أصوات من السماء.. الشيخ الطبلاوي "أيوب المقرئين"
الشيخ محمد محمود الطبلاوي عرف بأنه صاحب أطول نفس في الترتيل وحمل لقب "أيوب المقرئين" ومنحه الملك فهد قطعة من كسوة الكعبة
هو أحد أشهر مقرئي الإذاعة والتلفزيون المصري منذ 1970، ذاع صيته بأنه صاحب أطول نفس في القراءة والترتيل.
ولد القارئ الشيخ محمد محمود الطبلاوي قارئ مسجد الجامع الأزهر الشريف عام 1934، في قرية ميت عقبة مركز إمبابة محافظة الجيزة وقت أن كانت ميت عقبة قرية صغيرة، ذهب به والده الحاج محمود رحمه الله إلى كتاب القرية ليكون من حفظة كتاب الله عز وجل لأنه ابنه الوحيد، عرف الطفل الموهوب محمد محمود الطبلاوي طريقه إلى الكتاب وهو في سن الرابعة مستغرقا في حب القرآن وحفظه فأتمه حفظا وتجويدا وهو في العاشرة من عمره.
بعد أن أتم الشيخ الطبلاوي حفظ القرآن الكريم وترتيله بزغ نجمه مبكرا وعرف كالقمر بين أقرانه وزملائه في الكتاب، فاتجهت إليه أنظارهم البريئة بقلوب صافية نقية، وأنفس طاهرة فهم أحباب الله فشجعوه على تلاوة القرآن وقد قرر الطبلاوي ألا يستعجل الشهرة بل آثر أن يحافظ على موهبته التي وهبها الله إياها إلى أن وقف على أرض صلبة وتمكن من التلاوة وحسن التجويد عن طريق استماعه إلى أئمة القراء في الإذاعة المصرية، وقد كان يرضى بقليل يومه من حضوره المناسبات مثل الأربعين والذكرى السنوية وبعض المناسبات البسيطة، وكان يتقاضى ثلاثة جنيهات في الليلة، وعندما حصل على خمسة جنيهات في إحدى المناسبات تخيل أنه وصل لأوج النجاح والشهرة .
الشهرة المبكرة
قرأ الشيخ محمد محمود الطبلاوي القرآن وانفرد بسهرات كثيرة وهو في الثانية عشرة من عمره ودعي إلى إحياء مآتم لكبار الموظفين والشخصيات البارزة والعائلات المعروفة، بجوار مشاهير القراء الإذاعيين قبل أن يبلغ الخامسة عشرة من عمره، واحتل بينهم مكانة مرموقة، فاشتهر في الجيزة والقاهرة والقليوبية وأصبح القارئ المفضل لدى بعض العائلات الكبرى، نظرا لقوة أدائه، وقدراته العالية، وروحه الشابة التي تؤهله لأن يقرأ متواصلا لأكثر من ساعتين دون كلل أو أن يظهر عليه إرهاق. أصبح صاحب مدرسة جديدة في الأداء المتميز جدا والصوت الرخيم العريض والقدرة على الوصول إلى آخر أي آية إن احتاج الوقف إلى الوصول إلى كلمات معينة.
ويعد الشيخ محمد محمود الطبلاوي أكثر القراء تقدما للالتحاق بالإذاعة كقارئ بها، وقد يحسد على صبره الجميل الذي أثبت قيمة ومبدأ وثقة في نفس هذا القارئ المتين بكل معاني هذه الكلمة.. فقد تقدم تسع مرات للإذاعة، ولم يأذن الله له.. وفي المرة العاشرة اعتمد قارئا بالإذاعة بإجماع لجنة اختبار القراء وأشاد المختصون بالموسيقى والنغم، والانتقال من مقام موسيقي إلى آخر بإمكاناته العالية، وحصل على تقدير الامتياز وكانت اللجنة منصفة في ذلك، والذي لم يعرف عدد المرات التي تقدم فيها الشيخ الطبلاوي للإذاعة كان عليه أن يقف مع نفسه وقفة تجبره على السؤال عن سر هذا القارئ الذي ترجم كل شيء وفك رموزا وشفرات في برهة قصيرة، إنه القارئ الوحيد الذي اشتهر في أول ربع ساعة ينطلق فيها صوته عبر الإذاعة، من ينكر هذه الشهرة التي عمت أرجاء مصر والأمة العربية والإسلامية بعد انطلاق صوت صاحبها بعشر دقائق فقط.. فقد صار مضرب الأمثال بين الناس حتى أن الناس من المستظرفين أطلقوا على كل ما هو شامخ وضخم "الطبلاوي".
السفر والتكريم و"أم كلثوم"
سافر الشيخ الطبلاوي إلى أكثر من 80 دولة عربية وإسلامية وأجنبية بدعوات خاصة تارة، ومبعوثا من قبل وزارة الأوقاف والأزهر الشريف تارة، وتارات أخرى ممثلا لمصر في العديد من المؤتمرات، وقد حصل على وسام من لبنان، في الاحتفال بليلة القدر تقديرا لجهوده في خدمة القرآن الكريم.
وكانت للطبلاوي، زيارات عديدة للمملكة العربية السعودية حل خلالها ضيفا على مجلس عدد من الملوك والأمراء السعوديين والخليجيين، وأطلقوا عليه لقب «أيوب المقرئين» فاحتل مقدمة القراء على مدى سنوات طويلة، قبل أن يعتزل القراءة إثر بلوغه 84 عاما، وقال في حوار له مع صحيفة "عكاظ" السعودية: "الملك فهد أهداني قطعة من كسوة الكعبة" وكشف أنه بدأ صوم رمضان قبل 75 عاما، حين بلغ التاسعة من عمره، وهو نفس العام الذي أتم فيه حفظ القرآن.
ويروي الطبلاوي كيفية استقباله لشهر رمضان قائلا: "بمجرد ظهور الرؤية يخرج الأطفال من البيوت، مرددين «بكرة صيام بكرة صيام» أثناء مرورهم بالشوارع المجاورة لإبلاغ الناس بدخول الشهر المبارك، فكانت الناس تقابل ذلك بالأهازيج والفرح، ورغم أن الفقر كان يغلب على أكثر الأسر، كان هناك تآلف ومودة، والقلوب عامرة وصافية، عكس هذه الأيام، إذ وصل الأمر إلى قطع الأرحام، رغم توافر النعم والعيشة الكريمة". ويشير الطبلاوي في حديثه عن حياته الأسرية: "تزوجت في عمر الـ16 ، وأنجبت 7 ذكور و5 إناث من 3 زيجات جميعهن على قيد الحياة".
كان الشيخ الطبلاوي يقضي يومه في رمضان في التنقل بين الإذاعة والتلفزيون والمناسبات المختلفة، ويقول "أما الآن بحكم تقدم السن، فقد قلت الحركة، وأصبح القرآن ملازمي وملاذي الأول، وقد اعتدت في رمضان أن أختم القرآن كل أسبوع، وبالطبع أصلي الصلوات الخمس في المسجد، ولا يفوتني في أوقات الراحة أن أستمع إلى أم كلثوم، خصوصا أغنية «ولد الهدى» وغيرها، كما أستمع للمطربة سعاد محمد، ولا تستهويني الموضة الجديدة من الأغاني.
رحلته مع القرآن
يقول الطبلاوي "بدأت قارئا صغيرًا غير معروف في المآتم، وسط "العتاولة"، في ذلك الوقت أمثال الشيوخ محمد رفعت وعلي محمود ومحمد سلامة ومصطفى إسماعيل، وغيرهم من القراء الأوائل، وكان عمري 12 ً عاما براتب 3 جنيهات في الليلة، وعندما وصل عمري 15 عاما حصلت على 5 جنيهات، وكنت في غاية السعادة بهذا المبلغ، وانفردت بإحياء ليال قرآنية ثم أصبحت القارئ المفضل للعديد من العائلات الكبيرة.
ويروي الطبلاوي: تجولت في أكثر من 80 دولة عربية وإسلامية وأجنبية بدعوات خاصة، أو بتكليف من وزارة الأوقاف والأزهر في رمضان، وهناك العشرات، خاصة في الهند، ممن أعلنوا إسلامهم عقب سماعهم تلاوتي للقرآن.
وأكد: "بلد الحرمين الشريفين من أكثر الدول التي تأثرت بها، ولي معها ذكريات كثيرة، والتقيت بعدد من ملوكها وأمرائها، خاصة الملك خالد والملك فهد، رحمهما الله، وقد أهداني الملك فهد قطعة كبيرة من كسوة الكعبة، مازلت أحتفظ بها، وقد قرأت القرآن في جوف الكعبة، وأديت الحج والعمرة عشرات المرات بدعوات رسمية وغير رسمية، ما يجعلني دائم الحنين لزيارة السعودية قبلة المسلمين على الأرض.
وكشف الطبلاوي أن الأكلات المفضلة له في رمضان هي "البامية والملوخية". وعن اعتزاله القراءة، قال:" أنا مواليد 1934 أي أنني أبلغ حاليا 84 عاما، والقراءة تحتاج إلى حنجرة قوية، وقد آن الأوان لترك الساحة للأجيال القادمة، لتأخذ فرصتها في الظهور والانطلاق، وأنصح الشباب بالمثابرة والتصميم على النجاح، فقد رسبت في اختبارات الإذاعة 9 مرات ونجحت في العاشرة عام 1970."