التصعيد العسكري الأمريكي في الخليج يمكن اعتباره رسالة ردع لإيران لمنع القيام بعمل غير مسؤول بالمياه الإقليمية أو أمام سواحل دول عربية
مع تعرض 4 سفن تجارية لعمليات تخريبية بالقرب من المياه الإقليمية لدولة الإمارات العربية المتحدة، واستهداف مليشيا الحوثي منشأتين نفطيتين سعوديتين بطائرة من دون طيار تابعتين لشركة أرامكو بمحافظتي الدوادمي وعفيف، يثار التساؤل حول طبيعة الدور الإيراني في الوقت الراهن، وما يخطط له بالفعل لهز الاستقرار بأكمله في الإقليم، خاصة أن ممارسات النظام الراهنة والسابقة في عدة دول عربية يشير وبعمق إلى تورطه في الكثير من الأحداث التي استهدفت حكومات ودول وأنظمة في المنطقة وخارجها.
المطلوب هو ليس النظر للنظام الإيراني من منظور البرنامج النووي فقط، بل من منظور كامل يشمل التعامل بجدية مع التهديدات الأمنية والاستراتيجية والعقائدية التي يتحرك من خلالها هذا النظام الإيراني، ويسعى إلى تهديد أمن الإقليم بأكملهمن الطريف أن يصف المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية الحوادث التي تعرضت لها سفن قرب ساحل إمارة الفجيرة بدولة الإمارات العربية المتحدة بأنها مقلقة ومؤسفة، ومطالبته بتحقيق لكشف ملابساتها، فيما نوه مسؤولون إيرانيون بطبيعة تلك الحوادث بما لها تأثير سلبي على أمن الملاحة البحرية، ومطالبا دول المنطقة بتوخي الحذر من مؤامرات لزعزعة الاستقرار من قبل عناصر أجنبية، بل اعتبر رئيس لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في مجلس الشورى حشمت الله فلاحت بيشه عملية التخريب بالقرب من الفجيرة تظهر أن الأمن في جنوب الخليج هش.
والرسالة التي تريد أن تشير إليها إيران في الوقت الراهن أنها حاضرة بقوة، وأنها ستعمل من الآن فصاعدا على نقل رسالة للأطراف العربية في منطقة الخليج وخارجه، بأنها ستسعى لهز استقرار الإقليم ما دام الأمر مرتبط بأمنها، وأنها لن تتضرر بمفردها من الإجراءات الأمريكية الأخيرة في المنطقة، وهذا ما دفعها إلى توجيه رسائل مضادة ومباشرة، والتي بدأته بالعمل التخريبي وبصورة مباشرة وانتظارا لرد الفعل من الأطراف المختلفة خليجيا وعربيا ودوليا، وهو ما برز بوضوح وبقوة كبيرة من ردود الفعل التي أدانت العمل التخريبي، وطالبت بالتحقيق في ملابساته وتفاصيله التي ستتضح لاحقا بعد تشكيل لجنة تحقيق دولية.
والواقع أن التصعيد العسكري الأمريكي في الخليج، والذي تم خلال الأيام الأخيرة، يمكن اعتباره رسالة ردع حقيقية للجانب الإيراني لمنع القيام بعمل غير مسؤول في المياه الإقليمية، أو أمام سواحل بعض الدول العربية، ومنها ما جرى في المياه الإقليمية لدولة الإمارات العربية.
وقد سبق العمل التخريبي تحذيرا أمريكيا صدر من الهيئة الفيدرالية للملاحة البحرية للسفن التجارية الأمريكية، بعد نشر عدد من صواريخ الباتريوت في الشرق الأوسط، من احتمال تعرض هذه السفن لهجمات إيرانية بما يشمل ناقلات النفط في أثناء إبحارها عبر الممرات المائية في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك تحذير أجهزة الاستخبارات الفيدرالية، وبشكل محدد من التهديدات الإيرانية الجديدة للقوات الأمريكية في الشرق الأوسط. ومخططها باستهداف القوات الأمريكية في العراق وسوريا، وكذلك شن هجمات في الخليج مع طائرات مسلحة دون طيار في الوقت الذي قال فيه رجل دين إيراني بارز إن أسطولا أمريكيا يمكن "تدميره بصاروخ واحد".
وهذا ما يشير وبعمق إلى أن إيران لن تتراجع عن توجهاتها بسهولة، ولن تقدم على خطوات فيها تنازل إلا من خلال ضغوط أمريكية حقيقية في التعامل، وليس فقط القيام بحشود عسكرية ونقل قاذفات صواريخ أو بوارج عسكرية، خاصة أن الجانب الأمريكي صعد نظريا في مواجهة الجانب الإيراني، حيث نشر بالفعل قاذفات "بي-52"، ومن المتوقع أن تنشر واشنطن قاذفتين جديدتين في المنطقة بل ربما أكثر.
ورغم رؤية البعض بأن ما تقوم به الإدارة الأمريكية من استعدادات عسكرية يأتي في إطار الحرب النفسية، وأن الخيار العسكري مستبعد؛ لأن الرئيس ترامب غير ساع للقيام بأي مغامرات عسكرية بعد الخبرات الأمريكية السابقة في العراق وأفغانستان، ورهاناته بأن حلفاءه الإقليميين لن يتحركوا عسكريا بدون مشاركة أمريكية مباشرة، والأهم من ذلك وجود أطراف أوروبية وصينية وروسية في خلفية الأحداث، إضافة للمخاوف الأمريكية من وجود قوات موالية لإيران في سوريا والعراق يمكن أن تنفذ هجمات استباقية ضد القوات الأمريكية في المنطقة، وأن أي مواجهة يمكن أن تجر تلك الهجمات الجيش الأمريكي إلى حرب شاملة مع إيران في الخليج.
رغم هذا التصور المطروح إلا أن تطورات الأوضاع في منطقة الخليج العربي واستمرار التهديدات الإيرانية وتكرار حوادث مشابهة قد يدفع بتصور آخر يدفع الجانب الأمريكي للتحرك، وهو ما يدفع به سيطرة الصقور على إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في الوقت الراهن، رغم محاولات خبراء الشرق الأوسط في الخارجية والاستخبارات المركزية كبح جماح المطالبين بالتصعيد.
هذا الخيار في التقدير العام لم يعد مطروحا لاعتبارات سياسية واستراتيجية، بل سيعود الحديث عن التصعيد والمواجهة، خاصة أن مستشار الأمن القومي الأمريكي جون بولتون تحدث سلفا -وقبل العملية التخريبية الأخيرة- عن أن إرسال حاملة الطائرات والقاذفات الاستراتيجية ليس سعيا للحرب وإنما استعداد للرد على أي هجمات محتملة من قوات عسكرية موالية لإيران في المنطقة، كما قال وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو إن التصعيد أصبح محتملا، وواشنطن تدرس كل الردود الممكنة، سواء من الناحية العسكرية أو الناحية السياسية مع التوقع الاستراتيجي بأن سيناريو المواجهة يمكن أن تقودها إيران إذا تم منعها من تصدير نفطها بصورة كاملة، وأن العناصر المؤيدة لها يمكن أن تبدأ بتنفيذ الهجمة الأولى ضد القوات الأمريكية الموجودة في المنطقة، خاصة في العراق.
إذاً فإن كل السيناريوهات واردة أمريكيا في التعامل مع إيران، وليس فقط الرد على أية عمليات يمكن أن تقوم بها إيران في المنطقة، بما في ذلك تهديدها المكرر بضرب أهداف أمريكية كبيرة في منطقة الخليج العربي وكذلك إغلاق مضيق هرمز، وهو ما لا يمكن أن تقبله الإدارة الأمريكية لأنه سيهدد الأمن المائي الدولي، ومن ثم سيكون على الإدارة الأمريكية التوقع بكل الخيارات المطروحة في التعامل مع إيران، والتي ستستمر في المراوغة، واتباع حيل وتكتيكات سياسية واستراتيجية، بهدف التعامل مع تطورات الأوضاع في منطقة الخليج العربي وخارجه، والرسالة المتبادلة بين الجانبين سيكون مفادها القدرة على الردع والردع المتبادل، وبما يصل بالتعامل الأمريكي مع إيران لحافة الهاوية.
في كل الأحوال ستظل السياسة الإيرانية وتوجهاتها مصدرا للتهديد في الشرق الأوسط بأكمله، وهو ما يتطلب وقفة حقيقية من المجتمع الدولي بما فيها الدول الأوروبية التي ما تزال تراهن على الموقف الإيراني، ويجب أن تراجع مجموعة الترويكا الثلاثية مواقفها وسياستها من إيران، ولا تعمل على إعادة تعويم النظام الإيراني من جديد؛ لأنها تمنحه مزيدا من الفرص للمراوغة والعمل على الإفلات من سياسة العقوبات، بل محاولة تصدير الأزمات لدول الإقليم وتهديد الأمن، والاستقرار في المنطقة بأكملها، وليس فقط في منطقة الخليج العربي.
إن استيعاب إيران والتعامل معها كدولة مقبولة في الإقليم يحتاج إلى آليات إقليمية ودولية عديدة ترتبط بتفهم ما يجري داخل إيران والنفوذ داخل أركان النظام السياسي، والذي ما زال يعتمد على خيارات التصعيد والتدخل في الشؤون الداخلية وتبني سيناريوهات عدائية بمعنى الكلمة تجاه دول الإقليم، ومن ثم فإن المجتمع الدولي مطالب بوقفة دولية في مواجهة السلوك الإيراني، وعليه أن يتبني مواقف جادة وحازمة تجاه القوى العدائية، والتي تهدد الاستقرار في العالم.
المطلوب هو ليس النظر للنظام الإيراني من منظور البرنامج النووي فقط، بل من منظور كامل يشمل التعامل بجدية مع التهديدات الأمنية والاستراتيجية والعقائدية التي يتحرك من خلالها هذا النظام الإيراني، ويسعى إلى تهديد أمن الإقليم بأكمله.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة