انتخابات بلغاريا ومولدوفيا.. عباءة "الحقبة الشيوعية" ورشوة بـ"العدس"
في يوم واحد يتوجه الناخبون في مولدوفيا وبلغاريا، إلى صناديق الاقتراع في انتخابات تشريعية، سعيا إلى استقرار سياسي بعد الحقبة الشيوعية.
ويسعى المولدوفيون في هذه الانتخابات إلى تحديد بوصلة توجه الدولة الأوروبية، رغبة من رئيسة البلاد الجديدة مايا ساندو المؤيدة لأوروبا، في تعزيز موقعها في مواجهة منافسيها الذين يدورون في فلك موسكو.
بينما يصوت البلغار للمرة الثانية في غضون ثلاثة أشهر يحدوهم الأمل بأن تؤدي هذه الانتخابات التشريعية في نهاية المطاف إلى تشكيل ائتلاف مستقر بعد حكم المحافظ بويكو بوريسوف الذي استمر عقدا من الزمن.
ومنذ خروج بلغاريا من الحقبة الشيوعية، وبوريسوف رئيس لهذا البلد، الواقع على ضفاف البحر الأسود، وطبع حكمه الطويل تاريخ بلغاريا ما بعد حقبة الشيوعية، بيد أنه متمسك بالسلطة، ويتهم مناهضيه بممارسة "الرعب والقمع" ضد الناخبين.
تضاؤل تأثير موسكو بمولدوفيا
في مولدوفيا تحتاج الرئيسة الجديدة بعد فوزها الساحق في الانتخابات الرئاسية في تشرين الثاني/نوفمبر 2020 خلفاً لإيغور دودون المقرب من موسكو، إلى السيطرة على البرلمان من أجل تطبيق السياسة التي تعهدت بها؛ والمتمثلة بالتصدي للفساد المستشري في هذه الدولة الصغيرة المحصورة بين أوكرانيا ورومانيا.
بيد أنّ مساعي الخبيرة الاقتصادية سابقاً في البنك الدولي والبالغة 48 عاماً، تعرقلها سيطرة حزب ايغور دودون على البرلمان، لكن الرئيس الجديدة، ترى أن أمام الملدوفيين، فرصة للتخلص من "اللصوص وانتخاب حكومة مناسبة"، وفق تعبيرها.
كلمة الرئيسية الحماسية أثارت طيفا واسعا من المولدافيين الذين أرهقتهم قضايا فساد، يتعلق أبرزها باختفاء مليار دولار، أي ما يعادل 15% من الناتج المحلي الإجمالي، من خزائن ثلاثة بنوك في العام 2015.
وعلى نغمة الرئيسة عزفت إحدى المولودفيات، بعد أن صوتت اليوم بمركز اقتراع وسط العاصمة كيشيناو، لصالح "حزب العمل والتضامن"، قائلة لوكالة "فرانس برس": "بعد سنوات عدة، يأمل هذا البلد أخيرا في طرد اللصوص الذين استقروا فيه بفضل المال الروسي وفي انتخاب الأشخاص الذين سيخدمون البلاد بنزاهة".
وأضاف ناخب آخر في الستينيات من العمر، فضل عدم الكشف عن هويته: "بفضل هذا الحزب سيكون لدينا مستقبل أوروبي".
في المقابل صوتت ليودميلا، وهي متقاعدة تبلغ من العمر 70 عاماً، لكتلة الاشتراكيين والشيوعيين التي يقودها دودون، وقال: "في ظل الشيوعيين، كان هناك نظام" و "كنا نعيش بشكل أفضل. الآن كل شيء مكلف والتقاعد ضئيل".
وتهز مولدافيا التي تعد أحد أفقر الدول في أوروبا أزمات سياسية منذ الاستقلال عن الاتحاد السوفياتي في 1991، ويتعين عليها إدارة نزاع مجمّد في منطقة ترانسنيستريا، الانفصالية الموالية لروسيا.
وتشير استطلاعات الرأي الأخيرة إلى أنّ "العمل والتضامن" بزعامة الرئيسة الجديدة يحظى بنسبة تراوح بين 35% و37% من نوايا التصويت في مقابل 21% إلى 25% لمؤيدي روسيا المنضوين في كتلة انتخابية تضم شيوعيين واشتراكيين بقيادة دودون والرئيس الأسبق فلاديمير فورونين.
وسبق لساندو أن اثارت غضب الكرملين بدعوتها إلى مغادرة القوات الروسية لمنطقة ترانسنيستريا الخارجة عن السيطرة المولدافية منذ حوالى 30 عاماً. ودعت إلى انتشار مراقبين من منظمة الأمن والتعاون في أوروبا مكانهم.
طموح للتغيير في بلغاريا
الطموح للتغيير تتشارك فيه الدولتان؛ فمنذ انتهاء الحقبة الشيوعية، وبوريسوف يحكم البلد الأوروبي؛ ويسعى البلغار اليوم الأحد للمرة الثانية في غضون ثلاثة أشهر أن تؤدي هذه الانتخابات التشريعية في نهاية المطاف إلى تشكيل ائتلاف مستقر بعد حكم الرجل الذي استمر عقدا من الزمن.
وحل رئيس الوزراء السابق بالمرتبة الأولى في الانتخابات السابقة بحصوله على 26% من الأصوات لكن الاحتجاجات الحاشدة العام الماضي أضعفته ولم يستطع إيجاد شريك ليتمكن من الحكم.
ومنذ ذلك بدأ موقف بوريسوف البالغ من العمر 62 عاما يضعف في مواجهة التدفق شبه اليومي لمعلومات تكشفها الحكومة الانتقالية، حول الفساد في أفقر دولة في الاتحاد الأوروبي، وتأثر بإعلان عقوبات أميركية على النخبة التي يتهمها منتقدوه بحمايتها.
وبوريسوف الذي طبع بحكمه الطويل تاريخ بلغاريا ما بعد حقبة الشيوعية، ندد مجددا مساء الجمعة خلال تجمع انتخابي بـ"الرعب والقمع" اللذين تمارسهما الإدارة الجديدة على حد قوله.
وتظهر استطلاعات الرأي الأخيرة أن الحزب المناهض للنظام بقيادة مقدم البرامج التلفزيونية والمغني سلافي تريفونوف (52 عاما) وصل إلى مستوى حزب "غيرب" بقيادة بوريسوف أو حتى تجاوزه، وقد حصل كلاهما على 20 إلى 21 % من نوايا التصويت.
انتخابات غير حاسمة
وحتى في حال حل "غيرب" في المرتبة الأولى، فإنه "لن يحكم"، على ما يؤكد خبير الشؤون السياسية ستراهيل ديليسكي، ذلك أن بقية الطبقة السياسية ابتعدت عنه.
وقال أنتوني تودوروف الأستاذ في الجامعة البلغارية الجديدة إن "الرهان هو معرفة إذا كانت الانتخابات ستؤدي إلى حكومة" تُواصل "المهمة التي بدأها الفريق الانتقالي" لتغيير الممارسات "بشكل دائم".
ويرفض حزب تريفونوف المسمّى "هناك مثل هذا الشعب"، أي تعاون مع الأحزاب التقليدية ذات السمعة السيئة وبينها الاشتراكيون وحزب الأقلية التركي "إم دي إل".
في المقابل، قال حزب تريفينوف إنه مستعد للتفاوض مع ممثلي أولئك الذين نزلوا إلى الشارع صيف العام 2020 بدافع التغيير: بلغاريا الديموقراطية (يمين) الذي قد يحصل على 12% من الأصوات، و"انتفضوا! اخرجوا المافيا" (يسار نحو 5%).
غير أن هذه الأحزاب الثلاثة مجتمعةً لن تحصل إلا على 100 إلى 110 مقاعد في البرلمان الذي يضم 240، وفقا لما اظهره تعداد أحد المعاهد.
وحذّر توشكو يوردانوف نائب رئيس حزب "هناك مثل هذا الشعب"، "من أجل التوصّل إلى حكومة مستقرة (...) لا يمكننا استبعاد احتمال إجراء انتخابات ثالثة أو رابعة"، قائلا إنه يريد تجنب "حكومة قد يطيح بها البرلمان في أي وقت".
رشوة بالعدس
وأوضح "أن الدولة لن تنهار، إنها العملية الديمقراطية"، وذلك في اعقاب حملة كتومة للغاية لزعيم الحزب الذي لن يسعى مبدئيا لتولي منصب رئيس الوزراء.
ويخالفه تودوروف الرأي محذرا "سوف يكل الناخبون من التصويت، وسيضمحل دعمهم للديمقراطية"، مشيراً إلى خطر بروز قوى متطرفة.
مؤسس بلغاريا الديموقراطية خريستو إيفانوف أشار في هذا الخضم إلى خطورة "دوامة الانتخابات".
وفي إطار هذا الاقتراع الجديد، وضعت في معظم مراكز الاقتراع أجهزة اقتراع للحد من التزوير.
وحملت الحكومة الموقتة على ممارسة قديمة تتمثل بلجوء الأحزاب السياسية إلى شراء الأصوات تشمل 5 إلى 19% من الناخبين، بحسب منظمة صندوق مكافحة الفساد غير الحكومية.
وأعلن وزير الداخلية بوكو راشكوف الجمعة توقيف أكثر من 900 شخص في الأسابيع الأخيرة لمحاولتهم رشوة الناخبين، خصوصا في المناطق المحرومة.
وقد عُرض عليهم في مقابل أصواتهم الحصول على "حطب وطحين وعدس، ومبالغ من المال تراوحت بين 20 و50 ليفا (10 إلى 25 يورو)".
aXA6IDMuMTMzLjEzNy4xMCA= جزيرة ام اند امز