تُظهر الاستطلاعات على صعيد البلاد تقدّم كلينتون باثنين في المئة حالياً، لكن الاستطلاعات ليست في معظم الأحيان مؤشراً موثوقاً، وخير دليل على ذلك استفتاء «بريكسيت» عندما صوّت البريطانيون للاختيار بين البقاء في الاتحاد الأوروبي أو الخروج منه.
أتنقّل حالياً في مختلف أنحاء الولايات المتحدة بعدما أمضيت بضعة أيام مفيدة جداً في العاصمة واشنطن حيث كان لي شرف إلقاء كلمة للسنة الثانية على التوالي أمام المشاركين الذين حضروا المؤتمر الخامس والعشرين لصنّاع السياسات العرب- الاميركيين.
نُظِّم المؤتمر هذا العام تحت عنوان «الرئاسة الاميركية العتيدة والعلاقات الاميركية-العربية: الترجيحات والاحتمالات والأخطار المحتملة». غني عن القول أن العاصمة الاميركية تضجّ بالتكهنات حول المرشح الذي سيصل إلى سدّة الرئاسة في الثامن من نوفمبر الجاري.
أنا ممتنٌّ لحصولي على هذه الفرصة التي تتيح لي جسّ نبض الناخبين عن كثب وبصورة شخصية، وكذلك تبادل الآراء مع شخصيات مرموقة تربطها علاقات وثيقة بإدارة أوباما ووزيرة خارجيتها السابقة هيلاري كلينتون.
لقد اعتقدت، شأني في ذلك شأن جميع من تحدثت معهم تقريباً، أن السباق انتهى عملياً على ضوء الاتهامات الفضائحية التي طالت خصم كلينتون، دونالد ترامب. لكن بعدما أعاد مكتب التحقيقات الفيدرالي (إف بي آي) فتح التحقيق في قضية جهاز الخادم الخاص ببريد كلينتون الإلكتروني، يبدو السباق محتدماً جداً بين المرشحَين.
تُظهر الاستطلاعات على صعيد البلاد تقدّم كلينتون باثنين في المئة حالياً، لكن الاستطلاعات ليست في معظم الأحيان مؤشراً موثوقاً، وخير دليل على ذلك استفتاء «بريكسيت» عندما صوّت البريطانيون للاختيار بين البقاء في الاتحاد الأوروبي أو الخروج منه. الإجابة عن أسئلة شركات الاستطلاع وتحديد التفضيلات أمر، ومعرفة أنصار أي من المرشحَين سيمتنعون عن الاقتراع أمر آخر.
لا نية لدي في أن أحاول التأثير في إرادة الشعب الاميركي على مشارف اليوم الكبير، لكن في مختلف الأحوال، أعلنت بوضوح في مقالاتي السابقة مَن المرشح المفضل بالنسبة إلي. لا يسعني سوى أن آمل بأن يحسن أصدقاؤنا الاميركيون الاختيار لأنهم لا يصوّتون لرئيسهم فقط، بل هم أيضاً مسؤولون عن اختيار الشخص الأكثر نفوذاً في العالم الذي يملك السلطة لصنع الحرب والسلام.
هوية الشخص الذي سيدخل المكتب البيضاوي وما سيقوم به لا يهمّان الاميركيين فقط، بل يمكن أن يؤثرا علينا جميعاً أيضاً بطرق مختلفة.
كما تعلمون، تمرّ منطقتي بواحدة من أكثر الحقبات اضطراباً في التاريخ المعاصر. للأسف، فشل الرئيس باراك أوباما في الوفاء بالوعود التي قطعها إلى درجة أن كبار الأعضاء في لجنة نوبل يندمون على قرارهم منحه جائزة نوبل للسلام التي يطمح إليها كثر.
لست في صدد تعداد الأخطاء التي ارتكبها بسبب سوء تقديره للأمور، والتي ساهمت في جعل المنطقة أشد خطورة من أي وقت مضى؛ فهذه الأخطاء والهفوات معلومة جيداً. لكن مما لا شك فيه أن بعض البلدان في الشرق الأوسط غرقت في الفوضى وحمامات الدماء خلال عهده. أسوأ من ذلك، لقد تخلّى عن أصدقاء اميركا الحقيقيين لمصلحة عدوتها الأولى إيران التي يُعرَف عنها أنها الراعية الأكبر للإرهاب في العالم.
قريباً يحزم أوباما أمتعته ويرحل. حان الوقت للتطلع إلى المستقبل، وفي هذا الإطار، أناشد خلفه بذل قصارى جهده لإصلاح ما أفسدته الإدارات الاميركية المتعاقبة عن قصد أو غير قصد. لهذه الغاية، أعرض بعض المسائل الأساسية التي لا يمكن اعتبارها بأي طريقة من الطرق مؤشراً نهائياً عن المهمة الهائلة الملقاة على كاهل الرئيس العتيد:
•أصبح العراق في حالة ميؤوس منها منذ قيام جورج دبليو بوش باجتياح ذلك البلد المنكوب واحتلاله، وقد تفاقمت المشكلة بسبب تسريح الجيش العراقي الذي تحوّل النواة الأساسية لتنظيم «داعش»، فضلاً عن الدعم الذي قدّمه بوش للحكومات الفاسدة والمذهبية والموالية لإيران التي تتلقّى أوامرها من طهران. كان تسليم هذا البلد العربي ذي الأهمية البالغة إلى إيران الجريمة الأكبر التي ارتكبتها اميركا، ويجب تصحيحها ليتمكن المضطهدون من سنّة وأقليات من استعادة هويتهم العراقية.
لقد أنشأت إدارة بوش المنظومة السياسية الراهنة التي تصفها زوراً بأنها «ديمقراطية»، والآن لدى اميركا واجب أخلاقي بأن تحقق للشعب العراقي، بمختلف مكوّناته، الحرية التي وعدته بها.
•أدّى الاتفاق الشيطاني الذي وقّعه أوباما مع إيران إلى تغيير قواعد اللعبة الجيوسياسية. فقد ساهم في تمكينها وزيادة ثرواتها ومنحها شرعية، ولم تعد إيران تهدّد إسرائيل فقط، بل باتت تشكّل أيضاً تهديداً للحلفاء العرب الأقرب إلى الولايات المتحدة بما في ذلك دول “مجلس التعاون” الخليجي.
يسعى الملالي إلى وضع أكبر عدد ممكن من البلدان العربية تحت سيطرتهم ومن هذه البلدان لبنان والعراق وسورية، ولولا تصميم السعودية، كان هناك احتمال كبير بأن تقع اليمن تحت السيطرة الإيرانية. هدفهم الأقصى هو احتلال مكة المكرمة والمدينة المنورة اللتين تُعتبَران من أهم الأماكن المقدسة عند المسلمين.
أناشد القائد المقبل للعالم الحر (أ) إلغاء الاتفاق النووي الذي يعود بالفائدة على إيران دون سواها؛ (ب) التشديد على أن من شأن أي بوادر تشي بأن إيران تعمل على تطوير سلاح نووي أن تعود بنتائج خطيرة؛ و(ج) إعادة العمل بالعقوبات بانتظار ظهور نظام جديد في إيران، نظام صادق في رغبته في الانضمام من جديد إلى المجتمع الدولي ويحترم جيرانه بالقول والفعل على السواء.
•لدي أمل بأن يدرك من سيدخل البيت الأبيض أن لبنان تحوّل دولة تدور في الفلك الإيراني ويحكمها «حزب الله»، التنظيم المسلّح الخاضع لإيران. لقد أكّد وزير الدفاع الاميركي السابق تشاك هيغل أن التمويل الاميركي للجيش اللبناني ينتهي في أيدي «حزب الله»، لذلك أطلب بكل احترام وقف المساعدات العسكرية الاميركية إلى لبنان.
•الوضع في سورية هو أكثر ما يأسى له القلب. ليس أوباما من سبّب هذا الوضع، لكنه عجز عن إنقاذ الشعب السوري من قذائف النظام وقنابله وهجماته الكيماوية، ووقف يتفرّج فيما كان الرئيس فلاديمير بوتين يتحرّك لإبقاء الديكتاتور المجرم بشار الأسد في السلطة. عسى أن يتحلى الرئيس القادم بالشجاعة للوقوف في وجه روسيا، وفرض مناطق حظر الطيران، وخلق مناطق آمنة، ثم إطلاق صندوق عالمي مخصَّص لإعادة إعمار سورية.
لم يخطر قط في بال السوريين أنهم سيتحولون لاجئين في يوم من الأيام. كانت لديهم منازل وأعمال ومهن ووظائف. إنهم أطباء ومهندسون وفنانون ومزارعون. وليس مرغوباً بهم في أوروبا. لا ينبغي منحهم الجنسية، بل يحتاجون إلى مكان آمن للمكوث فيه مؤقتاً إلى أن يتمكّنوا من العودة إلى منازلهم والشروع في عملية إعادة الإعمار. إنهم شعب أبيٌّ يكنّ حباً عميقاً لوطنه، وأنا على يقين من أن رغبتهم القصوى هي العودة إلى ديارهم.
•أخيراً وليس آخراً، ما أتمنّاه هو أن يكنّ الرئيس الاميركي العتيد التقدير لأصدقاء بلاده الأقدم والأكثر ولاء – السعودية ودول الخليج العربي – وأن يتعامل معهم بصدق وشفافية.
أدرك تماماً أنها مهمة شاقة. لكن إذا تحلى السيد الرئيس أو السيدة الرئيسة بالإرادة الصلبة وأعار أو أعارت آذاناً صاغية إلى الخبراء الحقيقيين في شؤون الشرق الأوسط بدلاً من الاستماع إلى الهواة أو مَن يوافقونهم الرأي في كل شيء، يمكن تحسين التعاطي مع المنطقة مع مرور الوقت. إن إعادة بناء الثقة، التي تدهورت خلال عهد أوباما، هي خطوة أولى أساسية.
*نقلا عن جريدة السياسة
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة