أنماط التوظيف الأمني لـ"الدرونز" في الشرق الأوسط
في ظل توافر البيئة المضطربة في منطقة الشرق الأوسط، فمن المتوقع زيادة اعتماد القوات النظامية وغير النظامية على استخدام الدرونز.
تراوحت مجالات استخدام الطائرات بدون طيار "الدرونز" بين المدني بأبعاده المتنوعة كالبحثي والبيئي والتجاري ونظيره العسكري والأمني.
إلا أنه في ظل توافر بيئة أمنية وسياسية واقتصادية تتسم بعدم الاستقرار كالتي تشهدها منطقة الشرق الأوسط، تعددت أبعاد التوظيف الأمني لـ"الدرونز"، وتطورت أنماط استخداماتها في المجال الأمني والعسكري، منذ البدء في استخدامها كطائرات انتحارية في بريطانيا عام 1917، انتهاءً بحملها مواد متفجرة وقدرتها على إلحاق خسائر اقتصادية هائلة كالتي تعرضت لها السعودية عقب استهداف معملين تابعين لشركة "أرامكو" في سبتمبر/أيلول 2019.
فضلًا عن تغيير موازين القوى في ساحات المعارك والصراعات مثل سوريا واليمن وليبيا.
عوامل رواج استخدام الدرونز
وتتعدد المميزات التي تجعل من الدرونز سلاحا كفئا وفعال في تحقيق أهدافه مقارنة بغيره من الأدوات الأمنية والعسكرية، منها الانخفاض النسبي لتكلفة شراء الدرونز والتكنولوجيا الخاصة بامتلاكها، مقارنة بأسعار المقاتلات الحربية.
هذا فضلاً عن سهولة تحويل الطائرات المسيرة التجارية لأخرى عسكرية بإجراء تعديل هندسي بسيط، إضافة إلى إمكانية دفعها في ساحات المعارك والتقليل من حجم الخسائر البشرية، مع إمكانية التحليق لمسافات بعيدة والعمل لساعات طويلة.
إضافة إلى قدرتها على جمع وتحليل المعلومات الاستخبارية بكفاءة وتنفيذ أهدافها بسرعة وبدقة عالية، صعوبة تتبع مصدرها والجهات الواقفة وراء إطلاقها نظرا لصغر حجمها، وأخيراً تُعد الدرونز وسيلة دعائية سهلة وفعالة يمكن الاستناد عليها من قبل مستخدميها، مثل قيام تنظيم "داعش" بتصوير العديد من عملياته من خلال طائرات الدرونز.
أنماط التوظيف الأمني
تتنوع أنماط ونطاق التوظيف الأمني والعسكري للدرونز، كما لم تعد الدول المحتكر الوحيد لها، وإنما أصبحت الدرونز سلاحاً متداولاً ورائجاً لدى الفواعل من غير الدول، استناداً لما تحمله من امتيازات سبق الإشارة إليها، وهو ما يُمكن توضيحه على النحو التالي:
1- اغتيالات سياسية وتصفية القيادات الإرهابية: مثلت محاولة اغتيال الرئيس الفنزويلي "نيكولاس مادورو" في أغسطس/آب عام 2018، تجربة فريدة من نوعها لمحاولة اغتيال رئيس دولة عبر الدرونز، وهو ما يعني تصاعد المخاطر الأمنية الناتجة عن انتشار تجارة بيع الدرونز واحتمال تكرار ذات المحاولة إن لم يكن تجاه رئيس دولة، فسيكون تجاه القيادات السياسية البارزة في مناطق الاضطرابات والصراعات.
في المقابل، استخدمت الجيوش النظامية الدرونز بشكل واسع من خلال ضرباتها العسكرية، كما مع واشنطن في استراتيجيتها لمكافحة الإرهاب عقب هجمات 11 سبتمبر، حيث شن الجيش الأمريكي 57 ضربة عسكرية خلال عهد "جورج بوش" ضد قيادات تنظيم"القاعدة"، تضاعفت في عهد "باراك أوباما" لتبلغ 563 ضربة، واستمر النهج خلال عهد الرئيس "ترامب"، كتصفيته للقيادي في تنظيم القاعدة "أبو هاني المصري" في عام 2017.
2- استخدام الدرونز من قبل الجماعات الإرهابية:
تمكنت الجماعات الإرهابية من امتلاك الدرونز وتوظيفها بشكل سريع ومتنامٍ لتنفيذ عملياتها؛ فكانت أولى تلك العمليات التي كانت بمثابة مؤشر خطير على امتلاك الجماعات الإرهابية للدرونز، ما تعرضت له قوات البيشمركة وعدد من الجنود الفرنسيين في كردستان العراق أكتوبر/ تشرين الأول عام 2016 لهجمات بدرونز محملة بمتفجرات.
إلى جانب ما تعرضت له قاعدتي حميميم وطرطوس في سوريا لهجوم من سرب مكون من 13 طائرة بدون طيار محملة بصورايخ تم إطلاقها من مناطق خاضعة لسيطرة الجماعات الإرهابية في إدلب في يناير/كانون الثاني عام 2018، تم التصدي لها، فضلاً عن توظيفها من قبل "حزب الله" لاستكشاف الدفاعات الجوية الإسرائيلية.
كما حرصت تلك الجماعات على تصنيع الدرونز معتمدة على نماذج تحصلت عليها في ساحات القتال، إلى جانب ما تمتلكه من موارد وإمكانيات، كما هو حال تنظيم "داعش" الذي عمل على إنشاء خط إنتاج لتصنيع الدرونز بكميات كبيرة وذات حجم أكبر يمكنها من حمل كميات ضخمة من الأسلحة والمتفجرات في مدينة الرمادي العراقية واكتشفه قوات التحالف الدولي عقب تطهير المدينة في ديسمبر/كانون الأول عام 2015.
فضلا عن تشكيله وحدة تُسمى بـ"مجاهدي الدرونز" في يناير/كانون الأول عام 2017 عقب بدء معركة الموصل وسقوط عدد كبير من مقاتليه.
بينما اعتمدت جماعات مسلحة وإرهابية أخرى على ما تتلقاه من دعم من أحد القوى الإقليمية كالدعم الذي تتلقاه جماعة "أنصار الله" في اليمن من طهران لنقل تكنولوجيا تطوير الدرونز للساحة اليمنية، وهو ما يفسر في ذات الوقت إعلان الجماعة عن دخول منظومة صاروخية جديدة الخدمة في يوليو/تموز عام 2019، تضم طائرات مسيرة أكثر دقة، على الرغم من أن خبرتها في صناعة تلك الطائرات يعود لعام 2017 وهي فترة ليست بكبيرة لتشهد تطور هائل في صناعة الدرونز كالتي تشهده حالياً.
وتتعاظم المخاوف من تنفيذ الجماعات الإرهابية لهجوم كيميائي أو بيولوجي عبر طائرات مسيرة، لاسيما أن تنظيم "داعش" لديه سجل حافل في استخدام الأسلحة الكيميائية في كل من العراق وسوريا لما يزيد على 50 مرة.
3- زيادة نشاط جماعات الجريمة المنظمة:
تم اعتماد الدرونز من قبل جماعات الجريمة المنظمة لتنفيذ عمليات تهريب أسلحة ومواد مخدرة وغيرها من المواد غير المشروعة. ففي ديسمبر/كانون الأول عام 2018، ألقت السلطات الكويتية ولأول مرة القبض على مواطن استخدم طائرة مسيرة في تهريب المخدرات إلى بلده. ومن المتوقع تصاعد استخدام الدرونز من قبل جماعات الجريمة المنظمة في منطقة الشرق الأوسط، لاسيما في ظل وجود حدود رخوة وتعاظم حدة الصراعات والنزاعات في المنطقة.
4- "حروب الظل".. تجنب الدخول في حرب مفتوحة:
أسهم التفوق التكنولوجي لعدد من قوى الإقليم في صناعة الدرونز من توجيه عدة ضربات عسكرية عبر الطائرات المسيرة تمكنها من تحقيق أهدافها العسكرية والأمنية في المنطقة بأقل خسائر ممكنة مع تجنيبها خوض حرب مباشرة ومفتوحة مع دول الإقليم، كالضربات التي نفذتها إسرائيل ضد عدة مواقع عسكرية تابعة لطهران في سوريا ولبنان والعراق.
فضلاً عن دور الدرونز في تصعيد التوتر بين الدول مع تجنب خوض حرب مفتوحة، وهو ما تجسده حادثة إسقاط طهران لطائرة مسيرة أمريكية ادعت اختراقها مجالها الجوي في يونيو/تموز عام 2019، ناهيك عما تشهده الساحة الليبية من تصعيد بين القوى الإقليمية في إطار ما يمكن تسميته بـ"حرب الدرونز".
إجمالاً لما سبق، في ظل توافر البيئة الأمنية والسياسية المضطربة في منطقة الشرق الأوسط واحتدام صراع القوى الإقليمية والدولية على أراضيها، فمن المتوقع زيادة اعتماد القوات النظامية إلى جانب الفواعل من غير الدول على توظيف الدرونز ذات الأغراض العسكرية والأمنية، وبالتالي نشوب سباق لاقتناء الدرونز وما لذلك من تأثير على حالة الأمن والاستقرار في المنطقة.
يقابله التسابق على توفير أنظمة دفاعية متطورة قادرة على التصدي لهجماتها، وهو ما يتسق مع تقديرات مؤسسة "آي إتش إس" للأبحاث التي تُشير إلى نمو الطلب على الدرونز في منطقة الشرق الأوسط من 260 مليون دولار في عام 2017 إلى 3.8 مليار دولار خلال العقد المقبل، وما يعكسه أحدث تقرير صادر عن مؤسسة جولدمان ساكس في عام 2019، يُقدر حجم إنفاق الجيوش العالمية لتطوير صناعة الطائرات بدون طيار بحلول عام 2020 نحو 70 مليار دولار.
aXA6IDE4LjIyNS4xOTUuNCA= جزيرة ام اند امز