استعراض "الحشد" بالعراق.. إرهاب إيراني على الملأ
في خاصرة بغداد الشرقية كانت مليشيات طهران تستعرض رسائل تحدٍّ واهمة بأسلحة إيرانية، وداخل العاصمة كانت الحكومة تنشر قواتها الأمنية لتأمين انعقاد قمة ثلاثية عربية.
فمع كل اقتراب للعراق نحو محيطه العربي والإقليمي وكذلك المجتمع الدولي، على مدار عام من حكم رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، تتحرك المليشيات. لتفخيخ الطريق برسائل من صنع إيراني.
وعشية انعقاد القمة الثلاثية العربية التي تجمع الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي والعاهل الأردني الملك عبدالله الثاني مع رئيس الوزراء العراقي، في العاصمة بغداد، أجرت مليشيات "الحشد الشعبي"، استعراضاً عسكرياً كان أشبه بالترويج لبضائع إيران العسكرية.
وظهر خلال الاستعراض الذي جرى في محافظة ديالى، شرق بغداد، بعض مما تختزنه مستودعات الحشد من أسلحة مصنعة في إيران، في وقت كانت بغداد منهمكة في نشر قواتها الأمنية لتأمين انعقاد القمة الثلاثية.
وسبق رسائل ديالى، استعراض عسكري لمليشيات الحشد، عند المنطقة الرئاسية ببغداد، وذلك عشية اعتقال قوة القيادي البارز في الحشد قاسم مصلح، في مايو/أيار الماضي، أرادت من خلاله الضغط على حكومة الكاظمي لإطلاق سراحه .
وتزامن الاستعراض مع تعرض مناطق قريبة من القنصلية الأمريكية في أربيل لهجوم بـ3 طائرات مسيرة، خُطَت بشعارات طائفية التصقت دوما بالمليشيات الموالية لإيران.
توقيت بدلالات
مراقبون للشأن السياسي، اعتبروا أن توقيت الاحتفال بذكرى تشكيل الحشد الشعبي وما سبقه من استهداف بالطائرات المسيرة، جاء مقصوداً لدلالات أرادوا من خلالها إشغال الرأي العام وحرف الأضواء عن ما يجري في بغداد من تحضير للقمة الثلاثية.
يقول المحلل السياسي مثنى أركان، إن "الفوضى التي عاشتها البلاد ما بعد 2003، وفّرت لإيران الأجواء المناسبة لزرع تلك المليشيات في التربة العراقية، والتي باتت تمتلك الحصانات الاقتصادية والترسانات العسكرية".
وفي حديث لـ"العين الإخبارية" يرى المثنى أن "فرص المعالجة والعودة بدولة المؤسسات في العراق مازالت ممكنة وقد بدأت تظهر بشكل جلي من خلال حكومة الكاظمي ولكن إلى الآن لم ترتق للمستوى المطلوب والمأمول".
وحول ما جرى أمس من استعراض للمليشيات وأثر ذلك على مجريات القمة الثلاثية، أكد المحلل السياسي أن "المليشيات وإن امتلكت السلاح والمال تبقى فقيرة أمام مقدرات الدولة وبالتالي مثل تلك المحاولات لن تجد نفعاً ولن تأتي أكلها".
"بغداد السلام والعروبة"
واليوم الأحد، وصل الرئيس المصري والعاهل الأردني، إلى العاصمة العراقية إيذانا بعقد قمة ثلاثية.
وصرح رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي أن البلدان الثلاثة تؤسس لمستقبل يليق بشعوبها وفق منطق التعاون والتكامل.
وقال الكاظمي، في تغريدة عبر حسابه على موقع التواصل الاجتماعي "تويتر" :"مرحبا بكم في عراقكم، ومعاً نؤسس لمستقبل يليق بشعوبنا وفق منطق التعاون والتكامل، بين الجيران والأشقاء والأصدقاء" .
وأضاف :"بغداد السلام والعروبة تستقبل اليوم بكل ود وترحيب ضيفيها الكريمين، الملك عبد الله الثاني والرئيس عبد الفتاح السيسي، لعقد القمة العراقية-الأردنية -المصرية".
وأقام الكاظمي استقبالا رسميا داخل المقر الحكومي بالمنطقة الخضراء للرئيس المصري الذي وصل بغداد للمشاركة في القمة، وعقدا مباحثات ثنائية قبيل انطلاق أعمال القمة الثلاثية.
رهانات مليشياوية تتكسر على صخرة الكاظمي
ويوما تلو الآخر، تتكسر رهانات المليشيات الموالية لإيران، على صخرة حراك رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي نحو أفق دولي وحاضنة عربية.
ورغم سلوكها المنفلت ومحاولات خلط الأوراق من خلال إضعاف الدولة وعدم الركون إلى منطق المؤسسة والقانون، إلا أن حكومة بغداد تصر على إيقاف زحف تلك المليشيات نحو القرار السيادي والأمني.
وغالباً ما تعترض تلك القوى غير المنضبطة أية مسارات من شأنها إرساء دعائم الدولة والنأي بعيداً عن الصراع الإيراني في المنطقة والعراق على وجه الخصوص.
ودائما ما تشهد العاصمة بغداد وعدد من المناطق الأخرى، حالات استهداف بهجمات صاروخية تلاحق مصالح واشنطن في العراق وكل من يعترض الخط السياسي الإيراني ورغباتها التوسعية في المنطقة.
وتعتمد طهران، استراتيجية الأذرع العسكرية وتفريخ المليشيات خارج حدودها في مسعى لخلق خطوط تضاد وضغط لتحقيق مكاسب سياسية واقتصادية على حساب سيادة الدول واستقرار المنطقة.
ويعد العراق الساحة الأكبر للتنازع الإيراني مع واشنطن والدول الغربية بحكم المتغيرات التي شهدتها البلاد ما بعد 2003، والتي دفعت طهران إلى صناعة قوى ومليشيات مسلحة لملء الفراغ واستغلال الأوضاع الجارية هناك.
وتضطلع تلك المليشيات بتنفيذ أجندة طهران في العراق من خلال الإبقاء على العراق ضمن دائرة الصراع والضعف لتوفير بيئة آمنة تحقق لإيران ولتلك الفصائل الاستمرار تمهيداً لابتلاع البلاد سيادياً واقتصادياً وجغرافياً.
ومع التغيير الذي طرأ على شكل السياسة الخارجية في التعامل مع الملفات الإقليمية والدولية مع وصول رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، إلى سدة الحكم منذ مايو/أيار 2020، باتت تلك القوى غير المنضبطة أكثر غضباً وأفصح ظهوراً لعرقلة أية محاولة لتدوير بوصلة العراق.
وكان الكاظمي ، قد أفصح عن أجندته بعد أيام من توليه منصب رئيس الوزراء، التي تضمنت حصر السلاح المنفلت وتسييد القانون في الدولة المختطفة والنأي بالبلاد عن الصراعات الجارية في المنطقة.