رسالة قوية من العاهل المغربي للمؤسسات المالية العالمية في اجتماعات مراكش
أكد العاهل المغربي الملك محمد السادس، اليوم الجمعة، أن العالم في أشد الحاجة لإعادة النظر في المنظومة المالية العالمية لتكون أكثر إنصافاً.
جاء ذلك، في رسالة وجهها العاهل المغربي إلى الاجتماعات السنوية للبنك وصندوق النقد الدوليين، التي تستضيفها مراكش في الفترة من 9- 15 أكتوبر/تشرين الأول الجاري.
وذكر العاهل المغربي أنه "من الضروري العمل على تحسين المنظومة العالمية لتصبح أكثر إنصافا واستيعابا لمصلحة الجميع، ولعل هذه الاجتماعات السنوية تشكل أنسب فضاء لاحتضان حوار ونقاش بناء بشأن هذا الإصلاح".
كما أشار إلى أن "العالم يشهد اليوم تشرذما "جيواقتصاديا" وتناميا للنزاعات السيادية، التي يعزى جزء منها إلى الرغبة في إعادة ضبط موازين القوى الاقتصادية والسياسية على الصعيد العالمي.
وقال العاهل المغربي في كلمته "إنه لمن دواعي سرورنا أن نرحب بكم في المملكة المغربية، وفي مدينة مراكش العريقة الغنية بتاريخها وتراثها الثقافي والحضاري؛ مما جعل منها قبلة سياحية عالمية، وملتقى أثيرا لاحتضان التظاهرات الدولية الكبرى التي طبع بعضها تاريخنا الحديث. ونخص بالذكر هنا قمة "الغات" لسنة 1994 التي شهدت ميلاد منظمة التجارة العالمية، ثم مؤخرا مؤتمر الأطراف (كوب 22) في العام 2016. ولا يخامرنا أدنى شك بأن النجاح ذاته سيحالف الاجتماعات السنوية لمجموعة البنك الدولي وصندوق النقد الدولي".
وأشار الملك محمد السادس إلى أنه بعد سنتين من التأجيل بسبب جائحة كورونا، يشهد المغرب انعقاد هذا المنتدى المرموق مرة أخرى في القارة الأفريقية بعد نصف قرن، وفي منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بعد عشرين سنة من دورة دبي 2003. وأنه من الطبيعي أن تُعقد آمال كبيرة على هذه الاجتماعات السنوية، بالنظر إلى السياق الاستثنائي الذي يمر به العالم، واعتبارا للتحديات الجيو- سياسية والاقتصادية والبيئية التي يواجهها العالم منذ سنوات.
- الإمارات تشارك في اجتماعات البنك الدولي وصندوق النقد الدولي في مراكش
- محمد السادس في خطاب العرش.. خارطة طريق آمنة بجغرافيا مستقبل المغرب
وأضاف العاهل المغربي أنه "في الوقت الذي يواجه فيه كوكبنا تقلبات مناخية فرضت واقعا جديدا، ما فتئت تؤكده المعطيات يوما بعد يوم، لا يزال العالم غارقا في مشكلات كنا، إلى عهد قريب، نحسب أن جزءا كبيرا منها قد وجد طريقه إلى الحل، بفضل القواعد والمؤسسات متعددة الأطراف التي تم إرساؤها غداة الحرب العالمية الثانية. فما نشهده اليوم من تشرذم جيو-اقتصادي وتنام للنزعات السيادية، التي يُعزى جزء منها إلى الرغبة في إعادة ضبط موازين القوى الاقتصادية والسياسية على الصعيد العالمي، بات يشكل تهديدا للتقدم الكبير الذي تم إحرازه خلال العقود الأخيرة في ظل تعددية الأطراف".
وتطرق العاهل المغربي إلى تأثيرات العولمة، التي بدأ مدها منذ ثمانينيات القرن الماضي وساهمت في خفض تكاليف الإنتاج وتشجيع التجارة العالمية، فهي من بين العوامل المساهمة في تخفيف حدة التضخم الذي ينهك اليوم القدرة الشرائية للأسر في جميع أنحاء العالم، وذلك رغم السياسات النقدية المتشددة التي، وإن كان جلها قد طبق بشكل متزامن، لم تخل من تداعيات على النشاط الاقتصادي. فقد مكنت من تحقيق بعض التقدم الملموس من خلال تحسين مستويات العيش، مما أسهم في تخليص فئات عريضة من سكان العالم من وطأة الفقر، بالرغم مما رافقها من آثار جانبية، خاصة ما تعلق منها باتساع هوة الفوارق والتفاوت، وذلك على حد قوله.
وواصل العاهل المغربي كلمته قائلا إنه صحيح أن التطورات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي شهدتها السنوات الأخيرة تستدعي إصلاح المؤسسات والقواعد التي تحكم نظام تعددية الأطراف، لكن هذا الأمر يقتضي كذلك توطيد المبادئ الأساسية التي يقوم عليها هذا النظام وإذكاء الروح التي تلهمه. ذلك أنها ما تزال ضرورية لحفظ الاستقرار والسلم العالميين، والدفع قدما بتضافر الجهود للتغلب على التحديات المشتركة التي تواجه كوكبنا وشعوبنا.
وقال: لكن التصدي للتحديات العالمية يتطلب، كما نعلم جميعا، حلولا عالمية لا تتيسر إلا في إطار الوحدة والاحترام المتبادل بين الأمم، لاسيما عبر إدماج التنوع وتثمينه، باعتباره قيمة مضافة لا مصدرا للنزاع والفرقة مع مراعاة خصوصيات كل دولة ومنطقة.
ودعا العاهل المغربي في كلمته إلى أنه يتعين إعادة النظر في المنظومة المالية العالمية، والعمل على تحسينها لتصبح أكثر إنصافا واستيعابا لمصلحة الجميع. فلئن كان قدرنا أن نحيا جميعا في هذا الكوكب، فلا سبيل لأي بلد ليبني مستقبله بمعزل عن مراعاة مصائر بقية البلدان.
وذكر العاهل المغربي أن المغرب رجحت كفة الانفتاح الاقتصادي والتعاون، مضيفا "انخرطنا في مختلف الخطط والبرامج العالمية، سواء فيما يتعلق بالتنمية الاقتصادية، أو بالتصدي للتغيرات المناخية، أو بمكافحة الإرهاب وتبييض الأموال وتنامي انعدام الأمن السيبراني الذي أفرزته الثورة الرقمية.
وأضاف: في هذا السياق، عمدنا، على الخصوص، إلى جعل التعاون جنوب-جنوب منطلقا أساسيا لانفتاحنا، معتمدين في ذلك نهجا يروم تحقيق التنمية المشتركة مع البلدان الشقيقة والصديقة في القارة الأفريقية.
وقال: أما على الصعيد الداخلي، فقد أطلقنا، منذ مطلع القرن الحالي، مجموعة من الإصلاحات المجتمعية والاجتماعية والاقتصادية الكبرى، فضلا عن برنامج ضخم للبنيات التحتية. وبموازاة ذلك، نظل حريصين على المحافظة على التوازنات الماكرو اقتصادية التي نعتبرها ضمانة للسيادة والمرونة الاقتصاديتين.
وأضاف: بدأنا نستشعر نتائج هذه الرؤية بشكل ملموس، حيث أبان اقتصادنا عن قدرة مهمة على الصمود في ظل هذا السياق الدولي المعقد وغير المستقر، والذي شهد خلال السنوات الأخيرة صدمات متتالية خارجة عن إطار المتوقع والمألوف.
وأكد الملك محمد السادس أن احتضان بلادنا لهذه الاجتماعات جاء ثمرة لشراكة انطلقت منذ أمد بعيد بالتعاون مع مؤسسات بريتون وودز، وهو كذلك شهادة على الثقة في قوة إطار المغرب المؤسساتي وبنياتها التحتية والتزامها بدور في تعزيز العلاقات الدولية. من منطلق إن المغرب يتطلع، في ضوء انتمائه الأفريقي، إلى تمكين القارة الأفريقية من المكانة اللائقة بها ضمن بقية الهيئات الدولية، بما يمكنها من النهوض بخططها الاقتصادية والاجتماعية، بعد أن صار صوتها ممثلا بالاتحاد الأفريقي، مسموعا في مجموعة العشرين.
وأضاف أن "دول القارة من أكثر بلدان العالم تضررا من آثار التغيرات المناخية، رغم تصنيفها ضمن البلدان الأقل مساهمة في الأنشطة المسببة لارتفاع درجة حرارة الأرض. وبالتالي، ينبغي إعادة ضبط القواعد والأطر المنظمة لمعالجة إشكالية المديونية، بما يجعلها تراعي بشكل أفضل ما تعانيه الفئة الأكثر مديونية من الدول ذات الدخل المنخفض من إكراهات تحد من قدرتها على المبادرة ومواجهة التقلبات.
وأوضح أنه لذلك، يحق لأفريقيا، التي يرتقب أن تأوي ربع سكان العالم في سنة 2050، أن تستفيد اليوم من الشروط الكفيلة بتمكينها من تعزيز هوامش المناورة التي تمتلكها، واستثمار مؤهلاتها في الاستجابة لاحتياجات سكانها، في عالم تخيم عليه أجواء الاضطراب واللا يقين، وتطبعه تحولات عميقة طالت النماذج والمنظومات القائمة".
واختتم العاهل المغربي كلمته بقوله "إننا على يقين بأن هاتين المؤسستين لن تدخرا جهدا في سبيل إنجاح هذه الاجتماعات، بما يجعلها تحرز تقدما فعليا وملموسا في تحقيق أهدافها. ونأمل أن يتم تذويب الخلافات بين الاقتصادات الكبرى، وحشد مزيد من الجهود والمساعي المتضافرة في سبيل السلام والرخاء العالميين، وذلك في إطار من روح التضامن إزاء البلدان الأكثر هشاشة.
فبالحوار الصريح والبناء والمتوازن وحده نستطيع التوفيق بين التحديات الاقتصادية والمالية، من جهة؛ والبشرية، من جهة أخرى، لكي نضمن لكوكبنا المستقبل المشترك الذي يتوخاه كل منا لأبنائه".
aXA6IDMuMjEuNDYuMjQg جزيرة ام اند امز