حركة سياسية مندفعة نحو إنجازات متسارعة تجري في منطقة الشرق الأوسط.
ليس هناك من دولة يمكن أن تُستثنى من هذا الاندفاع، الجميع يسير بخطى أسرع مما يحتمل حدوثه في المنطقة وينطلق إلى نقطة يصعب على الجميع تحديدها بوضوح، حتى أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي -وهي الأسرع في نقل الأخبار- غير قادرة على تغطية كل ما يحدث في ذات اللحظة، "لا أنا ولا أنت نستطيع أن نفسر هذا الذي يحدث، أو نتنبأ بهذا الذي سيقع" هذه الكلمات لناصر الدين النشاشيبي في كتابه "ماذا يجري في الشرق الأوسط؟"، لقد اعتادت المنطقة على التغير المتسلسل المتراكم بعض الشيء، ولكن ما يجري اليوم قضية تستحق التوقف.
مع دخول الرئيس الأمريكي بايدن إلى البيت الأبيض تضاعفت قوة المحرك السياسي الخاص بالشرق الأوسط، لتعلن أمريكا أنها ترغب في مغادرة المنطقة، لكنها لم تقل لنا كيف، صحيح أن أمريكا تشعر بالاطمئنان على حليفتها الاستراتيجية إسرائيل في هذه المنطقة بعد الإنجازات التي تحققت في قضية معاهدات واتفاقيات السلام بينها وبين أربع دول عربية جديدة، ولكن السؤال هل هذا هو كل شيء بالنسبة إلى أمريكا في منطقة الشرق الأوسط؟ الإجابة ليست واضحة، ولأنها منطقة الشرق الأوسط التي اعتادت على الغموض فقد تسارعت الكثير من الأحداث خلال الأشهر الماضية وبشكل مثير للأسئلة نحو منعطف لم يكتشف أحد كيفية المرور من خلاله.
أشهر قليلة ماضية حفلت بالكثير من الأحداث الكبرى وهي ذات مدلول معنوي في السياق العام للفرضية السياسية للشرق الوسط، كما قال النشاشيبي في كتابه سابق الذكر، بدءا من معاهدات السلام مع إسرائيل، إلى إعلان أمريكا أنها تستعد للعودة إلى الاتفاق النووي مع إيران، ومن ثم تعلن رغبتها في وقف إطلاق النار في اليمن، وتعلن أنها سوف تنسحب من أفغانستان.
تدعم أمريكا الجهود الرامية إلى إيجاد حل يرضي جميع الأطراف في مسألة سد النهضة، وتبدأ القضية الليبية بالانفراج، وتبدأ مؤشرات علاقات جديدة بين مصر وتركيا، وتهاجم إسرائيل سفنا إيرانية، وكانت إسرائيل قد فعلت ذات الشيء من قبل، ولكنها أضافت هجوما بتفجير أهم المواقع النووية الإيرانية، وتسكت إيران ولا ترد، وتكشف السعودية عن دور حزب الله في تهريب المخدرات إلى العالم العربي وغير العربي عن طريق المنتجات الزراعية. وتعتذر تركيا للسعودية وتطالب بعودة علاقاتها مع الرياض.
وتنشط روسيا في المنطقة، ليبدو أن الرئيس الروسي يستعد ليكون صانع سلام في المنطقة، بينما تستعد الصين وتنظر بحذر إلى الخطوات الأمريكية في المنطقة، كل ذلك وغيره كثير من المشاهد الكبرى والصغيرة التي لم تُذكر هنا، تذهب بنا إلى سؤال عميق "ماذا يجري للمنطقة؟"، مع الإيمان بصعوبة التنبؤ، نظرا لأن المعطيات والمتغيرات معقدة، إلا أن شيئا واحدا يمكن القول بأنه الأقرب إلى الحدوث، المنطقة أصبحت على وشك الخروج بصيغة جديدة من التحالفات استعدادا لمرحلة قادمة، واللاعبون في المنطقة سوف تتغير مواقعهم والمنافسة الأقرب إلى الحدث هي منافسة اقتصادية بعد أن أصبحت المنطقة على مسافة بعيدة من أزماتها السياسية التقليدية.
الخريطة السياسية التي سوف تولد عبر هذا المخاض السياسي المتسارع ستكشف عن الأركان التي سوف ترتكز عليها المنطقة حتى نهاية القرن الحالي، وهذا على أقل تقدير، والرهان الاقتصادي والديموغرافي والتطور التقني سيكون في المقدمة وستكون للتاريخ صفحة جديدة بمعطيات مختلفة في هذه المنطقة.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة