اتفاق ميركوسور.. أوروبا تقترب من الحسم وسط انقسام في المواقف وقلق المزارعين
في وقت بدأت تتشكل فيه أغلبية بين دول الاتحاد الأوروبي للموافقة على اتفاقية التجارة الحرة بين الاتحاد الأوروبي ودول الميركوسور الأربع (الأرجنتين، والبرازيل، وباراغواي، والأوروغواي) قبل عيد الميلاد، انتقلت حركة الاعتراض هذه المرة إلى البرلمان الأوروبي.
وقالت صحيفة «لوفيغارو» الفرنسية إن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لم يعد يمتلك القدرة السياسية الكافية لعرقلة الاتفاق، لكنه نجح في الحصول من المفوضية الأوروبية على تنازلات مهمة عبر آلية "حماية" مخصصة للاستجابة لمخاوف المزارعين.
وأضافت الصحيفة أن ماكرون أشعل الجدل مجددًا عندما قال، في السادس من نوفمبر/تشرين الثاني، إنه أصبح ميّالًا إلى الإيجابية بشأن هذه التطورات، بعد أن وصف الاتفاق طويلًا بأنه "غير مقبول بصيغته الحالية".
ووفقًا لـ"لوفيغارو"، اضطر ماكرون إلى التخلي عن فكرة تشكيل أقلية معطِّلة داخل الاتحاد، بعدما باتت معظم الدول الأوروبية مؤيدة للنص، باستثناء بولندا.
وفي هذه الأثناء، يحاول بعض نواب البرلمان الأوروبي القيام بمحاولة أخيرة عبر الدفع نحو إحالة الاتفاق إلى محكمة العدل الأوروبية للطعن في قانونيته.
وأشارت الصحيفة إلى أنه لم يعد هناك الكثير من الغموض، إذ لمح عدد من القادة الأوروبيين، من بينهم المستشار الألماني فريدريش ميرتس في 23 أكتوبر/تشرين الأول، إلى أن الاتفاق سيُقر قبل عيد الميلاد.
وأوضحت «لوفيغارو» أن المفوضية الأوروبية ومعها غالبية الدول الأعضاء يدافعون بشدة عن المشروع، باعتباره اختبارًا لدور الاتحاد الأوروبي الجيوسياسي في مواجهة عالم تتصاعد فيه الهيمنة التجارية لكلٍّ من الصين والولايات المتحدة.
فإقامة سوق تضم نحو 700 مليون مستهلك بين أوروبا وأمريكا اللاتينية تُعد خطوة حاسمة. ووفقًا لبروكسل، فإن الاتفاق من شأنه تعويض ثلث الصادرات الأوروبية المتضررة من الرسوم الجمركية الأمريكية البالغة 15%.
كما قد يرفع الاتفاق حجم الصادرات الأوروبية إلى الميركوسور بنسبة 39%، أي ما يقارب 50 مليار يورو من العائدات التي ستدعم نحو 450 ألف وظيفة أوروبية.
ويحقق التبادل التجاري بين الطرفين اليوم فائضًا سنويًا لصالح الاتحاد الأوروبي يتراوح بين مليار وملياري يورو. وينص الاتفاق على إلغاء 90% من الرسوم الجمركية، أي ما يعادل 4 مليارات يورو سنويًا، على منتجات تشمل الزراعة، والأجبان والسيارات، والملابس، والأحذية.
كما قد تزداد الصادرات الزراعية الأوروبية إلى الميركوسور بنسبة تصل إلى 50%. وفي المقابل، يلتزم المنتجون في أمريكا الجنوبية بالاعتراف بـ350 مؤشرًا جغرافيًا محميًا للمنتجات الأوروبية، مثل "جامبون بايون" و"توم دو سافوا". ويتضمن الاتفاق أيضًا خفضًا تدريجيًا للرسوم الجمركية على السيارات من 35% إلى 25% خلال العام الأول، بينما تُعفى واردات أوروبا من المعادن الحيوية، مثل الليثيوم، من الرسوم.
ومع ذلك، يثير فتح حصص استيراد لحوم الأبقار والأرز والسكر من أمريكا الجنوبية قلق المزارعين الأوروبيين. فبالنسبة للحوم البقر، وهو القطاع الأكثر حساسية، حُددت الحصة عند 99 ألف طن، أي ما يعادل 1.6% فقط من الاستهلاك السنوي، نصفها مخصص للحوم المجمّدة، أي ما يعادل "شريحة لحم واحدة" للفرد سنويًا. وتُطبق نسب مشابهة تقريبًا على الدواجن والأرز والسكر.
ورغم هذه الحدود، وضعت المفوضية الأوروبية، بناءً على طلب فرنسا، بند حماية يسمح بفتح تحقيق وتعليق الاستيراد في حال حدوث زيادة مفاجئة في الكميات أو انخفاض في الأسعار يُسبب ضررًا بالغًا لقطاع أوروبي محدد. كما خُصص صندوق تعويض بقيمة 6.3 مليارات يورو لدعم المزارعين المتضررين من المنافسة.
واعتبر أحد المسؤولين الأوروبيين أن هذه الإجراءات تمثل "الحزام والحمالات"، فيما وصفها ماكرون بأنها "خطوة في الاتجاه الصحيح" في إطار تهيئة الأرضية لتغيير موقفه.
لكن ذلك لم يمنع نحو 60 نائبًا أوروبيًا من تقديم مشروع قرار، الجمعة، يأملون طرحه للتصويت نهاية نوفمبر، بهدف إحالة الاتفاق إلى محكمة العدل الأوروبية للنظر في مدى توافقه مع معاهدات الاتحاد.
ومن بين هؤلاء نواب فرنسيون من تيارات مختلفة: من الوسط مثل باسكال كانفان، ومن اليسار رافاييل لوكسمان، ومن اليمين فرنسوا زافييه بيلامي، ومن الخضر ماري توسان.
ويعترض هؤلاء على آلية تسمح لأي طرف بالمطالبة بتعويض إذا ألغت إجراءات الطرف الآخر ميزة يمنحها الاتفاق. وسيكشف هذا التصويت ميزان القوى داخل البرلمان الأوروبي قبل التصديق الرسمي على الاتفاق المتوقع مطلع عام 2026.
aXA6IDIxNi43My4yMTYuNTIg جزيرة ام اند امز