موازنة 2024 دون اللجوء لصندوق النقد.. هل تصمد تونس أمام هذا التحدي؟
تراهن تونس في صياغتها لمشروع قانون المالية لسنة 2024 على عدم الذهاب إلى صندوق النقد الدولي للاقتراض بالرغم من حاجتها له في ظل الأزمة الاقتصادية في البلاد.
وهذا ما تم كشفه مؤخرا في الوثيقة الرسمية الصادرة عن وزارة المالية التونسية تحت عنوان "الفرضيات والتوجهات الكبرى لمشروع موازنة الدولة لسنة 2024" .
ويستعد البرلمان التونسي في الأيام المقبلة لعرض مشروع قانون الميزانية لعام 2024 لدراسته بصورة دقيقة والمصادقة عليه وفق الآجال الدستورية.
وخلافا لفرضيات سنتي 2022 و2023 فإن الحكومة التونسية لم تدرج في مشروع الموازنة الجديدة فرضية الحصول على قرض من صندوق النقد الدولي ، مما يشير إلى أن تونس تتجه نحو عدم التعويل على مساعدة الصندوق.
- تونس.. ضغوط متزايدة وتأخير كارثي لتمويل "النقد الدولي"
- هل يصالح مشروع موازنة 2024 التونسيين؟.. "لا ضرائب جديدة"
وتفاوض تونس من أجل الحصول على تمويل بقيمة 1.9 مليار دولار من صندوق النقد الدولي، الذي يفرض شروطا تتمثل في رفع الدعم وخصخصة المؤسسات الحكومية، في حين يرى الرئيس التونسي قيس سعيد أن هذه الشروط إملاءات تهدد السلم الاجتماعي.
ومنذ أسبوع، قال الرئيس التونسي قيس سعيد خلال لقائه برئيس حكومته أحمد الحشاني إن "الدولة لن تتخلى عن دورها الاجتماعي في إعداد مشروع الميزانية وقانون المالية لسنة 2024".
والخميس الماضي، عبر قيس سعيد خلال لقائه وزير الاقتصاد التونسي سمير سعيد عن رفض بلاده لأي إملاءات من الخارج مؤكدا أن" الاقتصاد يجب أن يكون اقتصادا وطنيا وأن التخطيط يجب أن يكون بدوره تخطيطا وطنيا وأن تونس لن تخضع لأي إملاءات من الخارج".
وأشار قيس سعيد إلى أن" الدولة ليست مؤسسة مصرفية ولا يمكن أن تدار بمنطق المصارف والشركات التجارية، كما أن الذات البشرية ليست سهما في شركة أو في بورصة الأوراق المالية."
وللإشارة فإنه تم إعداد مشروع موازنة الدولة لسنة 2024 وفق عدد من الفرضيات أبرزها اعتماد نسبة نمو بالأسعار القارة (الثابتة) 2.1 في المئة مقابل 1.8 في المئة مستهدفة لكامل سنة 2023.
يشار إلى أن الاقتصاد التونسي سجل نمواً بنسبة 1.2 في المئة خلال النصف الأول من عام 2023.
كما تم تقدير متوسط سعر برميل النفط في حدود 71 دولاراً للبرميل (خام برنت) مقابل 89 دولاراً في الموازنة الأصلية لهذه السنة .
وكانت موازنة سنة 2023 قد تم بناؤها على أساس الانطلاق في عدة إصلاحات اقتصادية وجبائية للحد من انزلاق المالية العمومية، وهذا لم يتم التنصيص عليه خلال صياغة مشروع موازنة 2024.
حيث قالت وزيرة المالية أعلنت مؤخرا وزيرة المالية سهام بوغديري أن مشروع قانون المالية لعام 2024 لن يتضمن ضرائب إضافية على المواطنين والشركات، وسيعمل على سن إجراءات من شأنها تحسين القدرة الشرائية للمواطنين
كما تم إعداد مشروع موازنة 2023 على أساس إمضاء اتفاق مع صندوق النقد الدولي وهو لن يحدث هذه المرة.
ويرى محللون أن تونس يمكنها تدبير أمورها دون دعم صندوق النقد الدولي على المدى القصير.
والسبت، قالت مديرة صندوق النقد الدولي كريستاليا غورغييفا إن تونس في حاجة إلى إجراءات عاجلة لاستكمال ترتيبات الاتفاق المتعثر بشأن قرض بقيمة 1.9 مليار دولار، رغم إقرارها بأن البلاد ليست في مرحلة إعادة هيكلة ديون، في أحدث ردّ من الجهة الدولية المانحة بعد الموقف الذي اتخذه الرئيس التونسي قيس سعيد برفضه الرضوخ لما يعتبرها إملاءات تهدد السلم الأهلي للبلاد.
وقال غورغييفا إن "الوضع الاقتصادي في تونس مضطرب"، مشيرة إلى أن "البلد الواقع في شمال إفريقيا لا يزال بحاجة إلى إجراءات عاجلة لاستكمال الترتيبات المتعلقة بحزمة إنقاذ قيمتها 1.9 مليار دولار من صندوق النقد الدولي".
وتابعت أن "إعادة هيكلة ديون تونس ليست مطلوبة لأنها ليست في وضع خطير حتى الآن"، لكنها استدركت قائلة "مع ذلك كلما أسرعت في اتخاذ بعض التدابير لتحسين وضعها المالي وتعزيز أدائها الاقتصادي كان ذلك أفضل بالنسبة لها".
من جهته، قال الخبير الاقتصادي التونسي عز الدين سعيدان إن فرضيّة الحصول على قرض من صندوق الدولي غير مطروحة ضمن ميزانية البلاد التونسية لسنة 2024.
وأكد في تصريحات لـ "العين الإخبارية" على ضرورة الشروع في القيام بالإصلاحات.. معتبرا أن عدم القيام بإصلاحات ستكبد تونس أثمانا أكبر.
وأشار إلى أن كل الإصلاحات تكون لها ارتدادات وانعكاسات اجتماعية لكن "عدم القيام بالإصلاحات ستكون كلفتها أكثر على الأصعدة الاقتصادية والاجتماعية".
وقال إن "الإصلاحات ضرورية حتى وإن خسرنا سنوات مهمّة وثمينة جدّا لكن لا بدّ من الدخول في هذه الإصلاحات..".
من جهة أخرى، قال أستاذ الاقتصاد بالجامعة التونسية، آرام بلحاج إن كل رفض لإملاءات صندوق النقد الدولي والاتحاد الأوروبي أو أي شريك له علاقة مباشرة بتمويل الميزانية هو قرار يدعم السيادة الوطنية.
وتابع "وفي نفس الوقت، وجب إيجاد بدائل جدية لمجابهة الصعوبات المالية التي تمر بها البلاد."
وأوضح أنه "في الواقع، البدائل المطروحة على المدى القريب هي إيجاد تمويلات خارجية بعيدا عن المعسكر الغربي واللجوء أكثر فأكثر إلى التمويل الداخلي، خاصة عن طريق البنوك والضغط على البنك المركزي للانخراط في تمويل ميزانية الدولة".
وأكد أن "السياحة وعمالنا بالخارج كان لهم دور في تعافي الأوضاع الاقتصادية في تونس"، مُشيرًا إلى أنّ 'هذه المُؤشّرات ساهمت في تحسّن احتياطي تونس من العملة الصعبة وبالتالي قدرة البلاد على سداد ديونها، رغم الصعوبات المالية التي تعيشها اليوم".
وأوضح بالحاج، أن" سداد القروض لا يعني أن مشاكلنا الاقتصادية والمالية حلّت، لأنّ ميزانية الدولة لا تقتصر فقط على القروض، خاصّة مع وجود صعوبات على مستوى التزويد وخلاص المتعاقدين مع الدولة".
والإثنين، رجّح البنك الدولي انخفاض نسبة التضخم في تونس بنسبة 8 % .
يذكر أن نسبة التضخم في سبتمبر/أيلول الماضي تراجعت إلى مستوى 9 % مقابل 9.3 % خلال أغسطس/آب 2023، وفق ما أظهرته النشرة الخاصّة بمؤشر أسعار الاستهلاك العائلي لشهر سبتمبر/أيلول 2023، الصادرة عن المعهد الوطني للإحصاء (حكومي).
aXA6IDMuMTM4LjEwNS40IA==
جزيرة ام اند امز