الجواب يبدأ من خطاب القسم، وعبارة أن على الحكم الجديد تخطي الصعاب وليس مجرد التآلف والتأقلم معها. فهل هناك أصعب من هذا التحدي في بلد كلبنان؟ ولكن هل هناك ما هو أكثر ضرورة منه؟
لم يحصل أن حفلت ساحة الشهداء في بيروت بهذا المزيج الغريب من أعلام الأحزاب اللبنانية: أصفر، برتقالي، أزرق إلى جانب العلم اللبناني. أعلام أمل، المردة والسوري القومي كانت غائبة، إضافة إلى الشيوعي الذي لا يملك نواباً في المجلس لكنه يملك جمهوراً في الشارع.
إجماع؟ لا ، فتشكيلة المعارضة تبدو واضحة، لكنها في الوقت نفسه لا تبدو حادة أو جدية. فهؤلاء الغائبون هم حلفاء سوريا، والرئيس بشار الأسد كان من أول المهنئين عبر اتصال هاتفي، رغم أن الكثيرين كانوا يتوقعون أن تأتي التهنئة عبر قناة تمثيلية أخرى، وقد سبقه إلى ذلك الرئيس الإيراني.
أكثرية؟ نعم ، فهذه الجماهير تمثل فعلاً أغلبية اللبنانيين كما عكستها نسبة الاقتراع في المجلس، وإن كان بعض نوابه قد اثبتوا عبر تلاعبهم وعبثهم أنهم دون مستوى الكراسي التي يجلسون عليها، بل أشبه بطلاب يقتضي تشديد الرقابة عليهم كي لا يغشوا في الامتحان.
هل يعكس ذلك مستوى الحياة السياسية التي يواجه الرئيس المنتخب تحدي إصلاحها وتحقيق تمثيليتها؟ أم يعكس مستوى تبعية بعض النواب لرؤساء كتلهم أو تمردهم عليهم؟ أم يعكس في النهاية أن هذا الحل المفروض إن هو إلا ولادة قيصرية أنقذت البلد واعترفت بالأمر الواقع؟
الجواب يبدأ من خطاب القسم، وعبارة أن على الحكم الجديد تخطي الصعاب وليس مجرد التآلف والتأقلم معها. فهل هناك أصعب من هذا التحدي في بلد كلبنان؟ ولكن هل هناك ما هو أكثر ضرورة منه؟
ميشال عون ليس مجرد رجل انتخب كسلفه بطبخة توفيقية، وإنما هو مشروع يؤيده البعض ويعارضه البعض الآخر، إن لم نقل يخافه. خطابه كان نموذجاً لخطب العسكريين: لا يطيلون ولا يسهبون ولا يغرقون في الإنشاء. نقطة نقطة حدد برنامجه: بلد التعددية بحاجة إلى تنفيذ وثيقة الوفاق الوطني، ما يعني المناصفة، المناصفة هذا العنوان الخلافي الكبير الذي يشكل وضعه على أرض الواقع تحدياً ثانياً أساسياً يترجم بداية بوضع قانون جديد للانتخابات يقوم على النسبية. النسبية والمناصفة معركة كبرى تستحق وحدها عهداً ورئيساً ومعارضة. خاصة عندما يربطها في نهاية الخطاب باللامركزية الإدارية التي تحقق اطمئنان الجميع بحيث ينتقلون منها إلى دولة المواطنة.
التحدي الثاني، ولعله الأصعب هو وضع لبنان في مربع ما من لوحة الشطرنج الإقليمية، بيد رئيس هو حليف لحزب الله، وللمستقبل والقوات اللبنانية، في آن معاً. حليف لطرفي الحرب في سوريا. فكيف سيدير اللعبة المستحيلة محققاً عنوان الوحدة الوطنية والاستقرار الوطني ؟ بمنع انتقال شرارة النيران المشتعلة إلى لبنان - قال- فهل يعني ذلك: اذهبوا وتقاتلوا هناك كما تريدون ولكن لا تحملوا شيئاً من نيرانكم إلى الداخل. البراغماتية تقول ذلك. أما التفاصيل (سياسة خارجية مستقلة) فأمور يمكن تدبرها. وسيحل مشكلة الدولة مع المقاومة بمخرج مبدئي منطقي: العداء ل«إسرائيل» والأراضي اللبنانية التي لا تزال محتلة، ما يعني ترحيل موضوع السلاح إلى ما بعد حل كل ذلك.
إلى هنا وهو يلتقي مع بعض حلفائه ، ولكن مع كل معارضيه في تركيبة عجيبة. قد تعدل في الأشهر القادمة تركيبة الموالاة والمعارضة أو قد تبقي على معارضة حليفة لطرف قوي في الموالاة، خاصة فيما يخص الملف الإقليمي.
تحديان آخران هما أكثر ما يشغل بال الرئيس الجديد: هاجس النزوح السوري، والإصلاح الاقتصادي. في الأول لا يتراجع زعيم التيار الوطني الحر عن مبدأ عودة السوريين إلى بلدهم، ولا يخفي قلقه من تحوّل مخيماتهم إلى مخيمات أمنية، ولكنه من اللافت أنه يعتبر تحقيق الحل يأتي بالتنسيق مع الأمم المتحدة والدول المعنية، أي مع الدولة السورية بالدرجة الأولى.
غير أن القصة الكبيرة، التي تشكل أساس كل صراعات الشرق الأوسط، وشرق المتوسط في هذه المرحلة، هي قصة الطاقة: النفط والغاز وهنا يطرح مباشرة الاستثمار وفق صيغة المشاركة بين القطاعين العام والخاص، مما يثير سؤالاً خطراً يتعدى لبنان: هل ستؤسس هذه الصيغة، كما الصيغة الأخرى التي أطلقها: اللامركزية الإدارية، نموذج لحلول قادمة للمنطقة، بدأت من لبنان؟
*نقلا عن صحيفة الخليج
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة