من باميان بأفغانستان إلى آيا صوفيا بتركيا.. التطرف ينهش التسامح
اعتبر الخبراء إن مشاريع داعش والإخوان و"تركيا أردوغان" تشترك في أنها ضد الحداثة والتطور والمدنية، وان اختلفت المقاصد في بعض الأحيان.
من باميان بأفغانستان مرورا بتومبكتو في مالي إلى تدمر التاريخية بسوريا حتى الموصل بالعراق، لم تتوقف التنظيمات الإرهابية والمتطرفة في تلك المناطق والمدن عن عمليات "التدمير الممنهج" للأثار والمعالم التاريخية والمصنف بعضها كتراث عالمي إنساني، خلال العشرين عاما الماضية.
وبدأت هذه العملية التدميرية منذ تدمير "طالبان" عام 2001 تمثالي بوذا بكابول، وصولا لـ"آيا صوفيا" في تركيا، الذي أصبح في ظل نظام رجب طيب أردوغان ساحة للسجال العالمي والمعارك السياسية بعد أن كان رمزا تاريخيا للتعايش والتقريب والتسامح بين الأديان.
سياسيون وخبراء في شئون الحركات الإسلامية أجمعوا في أحاديث خاصة لـ"العين الإخبارية" على استغلال التنظيمات الإرهابية، واستهدافهم الآثار والمعالم التاريخية والإنسانية من أجل توظيفها سياسيا، وجلب وتأكيد الشرعية لدى الجمهور والقواعد.
هذا الاستغلال والاستهداف للآثار كان حاضرا بقوة في المناطق والمدن التي سيطرت عليها التنظيمات الإرهابية بأفغانستان والعراق وسوريا، حتى وصلنا للحالة التركية بتحويل نظام أردوغان "آيا صوفيا" لساحة معارك وسجال سياسي حاد.
واعتبر الخبراء إن مشاريع داعش والإخوان و"تركيا أردوغان" تشترك في أنها ضد الحداثة والتطور والمدنية، وان اختلفت المقاصد في بعض الأحيان.
فالمشروع الاخواني؛ ضد مفهوم المواطنة ويسعى للتمكين لسياسي، في الوقت الذي يستهدف تنظيم داعش هدم الدول، والعودة للمجتمعات البدوية.
كما أكدوا أن استهداف الإرهاب للمعالم الآثرية يذهب في خانة "التعصب" الذي تصل لدرجاته القصوى مع العنف في حالة داعش والقاعدة، ويتجلى في إتجاه "الطائفية وتزكية مشاعر التعصب" لا التسامح بين الأديان كما في الحالة التركية.
قواسم مشتركة
محمد جمعة الخبير في شئون الحركات الإسلامية بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية (حكومي) يرى أن ما خلفته التنظيمات الإرهابية والمتطرفة من تدمير ممنهج للمعالم والآثار والتاريخية، سواء على يد داعش بسوريا والعراق، وطالبان في أفغانستان لا يختلف "سياسيا" كثيرا مع قيام أردوغان التركي بتحويل "آيا صوفيا" من متحف إلى مسجد، و من معلم إنساني وعالمي إلى معركة سياسية.
وعلى خلفية سوابق التنظيمات الإرهابية التاريخية في تدمير التراث الإنساني والعالمي، استعرض "جمعة" في حديث خاص لـ"العين الإخبارية" قواسم مشتركة بين المدرسة الإخوانية من جهة، والسلفية الجهادية من جهة أخرى من الناحية السياسية، بعيدا عن العقائدية.
وقال إن دوافع تنظيمات الإخوان وداعش وما جرى مؤخرا في تركيا هو أمر واحد، وإن اختلفت في حدتها، وتتمثل في الحالة الداعشية بمحاولة التوظيف السياسي، وجلب وتأكيد الشرعية لتلك التنظيمات لدى جمهورها وقواعدها بأنها الممثلة والحامية للإسلام.
أما في الحالة التركية، فيرى جمعة أن ما قام به أردوغان بـ "آيا صوفي" هو في حقيقته، قرارا شعبويا من لدغدغة مشاعر أنصاره، وشد آزر قواعده الشعبية بسبب تدهور الأوضاع الاقتصادية الداخلية، وسياسياته وحزبه الدكتاتورية.
تحالف ضمني أو صراع دموي
ونبه "جمعة" إلى أن العلاقة بين الإخوان والتنظيمات الجهادية؛ سواء داعش أو القاعدة في جميع التجارب من أفغانستان حتى المغرب، تتراوح تاريخيا بين التحالف الضمني، أو التوظيف المتبادل، أو الصراع على السلطة الذي قد يصل إلى الاقتتال الدموي، كما هو حاصل في بعض الأوقات بين تنظيمي داعش وطالبان، من فترة لأخرى، أو بين الإخوان والسلفية الجهادية في غزة.
ودلل الخبير بمركز الأهرام على "التحالف الضمني" في بعض الأوقات بين الإخوان والجهاديين في مصر إبان حكم الرئيس الإخواني محمد مرسي.
وقال: "في أوقات الاستضعاف تكون شكل العلاقة هى التوظيف المتبادل، فأثناء فترة حكم الإخوان جرى هذا التوظيف، وتحديدا في العلاقة بين حزب البناء والتنمية (الذراع السياسي للجماعة الإسلامية) المنحل، والإخوان، حيث سعى التنظيم حينها إلى تعزيز صفوفه وشرعيته، وبحث الجهاد من تحالفه هذا عن مزيد من الخبرة السياسية.
ويرى جمعة، أن المواجهة يجب أن تتخذ جميع الوسائل والأشكال الشاملة والممكنة؛ ومن بينها تفنيد أطروحات الإسلام السياسي في المنطقة مع المواجهة الشاملة لهذا الفكر.
واعتبر أن ذلك من أهم الأولويات حاليا؛ لأن الصراع الذي تخوضه تيارات الاسلام السياسي في مواجهة الدولة الوطنية بات مدمرا لإهدار الطاقات العربية وموارد الأمة.
رسالة تعبئة وتوظيف سياسي
وفي قراءته، يرأى الدكتور عمرو الشوبكي الخبير السياسي بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية في حديث خاص لـ"العين الإخبارية"، أنه رغم اختلاف السياق، فإن محاولات التنظيمات الإرهابية كداعش وغيرها في توظيف ما تقوم به لا تختلف كثيرا عن محاولات التوظيف السياسي الذي يقوم به نظام أردوغان بتركيا.
وأوضح الشوبكي: "يقوم كل تنظيم بإيصال رسالة تعبئة، وتوظيف تذهب جميعها في خانة التعصب الذي تصل لدرجاته القصوى مع الإرهاب والعنف في حالة داعش والقاعدة، والأخر يذهب في إتجاه الطائفية وتزكية مشاعر التعصب وليس التسامح بين الأديان كما في جرى في حالة آيا صوفيا بأنقرة".
وتابع قائلا: "إن أردوغان يروج بأنه ينصر قضايا الإسلام، من خلال تحويل متحف لمسجد، وهو فهم خاطئء وقاصر ولعب بعواطف الناس، بل أن الأمر يضر بقضايا العرب والمسلمين، حيث يعطي مبررا للاحتلال الإسرائيلي بأن يتطرق ويتحدث عن هيكل سليمان بالمسجد الأقصى".
واتفق الباحث المصري أحمد كامل البحيري، الخبير بالوحدة الأمنية في مركز الأهرام للدرسات السياسية والاستراتيجية (حكومي)، مع سابقيه، قائلا في حديث لـ"العين الإخبارية" إن مشروع تركيا والإخوان يلتقيان مع مشروع داعش؛ لأن الفكر والمنبع واحد، لكنهم يختلفون في المسارات والاستراتيجيات.
وأوضح: المشاريع الثلاثة تشترك في أنها ضد الحداثة والتطور والمدنية، حيث يستهدف المشروع الاخواني التمكين السياسي لفرض مشروعات ضد الديمقراطية، والسلام الاجتماعي، وضد مفهوم المواطنة، في الوقت الذي يستهدف فيه تنظيم داعش والقاعدة هدم الدول، والعودة للمجتمعات البدوية.
لذا يؤكد أن "خطر الإخوان على الدولة أكبر من خطر داعش؛ حيث لم نجد أي تنظيم في العالم قد تمكن من إسقاط دولة؛ لكن التنظيمات السياسية الإسلامية تمكنت من إسقاط دول مثل طالبان فى أفغانستان وغيرها.
أعداء للإنسانية
وبدوره، قال الدكتور أحمد قنديل الخبير بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، إن جميع التنظيمات الإرهابية والمتطرفة "أعداء للإنسانية"، وليس غريبا على تلك التنظيمات القيام بتدمير تراث انساني هو في حقيقة الأمر ملك للبشرية جميعها.
ونوه "قنديل" في حديث خاص لـ"العين الإخبارية" إلى وجود عاملين تقود تلك التنظيمات المتطرفة للتخريب المتعمد للمعالم الآثرية، الأول؛ عدم الفهم الصحيح للدين الإسلامي، فيقومون بأعمال بعيدة عن القيم الانسانية والدينية النبيلة، وتحمل تداعيات سلبية بصورة الإسلام والمسلمين في أمور تجاوزها التاريخ، وعفا عليها الزمن.
أما العامل الثاني؛ فيتمثل في الاستهانة بالموروث الإنساني المشترك، وإدعاء السمو الديني والأخلاقي، وهو ما يعبر عنه بالقول أن "داعش قتلت العديد من الأبرياء، ودمرت مدنا وشردت آلاف البشر، وكذلك يفعل الرئيس التركي الذي يتدخل عسكريا في شئون 3 دول عربية مما تسبب في تهجير آلاف الأبرياء.
وأكد قنديل أن جميع الأنظمة المتطرفة من الصعب أن تفهم التراث الانساني، ويوظفون تدميرهم لهذا التراث لتحقيق أهداف سياسية.
وخلال الـ 20 عاما الماضية، لم تسلم معالم أثرية وإنسانية عالمية - كانت رمزا للتعايش المشترك، وسبيلا لتقريب الشعوب والثقافات من بعضها- من تدمير ممنهج وعبث ومطاردة تنظيمات إرهابية ومتطرفة في للآثار في المناطق التي يسيطرون عليها على النحو التالي:
2001:
تدمير تنظيم طالبان تمثالي بودا العملاقين قرب مدينة باميان، وسط أفغانستان، والذي كان إيذانا بانطلاق موجة من العنف بالعالم.
2012:
أقدم مسلحون مرتبطون بتنظيم القاعدة على تدمير العديد من المباني والمعالم التاريخية والدينية، وتعرضت منطقة تومبكتو التاريخية في البلاد لتدمير شديد لآثارها.
2014:
دشن تنظيم داعش منذ هذا العام عملية تدمير ممنهج، لآثار الآثار صنف بعضها كتراث عالمي إنسان، فقامت بهدم عدة مساجد وأضرحة ومزارات في الدولة العراقية شملت مدنا تاريخية في نمرود والحضر، وفي نفس العام، تدمير الحصون الصليبية الأثرية التاريخية بسوريا.
2015:
أقدم تنظيم داعش على مدينة تدمر العريقة بسوريا، وفي نفس العام قام المتطرفون بهدم آثار تاريخية في ليبيا شملت مساجد تاريخية.
2017:
استكمال داعش تدمير آثار تدمر بسوريا، التي تعد أهم أبرز الموقع الأثرية في الشرق الأوسط والعالم، وقامت في نفس العام، بهدم جامع النوري ومئذنته الحدباء.
2020:
تحويل نظام أردوغان "آيا صوفيا" من معلم عالمي إلى معركة سياسية حادة تنهش تاريخ التعايش العالمي المشترك.