«تحالف جديد» على أنقاض مجموعة الساحل الأفريقي.. فرنسا السبب والهدف
«كمن ينفض غبار رحلة طويلة».. هكذا بدت دول الساحل الأفريقي التي تنسلخ من ربقة فرنسا، وكل ما نتج عنها من كيانات، وآخرها عقد مجموعة «جي 5» الذي انفرط لانسحاب بوركينا فاسو والنيجر، وقبلهما مالي.
تطورات كبيرة ومتسارعة، عدها خبراء ومحللون لـ«العين الإخبارية»، بمثابة ضربة قاصمة للتجمع قادت لتفككه بالكامل، وقيام تحالف جديد على أنقاضه، وأنها تستهدف بالأساس الخلاص من «الإرث الاستعماري» لفرنسا.
- انهيار مجموعة «الساحل الأفريقي».. بوركينا فاسو والنيجر تنسحبان
- «حروب الغرور».. تنافس «القاعدة» و«داعش» يشعل الساحل الأفريقي
لكنهم عبروا عن تخوفهم من تأثير هذا الانهيار لتلك الكيانات على التنمية في تلك الدول، وجهود التصدي للإرهاب الذي يفتك بها، فيما جاءت نظرة البعض منهم متفائلة بشأن التحالف الجديد، مبشرين بتوسعه.
واستطلعت «العين الإخبارية»، آراء خبراء ومحللين أفارقة، عن تأثير ذلك على باقي المجموعة (تشاد- موريتانيا)، ومآل ذلك على استمرارية المجموعة في أداء مهامها، ومدى تأثير أي تحالف جديد على النفوذ الفرنسي بالمنطقة.
«نتيجة طبيعية»
الدكتور محمد شريف جاكو، الخبير التشادي في الشأن الأفريقي، علق على الانسحاب قائلا: «في تصوري هذه نتيجة طبيعية، لأنه فعلياً تعتبر هذه الدول الثلاث منسحبة من ذلك التجمع المعروف بـ(جي 5)، وذلك بعد إلغاء هذه الدول اتفاقياتها العسكرية مع فرنسا، باعتبار أن مهندس هذا التجمع فرنسا، ولتحقيق مصالحها الاقتصادية والاستراتيجية فقط».
وأضاف جاكو في حديثه لـ«العين الإخبارية»، أن «هذا التجمع أصبح اليوم فعلياً (جي 1) لأنه حتى موريتانيا غير متحمسة، وعليه بقيت تشاد فقط ضمن الهيمنة الفرنسية بمفردها في الساحل»، معتبرا أن «اتحاد دول الساحل الجديد جاء بديلاً حقيقياً لمجموعة (جي 5) الفرنسية».
ولفت إلى أن «الاتحاد الجديد بين الدول الثلاث (مالي وبوركينا فاسو والنيجر) صار قوة عسكرية واقتصادية وتنموية عقب اتفاقيات استراتيجية بين الدول الثلاث في الآونة الأخيرة».
وبين أن «هذه الاتفاقيات تتلخص في اتفاقية لصك عملة موحدة، واتفاقية لإنشاء طيران مدني للاتحاد، وتنسيق عسكري على أعلى مستوى، وإنشاء محطة لطاقة أو مفاعل نووي للحصول على الكهرباء في بوركينا فاسو، وبناء مصفاة لتنقية الذهب في مالّي بالاتفاق مع روسيا، وكذلك مد أنبوب لتصدير البترول النيجري إلى الخارج عبر ميناء دولة بنين بالاتفاق مع الصين».
وأشار إلى أن «بعض تقارير الدول أوضحت أن اقتصاد دول الاتحاد الجديد سيكون ثالث أقوى الاقتصاديات في أفريقيا، بعد جنوب أفريقيا ونيجيريا».
ورأى الخبير الأفريقي أن «تجمع (جي 5) قد مات عملياً حتى قبل إعلان الانسحاب»، مضيفا: «هذا الإعلان في رأيي تحصيل حاصل، فضلاً عن فشل هذا التجمع في كل أهدافه المعلنة».
وتابع أن «هذه الأهداف تلخصت في الأمن والتنمية، بيد أنه لم يكن هناك أي أمن ولا تنمية طوال أكثر 10 سنوات من تأسيس التجمع».
واعتبر أنه «كان تجمعاً من تدبير قوى (الإمبريالية) وعلى رأسها فرنسا وانكشفت لدى الشعوب الأفريقية، - على حد وصفه-، وأن غالبيتها انسحبت منه».
انضمام دول جديدة
وعن التأثير المحتمل على النفوذ الفرنسي في المنطقة قال جاكو، أعتقد أن «هناك شعوب أفريقية أخرى في المنطقة عينها على تجربة دول الاتحاد الجديد، ويودون الانضمام إليه، وهي تتشوق إلى حرية سياسية واقتصادية وثقافية، وهذه الحريات الثلاث يرونها موجودة في الاتحاد بعد خروجه من الهيمنة السياسية والاقتصادية الفرنسية».
ولفت إلى أن «الاتحاد جعل عددا من اللغات المحلية، لغات رسمية بجانب الأوروبية منها الفرنسية».
وتوقع جاكو أن «تنضم دولتا بنين والسنغال إلى هذا الاتحاد، وذلك لأسباب اقتصادية بالدرجة الأولى تخص بنين، أما السنغال فإنها تتطلع إلى انتخابات رئاسية بداية العام المقبل، والمرشح المرجح فوزه فيها هو عثمان سونكو، وفي حالة فوزه فلا شك أنه سيعلن انضمامه إلى الاتحاد الجديد».
كما توقع الخبير التشادي في الشأن الأفريقي، كذلك «انضمام تشاد مستقبلاً إن تم تغيير النظام الحالي لصالح الشعب».
في الوقت نفسه رأى الخبير الأفريقي أن مصير المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس) هو التفكك حتماً كما تفكك «جي 5».
وقال إن إيكواس الآن تعاني من رفض غالبية شعوب المنطقة بعد مواقفها السيئة تجاه الانقلاب في النيجر وعلاقاتها التي وصفها بـ«المشبوهة» مع فرنسا، وأيضا فشلها في معالجة أية قضية من القضايا السياسية والأمنية والاقتصادية في المنطقة.
النفوذ الفرنسي
من جانبه، رأى السفير عبد المحمود عبد الحليم، الخبير السوداني بالشأن الأفريقي، أن انسحاب النيجر وبوركينافاسو وقبلهما مالي من البناء المؤسسي لدول الساحل يعكس التآكل والضمور المستمر للنفوذ الفرنسي في القارة الأفريقية عموما، وذلك بعد أن لعبت هذه المجموعة دور الوكيل الأمين للمصالح الفرنسية.
وقال عبد المحمود لـ«العين الإخبارية» إن «هذه الظاهرة التي بدأت بقوة عقب مذابح رواندا، والدور السالب لفرنسا إزاءها مرشحة للتصاعد، وربما تشكل هذه الدول كيانا وجسما تنسيقيا بينها».
واستدرك: «لكن أثر مواقف وتنسيق هذه الدول سيتبدى في إطار إيكواس»، متوقعا أن «تقوم فرنسا بإعادة هيكلة وجودها في أفريقيا، وأن انسحابها من أفريقيا لن يصل إلى ما فعلته الولايات المتحدة في أفغانستان».
أكبر تحد
أما محمد سيدي، الكاتب والمحلل السياسي النيجري، فقد اعتبر أنه بعد انسحاب الدول الثلاث ستواجه مجموعة الساحل «أكبر تحد في تاريخها».
وقال سيدي لـ«العين الإخبارية»: «بعد هذا الانسحاب ستكون المجموعة مهددة بالتفكك، وستكون هذه نهاية حلم لأهم تجمع إقليمي كانت تعلق عليه آمال كبيرة في المجالين الأمني والتنموي».
وأضاف: «قد تنسحب دول أخرى – لم يسمها-، وبالتالي سيكون هذا الانسحاب هو نهاية هذه المجموعة التي تعمل في مجال مكافحة الإرهاب ولها إنجازات كبيرة».
وأكد أنه "بهذا الانسحاب تصبح هذه المجموعة منقسمة، والباقي منها سيكون غير قادر على إنجاز المهام في ترسيخ الأمن والاستقرار في هذه المنطقة المتاخمة لمالي وبوركينا فاسو والنيجر، وغيرها من الأماكن التي تشهد اضطرابات أمنية".
وأوضح أنه "تم تأسيس مجموعة أخرى وهو تحالف دول الساحل كما يطلق عليه، وأنه يجمع مالي وبوركينا فاسو والنيجر، وتم الإعلان عن هذا التحالف في باماكو بحضور وزراء خارجية الدول الثلاث".
وأضاف أن «رئيس المجلس العسكري في النيجر زار، الخميس الماضي، كلاً من مالي وبوركينا فاسو من أجل ترسيخ هذه الاتفاقية والعمل على تقوية هذا التحالف».
واعتبر أن «هذا التحالف الجديد سيدخل محل التحالف السابق للدول الخمس، وسيلعب نفس الدور الذي كان يلعبه التحالف القديم».
وحسب رأي سيدي «لن يكون التحالف الجديد بنفس زخم التحالف القديم»، مبررا ذلك بأن «الدول المكونة للتحالف الجديد بها انقلابات عسكرية ومشاكل داخلية نتيجة لذلك».
وأضاف أن «هناك أيضا عدم اعتراف دولي بهذه الانقلابات لاسيما النيجر علاوة على المشاكل الدبلوماسية لمالي وبوركينا فاسو، كما أنها لن تجد التمويل المناسب مثلما وجده التحالف السابق».
وأكد أن «هناك معوقات ستلاحق المجموعة الجديدة للدول الثلاث، وأن فرنسا ستحاول عرقلة مسار هذا التحالف»، مستدركا في الوقت نفسه أنه «يمكن أن تعول هذه الدول على دول خارجية أخرى لمواصلة مهامها».
تأثير «إيكواس»
أما تأثير هذا الانسحاب على علاقة الدول الثلاث بمنظمة إيكواس ذكر سيدي أنه «في الأيام الماضية أرسلت المنظمة خطابا إلى المجلس العسكري في النيجر والذي قابله بالرفض».
وبين أن «الرسالة احتوت على طلب من إيكواس بإطلاق سراح الرئيس المعزول محمد بازوم ونقله إلى أي دولة، وأن النيجر هي التي تحدد هذه الدولة حتى لو كانت خارج ايكواس، وأن هذا هو شرط رفع العقوبات عن النيجر وإعادة فتح الحدود، وعودة العلاقات إلى سابق عهدها».
مستدركا: «لكن تم الرفض من قبل المجلس العسكري، بما رأته إيكواس تعنتا في الوصول إلى حل»، لافتا إلى أن «عودة الرئيس المعزول في النيجر إلى منصبه لم يعد مطروحا الآن».
بيان الانسحاب
وكانت بوركينا فاسو والنيجر قد أعلنتا، السبت الماضي، أنّهما انسحبتا من مجموعة دول الساحل الخمس، على غرار جارتهما مالي التي غادرت المجموعة في مايو/أيار 2022.
وقالت الدولتان في بيان، إنّهما «قررتا بسيادة كاملة انسحاب بوركينا فاسو والنيجر من كل الهيئات التابعة لمجموعة دول الساحل الخمس، بما في ذلك القوة المشتركة، اعتباراً من 29 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي».
وأضافت واجادوجو ونيامي، في البيان، أنّ «المنظمة تواجه صعوبات في تحقيق أهدافها. والأسوأ من ذلك أنّ الطموحات المشروعة لدولنا، والتي تتمثّل في جعل منطقة مجموعة دول الساحل الخمس منطقة أمن وتنمية، يعوقها نمط مؤسسي من حقبة سابقة، ما يقنعنا بأنّ سبيلنا إلى الاستقلال والكرامة لا يتوافق مع المشاركة في مجموعة الساحل الخمس بشكلها الحالي».
وتابعت الدولتان: «لا يمكن لمجموعة دول الساحل الخمس أن تخدم المصالح الأجنبية على حساب شعوب الساحل، ناهيك عن قبول إملاءات أي قوة، أياً تكن، باسم شراكة مضلِّلة وطفولية تنكر حق السيادة لشعوبنا ودولنا»، ووصفتا قرارهما بالخروج من المجموعة بأنه «مسؤولية تاريخية».
يذكر أنه في مايو/أيار 2022، غادرت مالي التي يحكمها نظام عسكري منذ العام 2020، مجموعة دول الساحل الخمس متحدثة عن «منظمة يستغلّها الخارج».
وكانت الدول الخمس قد أنشأت هذه المجموعة في العام 2014، ثمّ أطلقت قوّتها العسكرية المشتركة في العام 2017، في الوقت الذي كان ينتشر فيه خطر المتطرفين بقوة في هذه الدول التي تملك جيوشاً غير مجهّزة، وباتت العضوية في هذه المجموعة «التي يبدو أنها آيلة إلى الزوال» تقتصر على تشاد وموريتانيا.
aXA6IDMuMjMuMTAxLjYwIA== جزيرة ام اند امز