مناورات الساحل الأفريقي.. «رسالة مزدوجة» وظهور ملفت لتشاد وتوغو
مناورات عسكرية مشتركة هي الأولى من نوعها بمشاركة مالي وبوركينا فاسو والنيجر وتشاد وتوغو، تحمل عدة رسائل وإشارات لـ"الإرهاب" و"الغرب".
ومنذ أسبوع، تجري مناورات عسكرية "كبيرة" تضمّ جيوش النيجر، ومالي، وبوركينا فاسو، وتشاد، وتوغو في غرب النيجر القريب من مالي.
ويجمع خبراء في الشأن الأفريقي ومراقبون على أن هذه المناورات متعددة الأهداف سواء لتنظيمات الإرهاب أو للدول الغربية صاحبة النفوذ التاريخي في تلك المناطق.
كما نوهوا إلى الحضور الملفت لتوغو وتشاد في تلك المناورات، على نحو يدعم ربما توجهات جديدة في هذه المنطقة المهمة من أفريقيا.
أهداف المناورات
الدكتور عبد المهيمن محمد الأمين مدير جامعة المغيلي الأهلية الدولية بالنيجر، يقول إن "أهم أهداف المناورات تطوير قدرات جيوش هذه الدول حتى تكون مستعدة للمرحلة الراهنة، وتدريب هذه القوات وتأهيلها من أجل مواجهة الإرهاب الموجود في المنطقة، والتنسيق العسكري مع الدول المستعدة للتعاون مع الكونفيدرالية الجديدة".
ومضى الأمين قائلا، لـ"العين الإخبارية"، إن الهدف الأهم يتمثل في أن الأفارقة يريدون الاعتماد على أنفسهم وتقوية العلاقات البينية لمواجهة مخاطر الإرهاب"، مضيفا أن "توقيت هذا التدريب مهم جدا".
وأوضح أن المنطقة "بحاجة إلى قوة يعتمد عليها بعد انسحاب أمريكا وفرنسا، وكذلك توجيه رسالة للحركات الإرهابية، بأن هذه الدول مستعدة لمواجهة أعدائها".
وتابع أن هذه الدول "وصلت إلى مرحلة لا تنظر فيها إلى الوراء وأنها ستحاول الاعتماد على نفسها وعلى الدول الصديقة"، لافتا إلى أن هذه المناورات "روعي فيها الدول المهددة من قبل الإرهاب".
ولم يستبعد الأمين، انضمام تشاد وتوغو إلى الكونفيدرالية الجديدة لأنها "مفتوحة"، وفقا له، مضيفا أن الدول الخمس تريد أن تثبت لـ"ايكواس"، أنها أصبحت شبه منظمة عاجزة، وأن هناك تحالفا جديدا يمكن أن يكون بديلا وندا لها، وأن الأفارقة قادرون على تنظيم جديد يخدم مصالحهم وأنهم ليسوا عاجزين عن التطوير.
واستطرد: "وكذلك هناك رسالة مشابهة للغرب، بأنها تستطيع أن تحارب الإرهاب دون أمريكا وفرنسا".
وقالت وزارة الدفاع النيجرية في بيان، إنّ في هذه المنطقة التي تنشط بها الجماعات الإرهابية، "تجرى مناورة وطنية كبيرة في مركز تدريب القوات الخاصة في تيليا، تعد ثمرة شراكة عسكرية بين النيجر والدول الصديقة مثل مالي، وبوركينا فاسو، وتوغو، وتشاد".
ووفق البيان، يتضمّن التدريب العسكري، "مناورات تكتيكية"، ومبادرات تهدف إلى تعزيز العلاقات مع السكان المحليين.
وأوضحت الوزارة أنّ هذا التدريب الذي ينتهي في الثالث من يونيو/حزيران، انطلق بهدف تعزيز القدرات العملياتية، وصمود القوات المسلّحة المنضوية في القوة العسكرية المشتركة في مواجهة كافّة التهديدات المحتملة".
إشارة واضحة
من جانبه، أوضح الدكتور محمد شريف جاكو الخبير التشادي في الشأن الأفريقي، أن المناورات "تعد الأولى منذ قيام تلك الدول في منطقة الساحل الأفريقي بعد الاستقلال عام 1960".
وقال جاكو، لـ"العين الإخبارية"، إن الغريب فيها انضمام دولتين هما تشاد وتوغو غير المعاديتين للنفوذ الفرنسي، مضيفا أن "الدولتين حكمهما رئاسي وليس عسكريا، وهذا جديد".
وبين أن "انضمام تشاد للمجموعة يأتي بعد أقاويل كثيرة مؤخرا تشير إلى توتر العلاقة بينها وبين فرنسا وأمريكا، خاصة في الانتخابات الأخيرة".
ومضى قائلا: "هناك من يتحدث عن أن الرئيس التشادي محمد إدريس ديبي يعاني ضغوطا فرنسية وأمريكية متعلقة بالانتخابات الأخيرة"، لافتا إلى أن الشعب التشادي "يرغب في انتهاج مسار دول المثلث الساحلي" التي لفظت النفوذ الغربي".
جاكو ذكر أيضا، أن توقيت المناورات "يأتي بعد الانتخابات التشادية الأخيرة المثيرة للجدل، إضافة إلى وجود تململ فرنسي أمريكي منها"، متابعا: "لأول مرة، يغيب الرئيس الفرنسي عن تنصيب الرئيس التشادي، واكتفت باريس بإرسال وزير خارجيتها لتنصيب محمد إدريس ديبي".
ويستطرد: "مشاركة تشاد في هذه المناورات ليست بموافقة مسبقة من فرنسا، يبدو أن المسافة بدأت تبعد شيئا فشيئا بين باريس وأنجمينا"، قبل أن يتابع أن "هذه المناورات تعطي إشارة واضحة أن النفوذ الفرنسي والأمريكي يضعف كثيرا بالمنطقة، وأن هذه الدول يمكن أن تعتمد على نفسها بدعم من روسيا، والاستغناء عن الدعم الغربي".
ويؤكد: "هذا هو أهم مؤشر في هذه المناورات، واتخاذ شعار (حب الوطن) لها يعكس إمكانية اعتماد هذه الدول على نفسها وليس على واشنطن أو باريس".
وتأتي هذه المناورات العسكرية، بعد سلسلة من القرارات لتحالف مالي وبوركينا فاسو والنيجر، بدأت بانسحاب الدول الثلاث من المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا "إيكواس"، لتشكيل منظمة خاصّة بها سُمّيت تحالف دول الساحل.
كما أعلنت الدول الثلاث تشكيل قوة عسكرية مشتركة لمكافحة الإرهابيين، ثم كونفيدرالية للتعاون في كافة المجالات، إلا أن انضمام كل من تشاد وتوغو إلى المناورات الجارية، يفتح باب الأسئلة حول إمكانية تشكيل تحالف خماسي جديد يهدد المصالح الأمريكية والفرنسية بالمنطقة، وينذر بكيان مواز لـ"ايكواس"، وفق مراقبين.
تعزيز القدرات
بدوره، أوضح الكاتب الصحفي المالي، درامي عبدالله، أن المناورات "لها أهداف عسكرية، أبرزها تعزيز القدرة التشغيلية القتالية لقوات لا تستبعد الاشتباك في أي لحظة"، مضيفا أنها "لا تحتاج لمجهر لرؤية المؤامرات القادمة من كل جهة".
كذلك تهدف المناورات، وفق عبدالله، إلى "توجيه رسالة إنذار إلى كل جماعة إرهابية كانت تصول وتجول في منطقة الساحل"، مبينا أن "المناورات لها مغزاها التوعوي لاكتشاف نقاط الخوف في سكان المناطق المعرضة للخطر"، وفقا له.
وتابع: "في هذه المناورات إشارة إلى إمكانية التنسيق الإقليمي والعزف الجماعي بين هذه الدول، طالما أن هناك عدوا مشتركا"، مضيفا أن "الفترة المحددة لإجراء المناورات تؤكد أن هناك عقولا استراتيجية كبيرة تدير أمور الساحل".
وأشار إلى أن المناورات "لها علاقة مباشرة بمكافحة الإرهاب المتعدد المصادر، الذي أصبح مسار قلق لمموليه الدوليين".
مجرد تمرين؟
في المقابل، يرى الكاتب الصحفي الموريتاني المتخصص في الساحل الأفريقي، عبد الله أمباتي، أن "هناك اتفاقا عسكريا بموجبه يتم تكوين وحدات خاصة في النيجر في مركز تدريب خاص، وعند نهاية التكوين يتم إجراء هذه المناورات التي تحاكي العمليات ضد الإرهابيين".
وتابع، في حديث لـ"العين الإخبارية": "يشارك في هذه التمارين من يتلقى التدريب في مجلس التكوين من هذه الدول"، معربا عن اعتقاده بأن "هذه المناورات ليست لها علاقة بالنفوذ الفرنسي والأمريكي بالمنطقة".
ويضيف: "مهما أجرت هذه الدول من مناورات تبقى ضعيفة أمام دعم لوجستي قوي من فرنسا أو أمريكا، اللتين تملكان منظومات قوية للتجسس والاتصالات والرقابة القوية عبر الأقمار الصناعية تمكن من تحديد نقاط الخطر".
ويستطرد: "هذه الجيوش لا يمكن أن تصنع شيئا منفردة أو مجتمعة دون حليف غربي قوي"، معتبرا أن المناورات "مجرد تمارين لقوات خاصة من عدة بلدان تشترك في الحرب على الإرهاب"، لكنها "تبقى دون جدوى ما لم تجد دعما من حلفاء أقوياء كفرنسا وأمريكا".