الإمارات في أزمة باكستان والهند أثبتت مدى حضورها القوي والفاعل في العديد من الملفات الإقليمية والدولية.
إن التغريدة التي يمكن أن تصنف أنها أسهمت ولو بشكل نسبي في إدارة أزمة دولية بنجاح وخففت من حدة الاحتقان فيها هي: دعوة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، الأسبوع الماضي، لكل من باكستان والهند للجوء إلى لغة الحوار والتفاهم بدلاً من التصعيد العسكري ونزع فتيل الأزمة بين الجارتين النوويتين، والتي تفاعل معها العديد من أبناء الجاليتين.
كانت التغريدة فريدة في طريقة التواصل مما أعطاها قوة في التأثير؛ حيث كتبت بلغتي الدولتين، لغتي أصحاب الأزمة التي أقلقلت الرأي العام العالمي في تطورها السريع، وقد جاءت التغريدة بعد اتصال من سمو الشيخ محمد بن زايد مع القيادات السياسية في البلدين. كما تميز مضمونها في تعزيز قيم التسامح والتفاهم بشكل يتعدى السياسيين في البلدين الذين كانوا يتعرضون لضغوط داخلية من أجل الرد.
لقد أثبتت الإمارات في هذه الأزمة مدى حضورها القوي والفاعل في العديد من الملفات الإقليمية والدولية وأثبتت أيضاً أنه فيما يتعلق بإدارة ومعالجة الأزمات، فهي تبحث عن الحلول من "خارج الصندوق" لأن الحلول التقليدية أثبتت فشلها على المدى الطويل.
وفي ظني أن سمو الشيخ محمد بن زايد هو أول سياسي في العالم استخدم منصة تويتر ليس من أجل إدارة أزمة دولية وإنما نجح أيضاً في تهدئة تصاعدها أيضاً وتحقيق مكاسب سياسية للقيادتين داخلياً وخارجياً، فإذا كان قد تم إعادة الطيار الهندي إلى بلاده بعد يوم من اعتقاله، فإن تصريح الشيخ محمد وإشادته بالمبادرة الباكستانية قد حقق نوعاً من التسامح، كما تراجعت حدة لغة الخطاب الإعلامي ما أسهم في تقليل حجم الغضب لدى الرأي العام بين البلدين وتهدئة النفوس المشحونة لأكثر من نصف قرن كل ضد الآخر.
المعنى أن التغريدة لامست مشاعر أفراد المجتمع في البلدين وخارجها الذين يحملون الغضب والاحتقان باعتبارها آثار ثلاث حروب حول من هو الأحق في إقليم كشمير، فوجب وصفها بـ"التغريدة الدبلوماسية". وهذا يحسب لدولة الإمارات إعلامياً أنها استطاعت -ولو بجزء بسيط- في تغيير الصورة النمطية حول استخدامات "تويتر" في منطقتنا العربية، باعتبارها وسيلة لإشعال الخلافات والاختلاف بين الدول.
وبدون شك أن استخدام الشيخ محمد بن زايد حسابه الشخصي "تويتر" لم يكن صدفة أو أمراً طارئاً ولكنه قصد بذلك فكان موفقاً فهي اليوم إحدى المنصات السياسية في العالم، وأشعر شعب البلدين بالتالي بأنه قريب منهم وأنه يعيش أزمتهم ولكن الكل خسران في حادثة التصعيد. كما أن سموه وفق في استخدام اللغتين، مع أن الجميع يدرك أن الأوردو يمكن أن تؤدي الغرض ولكن بما أننا نتكلم عن "الدبلوماسية" فلا بد أن تكون دقيقاً في تحقيق التوازن بين البلدين، خاصة أن بينهما حساسية مفرطة الخطأ فيه قد يزيدها اشتعالاً.
استعراضنا لدور هذه الوسيلة في إدارة أزمة سياسية يسلط الضوء على نقطتين اثنتين، النقطة الأولى: إن الأساليب الدبلوماسية التقليدية بدأت تتراجع وتحل مكانها الأساليب الحديثة منها منصات التواصل الاجتماعي، ما يعني الحاجة إلى محاولة دراسة أدوارها الجديدة والاستفادة منها لأنها بدأت تعطي فرصاً جديدة في مسألة تأثير القيادات وتقريبهم من الشعوب. النقطة الثانية: إن استعراضنا للتغريدة لإبراز مبادرة إماراتية وإصرار قيادتها السياسية على إبهار العالم في كيفية توظيف الأساليب الجديدة باعتبارها من معطيات الوقت، وينبغي عدم تجاهلها خاصة في مجال إسعاد وخدمة الإنسانية العالمية فهي إحدى أدوات القوة الناعمة.
لقد أثبتت الإمارات في هذه الأزمة مدى حضورها القوي والفاعل في العديد من الملفات الإقليمية والدولية، وأثبتت أيضاً أنه فيما يتعلق بإدارة ومعالجة الأزمات، فهي تبحث عن الحلول من "خارج الصندوق" لأن الحلول التقليدية أثبتت فشلها على المدى الطويل، وربما هنا يتداعى إلى أذهاننا الاتفاقية التي وقعتها مع كوريا الجنوبية من أجل إنشاء خزانات بترول في الفجيرة باعتبارها أحد الحلول السلمية للابتزاز الإيراني والتهديد بإغلاق مضيق هرمز.
نخلص بأن مبادرة سموه الشيخ محمد بن زايد في التهدئة بين البلدين بشكل عام، بما فيها استخدامه للتغريدة تؤكد للمشككين أن أداء الدبلوماسية الإماراتية بشكل عام باتت فاعلة ومؤثرة في السياسة الدولية، لأن أهدافها واضحة وتتلخص في تعزيز الاستقرار والأمن الدوليين المؤديين إلى التنمية بمفهومها الشامل.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة