نواجه بالفعل مستويات خطيرة وصعبة الإدارة من التأثيرات المناخية في العديد من المناطق، بينما تقترب مناطق أخرى من مستويات مدمّرة اجتماعيًا يصعب التعامل معها. وأحد أهم وسائل مواجهة هذا الخطر، هو الاستثمار في التضامن الاجتماعي، وبناء قدرات محلية للدعم المتبادل، حيث تُعد المرونة النفسية ركيزة أساسية، فبدونها قد يكون كل شيء آخر مستحيلًا.
إن أساس التكيف المناخي هو الناس، والناس ينهارون. وإذا لم يأخذ القادة الأمر على محمل الجد؛ فسوف مشكلات أكبر بكثير مما نواجهه الآن. هذه ليست مسألةً إضافيةً اختياريةً أو سطحيةً أو غير مهمة. بل هي قضية جوهرية وأساسية وقابلة للتنفيذ.
ما نصيحتك كطبيب للأشخاص المتأثرين بالتغيرات المناخية للحفاظ على استقرارهم النفسي؟
حسنًا؛ هذا سؤال رائع! الأمر يختلف بالنسبة للناس؛ إذ يشعر بعض الناس بالنشاط من خلال المشاركة بشكل أكبر في العمل المتعلق بالمناخ والانضمام إلى الجماعات البيئية المحلية ومشاريع التكيف مع المناخ أو المناصرة، مما يُعزز التضامن وتُساعد فرص تبادل المشاعر، بينما يشعر آخرون بالاكتئاب والقلق حيال ذلك، لذا فالأمر يعتمد على الظروف.
لكنني أعتقد أن الأهم هو إيصال هذه المشاعر إلى أي شبكة اجتماعية أو ممارسة قائمة تدعمهم عاطفيًا. قد يكون ذلك من خلال مجتمعاتٍ دينية، أو طرقٍ أخرى تلتقي فيها المجتمعات، بحيث تُستخدم هذه المساحات كفرصٍ لمشاركة التجارب والمشاعر المرتبطة بالمناخ.
النقطة الثانية، وهي ما ينبغي أن توفره الحكومات بشكل أكبر، هي تدريب الناس على مهارات الدعم النفسي بين الأقران. فهناك بالفعل مهارات يمكن تعلمها لتقديم هذا النوع من الدعم، وهنا يأتي دور الحكومات والجهات المناخية لتوفير هذه الفرص. وهذا بالضبط جزء كبير من عملنا: محاولة توسيع هذه الفرص وتعزيزها.
aXA6IDIxNi43My4yMTYuMjE4IA==
جزيرة ام اند امز