تحويل آيا صوفيا لمسجد مرة أخرى على يد أردوغان لا يتم وفق سلسلة من الانتصارات للتاريخ الإسلامي
حوالي قرن من الزمان يفصل حدثين مهمين من تاريخ "آيا صوفيا" فقد صدر في العام 1934م، قرار يقضي بأن يتم تحويل آيا صوفيا إلى متحف، فما هي "آيا صوفيا"هل هي مسجد أم متحف أم كنيسة؟ ، تاريخيا آيا صوفيا كتدرائية مسيحية بنيت في العام 537م ، وتحولت من كنيسة إلى مسجد في عهد السلطان العثماني محمد الثاني ، ثم حولتها حكومة مصطفي كمال أتاتورك إلى متحف في العقد الرابع من القرن العشرين، ليأتي أخير أردوغان ليعيدها إلى مسجد، وهنا يأتي السؤال الفعلي خلف هذا القرار من تحويل آيا صوفيا إلى مسجد مرة أخرى ؟.
في السياسة فإن مثل هذه القرارات التي تطال الأبعاد التراثية والثقافية دائما يكون القصد منها إحياء المشاعر الشعبية وكسب تأييدها، كونها تعبير مباشر عن استعادة مرحلة تاريخية، ويمكن قراءة هذا القرار بأنه تعزيز متأخر لثورة أردوغان الداعمة للحركات الدينية وخاصة حركات الإسلام السياسي، والتي ترتكز على إلهاب المشاعر الشعبية وحشرها في قصة التاريخ واستعادة الأمجاد ليس بشكل فعلي ولكن بشكل مصطنع لا يتجاوز في محصلته استثارة عاطفة شعبية توقع لها أردوغان أن تجتاح العالم الإسلامي بطوله وعرضه.
إن تحويل آيا صوفيا لمسجد مرة أخرى على يد أردوغان لا يتم وفق سلسلة من الانتصارات للتاريخ الإسلامي، فالوضع التاريخي للمنطقة وشعوبها وحكوماتها لم يتغير أبدا فسياقها التاريخي مستقر وخاصة منذ الحرب العالمية الثانية، إذاً يجب إعادة السؤال مرة أخرى : لصالح من يُستثار العالم ضد الإسلام وضد جزء من تاريخ الإسلام انتهي ولن يعود بذات الطريقة؟.
الأمجاد الشخصية لا يمكن صناعتها بتحريك المشاعر أو استثارتها وربطها بالتراث، كون تغيير الحالة في آيا صوفيا لن يغير شيئا في الحالة السياسية للمنطقة، وفي هذه الحالة سيكون التغيير وبهذه الطريقة عبث واستثارة سلبية تسئ للإسلام قبل المسلمين.
يجب إعادة السؤال مرة أخرى : لصالح من يُستثار العالم ضد الإسلام وضد جزء من تاريخ الإسلام انتهي ولن يعود بذات الطريقة؟.
إن ما يحتاجه أردوغان ليس البحث في قدرته أن يحول معلما تاريخيا تراثيا تعاقبت عليه الأمم إلى مسجد يصلى فيه الشعب التركي أو زوار تركيا، بل إن كل ما يحتاجه هو أن يدرك أنه يقوم بعملية انفصال شديدة عن واقع المنطقة وعقيدتها لصالح الراغبين في إظهار الإسلام بصورة قاتمة في علاقاته بالأديان الأخرى، وسوف يستشهدون بتحويل هذا المعلم التاريخي وعسفه سياسيا لصالح تجربة سياسية تعاني من الازمات الاقتصادية والاجتماعية.
ليس هناك رمزية يمكن قراءتها من هذا المشهد سوى إعلان عن فشل سياسيات الرئيس التركي الذي يحاول أن يجد بؤرة يجمع حولها الشعب التركي بعدما فشل في تحقيق تقدم اقتصادي يضمن له شعبية مطلقة، اليوم يبدو بوضوح أن الشعب التركي وكذلك العالم الإسلامي كله ليس مهتما أو متحمسا لتلك الحركة التي جعلت من متحف تاريخي مسجد للصلاة، لأن الجميع يدرك أن المرحلة التاريخية والوضع "الجيوبولتيكي" في المنطقة لا يحتمل مثل هذا الاجترار العاطفي للشعوب الإسلامية.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة