«ميسترال» بين الدعاية والواقع.. ذكاء اصطناعي لخدمة الكبار

في الوقت الذي يسوق فيه للشركة الفرنسية «ميسترال» على أنها «الرد الأوروبي» على عمالقة الذكاء الاصطناعي مثل OpenAI وAnthropic، يبدو الواقع مغايراً.
تكشف الحقائق أن الشركة الفرنسية تركز بالأساس على تلبية حاجات المؤسسات والمنظمات الكبرى في أوروبا الباحثة عن أنظمة سيادية مصممة خصيصًا، أكثر من استهدافها للمستهلك العادي.
وبينما يصفها البعض بأنها "التوازن الأوروبي" في سباق الذكاء الاصطناعي العالمي، يرى آخرون أنها مجرد شريك موثوق لحماية السيادة الرقمية الأوروبية، بعيدًا عن طموحات المنافسة الشعبية المباشرة، بحسب صحيفة "لا تريبين" الفرنسية.
رغم تقديمه خطأً كمنافس مباشر لـ OpenAI أو Anthropic، تبرز "ميسترال" في المقام الأول كشريك مميز للمنظمات والشركات الأوروبية الكبرى، الساعية إلى تطوير أنظمة سيادية ومصممة خصيصًا.
وشدد نيكولا دوفورك، مدير بنك Bpifrance، خلال قمة الذكاء الاصطناعي التي انعقدت في باريس فبراير/شباط الماضي. أما الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون فقد صرّح عبر منصة "إكس" قائلًا: "اذهبوا وحمّلوا Le Chat بدلًا من ChatGPT.
وبعد جمع تمويل قياسي جديد من شركة ASML الهولندية، وصلت قيمة ميسترال السوقية إلى 11.7 مليار يورو، لتعود بقوة إلى الواجهة كأول "ديكاكورن" فرنسية (شركة ناشئة تتجاوز قيمتها 10 مليارات يورو)، وتقدم مجددًا على أنها البديل الأوروبي المكافئ لـ OpenAI وAnthropic وDeepSeek.
لكن الواقع مختلف إلى حد ما، كما تكشفه استخدامات عملاء الشركة نفسها. فرغم أن الشركة، التي أسسها ويديرها آرثر منش، تؤكد أنها تلعب في نفس الفئة مع OpenAI أو Anthropic، إلا أنها تركّز فعليًا على المؤسسات والشركات أكثر من اهتمامها بالمستهلك العادي.
ووفقًا لاستطلاع أجراه معهد "أيفوب"، فإن روبوت الدردشة الخاص بها (Le Chat) لم يستخدمه سوى 6% من الفرنسيين فقط. وحتى في سوق الأعمال (B2B)، ما زالت قاعدة عملائها الأساسية داخل أوروبا، حيث تعتبر جنسية النماذج اللغوية الكبرى (LLM) عاملًا محوريًا في اختيارات تلك المؤسسات.
من جهته، قال طه زموري من شركة Eden AI، وهي شركة مختصة بدمج نماذج الذكاء الاصطناعي داخل بيئات الأعمال الكثير من العملاء يستخدمون Mistral AI أساسًا لأسباب تتعلق بالسيادة الرقمية، موضحاً أن الأرقام تشير إلى أن 60% من إيراداتها تأتي من أوروبا، مقابل 20% من الولايات المتحدة و 20% من الصين.
ورغم الزخم الكبير المحيط بـ"ميسترال"، فإن طريقها نحو ترسيخ مكانتها كمنافس عالمي لا يخلو من التحديات، فالشركة ما زالت بحاجة إلى بناء قاعدة جماهيرية أوسع، وتطوير تطبيقات موجهة للمستهلك العادي كي تتمكن من منافسة "تشات جي بي تي" أو "كلود" بشكل مباشر.
كما أن قدرتها على التوسع خارج السوق الأوروبية ستظل مرهونة بقدرتها على جذب استثمارات ضخمة، ومواكبة السباق التكنولوجي السريع الذي تقوده شركات وادي السيليكون.
وبينما تراهن أوروبا على "ميسترال" لتأمين استقلالها الرقمي وحماية بياناتها من الهيمنة الأمريكية والصينية، فإن مستقبل الشركة سيتحدد بمدى نجاحها في الانتقال من "رمز للسيادة الرقمية" إلى "لاعب عالمي حقيقي" في مجال الذكاء الاصطناعي.