«كونفدرالي مثلث الساحل الأفريقي».. «فكاك» من فرنسا و«بديل» لـ«إيكواس»
ورقة جديدة تلجأ إليها بلدان المثلث الساحلي مالي وبوركينا فاسو والنيجر بتكوين اتحاد كونفدرالي بينها، يقطع الطريق أمام فرنسا ويجنبها العودة مجددا للمنظمة الاقتصادية لغرب أفريقيا "إيكواس".
هذه الخطوة التي تشكل سابقة جديدة في غرب أفريقيا، تعد حاسمة في مسيرة الدول الثلاث نحو الاستقلال الاقتصادي والسياسي، خاصةً بعد تاريخ طويل من التأثير الفرنسي في المنطقة، وفي وقت تشهد فيه غرب أفريقيا تحولات سياسية واقتصادية مهمة، مما يُشير إلى سعي الدول الثلاث إلى لعب دور أكثر فاعلية في المنطقة."
- «إيكواس» والانسحابات.. هل تنجح السنغال في رأب الصدع؟
- مقاتلون عرب في الساحل الأفريقي.. قصص وشواهد لاتساع الحروب السرية
وفيما يُرحب خبراء بهذه الخطوة، معتقدين أنها ستُساهم في تحقيق الاستقرار والتنمية في المنطقة، يُعرب آخرون عن قلقهم من التحديات التي قد تواجهها، ومع ذلك، فإن الجميع يتفقون على أن هذه الخطوة تُمثل تطورًا مهمًا في غرب أفريقيا.
اللمسات النهائية
اتفقت سلطات النيجر ومالي وبوركينا فاسو على "الصيغة النهائية" لخطة تشكيل اتحاد كونفدرالي لدول الساحل الأفريقي.
وأعلن وزراء خارجية الدول الثلاث قبل أيام، وضع اللمسات النهائية لمشروع معاهدة إنشاء كونفدرالية.
وأوضحوا في اجتماعهم بـ"نيامي" أن النص النهائي سيتم اعتماده من قبل قمة رؤساء الحكومات العسكرية للدول الثلاث، لكن لم يتم تحديد موعد هذا الاجتماع بشكل دقيق، كما لم يتم الكشف عن محتوى الاتفاقية حتى الآن.
تخطيط موحد
ويأتي التفكير في هذا الاتحاد الكونفدرالي، بعد عدد من القرارات الموحدة التي اتخذتها البلدان الثلاثة، بالاتفاق على إخراج القوات الفرنسية من أراضيها، والتوقيع على تحالف عسكري لمواجهة المخاطر التي تواجه بلدانهم وعلى رأسها مكافحة الإرهاب.
علاوة على الانسحاب من المنظمة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا "إيكواس"، في تخطيط موحد يرى فيه الخبراء تصميم من الأنظمة العسكرية لهذه البلدان، للمضي قدما في التخلص من هيمنة رأوها سلبت أوطانهم الإرادة الوطنية.
وسط تساؤلات حول الهدف والتوقعات من تكوين مثل هذا الاتحاد، ومدى استطاعته سد الفراغ الأمني للقوات الفرنسية، وتحمل الفكاك الاقتصادي بعد الانسحاب من إيكواس.
الهدف الأساسي
ويوضح الدكتور عبد المهيمن محمد الأمين، مدير جامعة الميغلي الأهلية الدولية بالنيجر، لـ«العين الإخبارية" الأهداف الأساسية من تكوين اتحاد كونفدرالي بين دول الساحل الأفريقي (النيجر ومالي وبوركينا فاسو) مؤكدا أنها تشمل:
- التقليل من تدخلات فرنسا وفرض سيطرتها على القرارات السيادية لهذه الدول.
- منع استغلال موارد هذه الدول من قبل فرنسا.
- تعزيز التعاون في المجال الأمني، وتنسيق وتبادل المعلومات، والقيام بعمليات مشتركة ضد الحركات الإرهابية التي تنشط في الحدود بين الدول الثلاث.
- تطوير القدرات العسكرية لهذه الدول.
- الاستعانة ببعض القوى البديلة لفرنسا وأمريكا، مثل روسيا وتركيا وحتى الصين، في مجال التسليح والدعم.
- جلب دول أخرى إلى هذا التحالف ليكون بديلاً لـ "إيكواس" التي أثبتت عدم جدواها، على حدّ تعبيره.
- تحقيق تعاون حقيقي في كل المجالات العسكرية والسياسية والاقتصادية.
- وضع خطة عملية واضحة تعتمد على القدرات المحلية لمحاولة استئصال جذور كل القضايا الأمنية، وعلى رأسها نشاط الحركات الإرهابية والهجرة غير الشرعية والتهريب.
وتوقع الدكتور الأمين أن يكون هذا التحالف خطوة مهمة نحو تعزيز سيادة هذه الدول واستقلالها، وتحقيق التنمية والازدهار لشعوبها.
باريس لن تهدأ
وتوقع الخبير النيجري أن يكون التعاون بين دول الساحل الإفريقي (النيجر ومالي وبوركينا فاسو) أكبر في المجالات الاقتصادية.
ويُشير إلى أنّ هذه الدول تسعى إلى:
- وضع خطة للاستفادة من مواردها لتحقيق تنمية شاملة.
- الاستعانة بخبرات بعض الدول التي لها تجارب في هذا المجال، مثل الصين.
ويُتوقع الخبير أيضًا أن يكون بين هذه الدول:
- تبادل للآراء السياسية حول ما يخدم مستقبل شعوبهم.
- وضع خطة محكمة لعدم عودة فرنسا إلى المنطقة.
ويُؤكّد على أنّ باريس لن تهدأ وستحاول العودة إلى المنطقة باستخدام مختلف الوسائل، لكنه عبّر عن آماله الكبيرة في هذا الاتحاد، خاصةً في الجوانب العلمية وتبادل الخبرات، والنهوض بالبحث العلمي.
ويرى أنّ هذا الاتحاد سيُساهم في نهوض هذه الدول وتخليصها من المعاناة التي تعانيها في المجالات التنموية.
العدو المشترك
ومن جانبه، أكد درامي عبدالله، الكاتب الصحفي المالي، أن "فرنسا لم تعد تملك سوى وسائلها الإعلامية لتعطي المثلث الساحلي صفة المنطقة الفاشلة".
وقال عبد الله لـ"العين الإخبارية" إنه "بعد طرد فرنسا وأذيالها من الدول المصابة بالإرهاب المفبرك، اضطرت الدول الثلاث لخلق نظام دفاعي لمواجهة الجرائم الإرهابية".
وأضاف أن "الكونفدرالية التي دعا إلى تأسيسها وجود العدو المشترك ستستقبل طلبات الانضمام في المستقبل القريب من دول إقليمية أخرى ترى الحل في الطلاق من باريس".
ولفت إلى أن "هناك أملا تحقق بترجمة القول إلى عمل، وإلى تحقيق الحلم بتكوين هذه الكونفدرالية".
وبين أن "الاتحاد بعد قليل سيرى النور، كما أن إغلاق الباب أمام فرنسا وفتحها على مصراعيه إلى روسيا ليس إلا نتيجة لضبابية باريس وشفافية موسكو"، مشددا على أن "فرنسا لم تعد آلة لتخويف دول الساحل".
وأشار إلى أن "مالي استعادت كامل أراضيها بعد مغادرة فرنسا، وأن بوركينافاسو كذلك قطعت أذناب الثعابين وهي في طريقها لقطع الرؤوس".
وأوضح أن "النيجر بعد تحرير آبارها النفطية واليورانيوم هي الآن تملك القدرة والقرار لتجنيد طاقاتها المالية والعسكرية لإسكات صوت الإرهاب".
وأكد أن "هناك شبه يقين لغالبية شعوب الدول الثلاث أن الكونفدرالية الساحلية ستلبي الاحتياجات المالية والأمنية، وأنها رغم المضايقات الاقليمية والدولية أحيانا ستكسب الرهان في محاربة الإرهاب".
وبين أن مواطني البلدان الثلاث عاشوا فترة الوجود العسكري الأممي ورأوا كيف ازدادت الأوضاع تعقيدا، ثم رأوا بعد خروج القوات الدولية كيف بدأت النار تنطفئ شيئا فشيئا وإن وجدت أخطاء هنا وهناك، مضيفا أن نسبة النجاح أكبر من نسبة الإخفاق.
صعوبات عديدة
وفي سياق متصل، أشار الكاتب الصحفي الموريتاني عبدالله امباتي إلى أنّ دول الساحل الإفريقي (النيجر ومالي وبوركينا فاسو) تسارع في تكوين اتحاد كونفدرالي يُسمى "اتحاد دول الساحل" أو "إيس".
ويُبيّن امباتي في حديث لـ«العين الإخبارية» أنّ "هذا الاتحاد يأتي بالتزامن مع اقتراب وقت خروج هذه الدول النهائي من إيكواس".
وأُوضح أنّ "هذه الدول سبق وأن طلبت الخروج من إيكواس وأنّ هذا الطلب يُصبح لاغيًا بعد مضي سنة، فيما أن "إيكواس" لا تريد خروج هذه الدول وتحاول إقناعها بالعدول عن قرارها.
ويُؤكّد على أنّ هذا الاتحاد سيواجه صعوبات عديدة، منها:
- كونه اتحادًا بين مجموعة من الدول الحبيسة التي ليس لديها ميناء بحري، ممّا يُجبرها على المرور من موانئ دول الجوار (موريتانيا والجزائر والسنغال وباقي الدول المطلة على الأطلسي).
- عدم وجود عملة اقتصادية خاصة بالاتحاد.
- اعتماد هذا الاتحاد على روسيا كحليف، ممّا قد يُقلّل من فرص نجاحه.
ويُشير إلى أنّ هذه الدول كانت تستفيد من العديد من سياسات "إيكواس"، مثل:
- الإعفاء الضريبي.
- المنطقة الاقتصادية المشتركة.
- العملة الاقتصادية المشتركة.
- العديد من الامتيازات التي كانت تُساعدها اقتصاديًا وتُتيح لها تجاوز مشاكلها والتحديات الأمنية.
ويُعبّر عن اعتقاده بأنّ احتمالات نجاح هذا التحالف ضئيلة جدًا.
فكرة «مجنونة»
ويُؤكّد الخبير الموريتاني على أنّ دول مثلث الساحل الأفريقي هي الدول الوحيدة في المنطقة التي تواجه الإرهاب على حدودها المشتركة.
ويُعبّر عن اعتقاده بأنّ فكرة تكوين اتحاد كونفدرالي بين هذه الدول "مجنونة" وأنّها نابعة من خوف القادة العسكريين من فقدان السلطة.
ويُتوقع أن تفشل هذه الدول في محاربة الإرهاب بمفردها، وذلك بسبب:
- ترسّخ الجماعات الإرهابية في هذه الدول وامتلاكها لقواعد قوية.
- صعوبة نقل هذه الجماعات إلى دول أخرى.
- وجود مقاربات أمنية فعّالة في دول الجوار تمنع هذه التنظيمات من تجاوز حدودها.
ويُشير إلى أنّ قرار هذه الدول بالتحرر من فرنسا كان قرارًا صعبًا له عواقب وخيمة، مستشهدًا بضرب فرنسا القوي لدولة غينيا عندما قررت التخلي عن العملة التي تسيطر عليها فرنسا، ممّا أدى إلى انهيار اقتصادها.
ويُتوقع أن تعاني دول الساحل الإفريقي من نفس المصير، وأنّ اقتصادها لن ينمو وأنّ أمنها لن يستتب.
aXA6IDMuMTQ1LjExMi4yMyA= جزيرة ام اند امز