المخرج المغربي عبدالإله الجوهري لـ"العين الإخبارية": سأفضح تجار الدين
المخرج المغربي عبدالإله الجوهري يتحدث لـ"العين الإخبارية" عن تجربته الأخيرة في فيلم "ولولة الروح" وسر مشاركاته الكثيرة في المهرجانات..
يعيش المخرج المغربي عبدالإله الجوهري حالة من النشاط الفني، حيث يتابع حاليا عرض فيلمه "ولولة الروح" في العديد من المهرجانات العربية والدولية، فيما ينتظر عرض فيلمه الجديد "هلا مدريد.. فيسكا بارصا"، كما انتهى من تصوير فيلم وثائقي بعنوان "مغاربة بوليوود" ويحضر في الوقت نفسه لأكثر من عمل سينمائي جديد.
في حواره مع "العين الإخبارية" يتحدث عبدالإله الجوهري عن تجربته الأخيرة في "ولولة الروح" وسر مشاركاته الكثيرة في المهرجانات، ويكشف أسباب عدم انتشار الأفلام المغربية عربيا.. فإلى نص الحوار..
- ما سر مشاركة فيلمك الأخير "ولولة الروح" في عدد كبير من المهرجانات حول العالم؟
مشاركات فيلم "ولولة الروح" في مهرجانات عربية ودولية تعود بالأساس لقوة الفيلم فنيا وتقنيا، وللثقة التي أصبحت تتوفر في أفلامي السينمائية، فقد قدمت من قبل أفلاما تحترم قيم الفن، وذلك بإجماع النقاد والصحفيين والكثير من المتتبعين، وتأكد ذلك من خلال حصولها على جوائز عديدة في مهرجانات مختلفة، كما أن الاشتغال الجاد يمنح لكل ممارسة فنية المصداقية والنجاح.
فيلمي "ولولة الروح" في اعتقادي يعد ممارسة إبداعية توفرت فيها كل مكونات العمل الناجح، سواء من حيث الكتابة التي اشتغلت على التراث المغربي برؤية فكرية واعية، ومن حيث التفوق في اختيار الممثلين وإدارتهم، إضافة إلى التفكير الجيد قبل الإنجاز وكان هدفي أن يكون فيلما راسخا في الذاكرة السينمائية العربية والعالمية، والفيلم شارك ولا يزال يشارك في المهرجانات السينمائية عبر العالم.
- هل تصنع أفلامك وعينك على المشاركة في المهرجانات أم أنك تصنعها للجمهور فقط؟
عندما أقرر صنع فيلم ما، لا أفكر حينها في الجمهور أو النقاد أو المهرجانات، بمعنى أنني أشتغل من خلال الرؤية التي تترجم ذائقتي الفنية، وتسعى لتقديم فيلم يرضيني أنا أولا وثانيا وثالثا، هذا قبل أن أعطيه حرية الخروج للوجود، وتحقيق ما يمكن تحقيقه من نجاح جماهيري أو نقدي، أو المشاركة في المهرجانات والحصول على جوائز.
- هل الفيلم مستوحى من قصص حقيقية أم أنه مجرد خيال؟
"ولولة الروح" كتبه السوسيولوجي والروائي المغربي عثمان آشقرا، وهو فيلم مستمد من البيئة التي عاش فيها، أي مدينة خريبكة، المشهورة عالميا بكونها تحتضن أكبر مناجم للفوسفات في العالم، وبالتالي هي حاضرة العمال والنضال النقابي منذ مطلع القرن الـ20، وقبل ذلك هي حاضرة الفن الموسيقي الشعبي المعروف بفن "العيطة"، وهو فن مغربي أصيل مستمد من تاريخ بعض القبائل العربية التي استوطنت المغرب في القرنين الـ6 والـ17، فن يتغنى ببطولات وأحلام وآمال وآلام الطبقات الشعبية الفقيرة.
كاتب السيناريو استفاد من وقائع شهدتها مدينته خريبكة خلال سنوات السبعينيات من القرن الماضي، وهي سنوات تعرف في الأدبيات السياسية المغربية بسنوات الرصاص لسيادة القمع وانعدام الحريات، وهي قصة حقيقية تتعلق بمسار المناضل المغربي الراحل عبدالفتاح فاكهاني.
أما الحكايات الأخرى فهي حكايات روائية لا علاقة لها بالواقع إلا من حيث علاقاتها بالمكان والزمان، وبالتالي فالواقعي في الفيلم يخترق المتخيل ليشكلا معا وحدة سردية فيلمية تترجم مرحلة تاريخية حاسمة من تاريخ المغرب المعاصر.
- وما الذي تقصده بـ"ولولة الروح"؟
"ولولة الروح" هي الصرخة التي تخرج من أعماق الإنسان المقهور، الإنسان الذي يجابه واقعا سورياليا غارقا في المتناقضات، وبالتالي يعبر بوسائله الخاصة عن عمق معاناته، فالشيخ الروحاني يرفض ممارسة العزف والغناء، وهو الشيخ البارع في فن العزف على آلة الكمان، وبالتالي يظل صامتا حتى نهاية الفيلم فيولول من أعماق قلبه.
- هل تعوض كثرة المهرجانات السينمائية في المغرب الجمهور عن قلة عدد دور العرض السينمائي؟
المهرجانات تسمح لساكني الكثير من المناطق المغربية التي لا تتوفر بها قاعات سينمائية تجارية أن تحتفي بالأفلام وتحقق التواصل مع صناع الصورة عامة، ومنهم الممثلون النجوم الذين يلهبون خيالاتهم، والمغرب بفضل سياسة دعم الدولة للثقافة السينمائية أصبحت وطنا يعج بالمهرجانات السينمائية إلى حد التخمة، ففي كل مدينة أو جهة من جهات المملكة هناك أكثر من مهرجان.
- قدمت في مسيرتك كمخرج أفلاما روائية وأخرى وثائقية، فإلى أي منهما تنحاز؟
الممارسة السينمائية بالنسبة لي لا حدود لها ولا تمايزات تميزها، اللهم التميز الإبداعي والثقافي، وبالتالي تجربتي الخاصة، لا تفرق البتة بين الفيلم الروائي والفيلم الوثائقي، فكل ممارسة تخضع لقناعات فكرية وفنية، وتكون استجابة حقيقية لمرحلة التفكير والإنتاج بكل خلفياتها.
شخصيا لا أنتصر للروائي على الوثائقي، والعكس صحيح، بقدر ما أنتصر لإحساسي الذي أتركه يقودني نحو العوالم الإبداعية المتفردة، ومن هنا يأتي التعدد والتداخل والتوحد في كل أعمالي، صحيح أن هناك من يرى أنني مخرج وثائقي بامتياز، بالنظر للنجاح الذي حققته أفلامي الوثائقية، خاصة فيلم "رجاء بنت الملاح"، وينصحني بالبقاء في دائرة إنجاز الأفلام الوثائقية، لكن ذلك أمر يتجاوزني، فالإحساس الذي يجتاحني بين الحين والآخر، لا أستطيع التنبؤ به أو بخلفياته، ولا الاتجاه الذي يمكن أن يقودني إليه، ولا بما يمكنه أن يحقق أو يتحقق فيه، قد يكون المولود وثائقيا كما قد يكون روائيا، قصيرا كان أم طويلا.
- ولماذا لا تحظى الأفلام الوثائقية في عالمنا العربي بالاهتمام؟
الممارسة السينمائية في العالم العربي كانت ولا تزال مجرد فضاءات للفرجة وليست لاكتساب ثقافة النظر للمستقبل وتوطين وتجذير قيم الحداثة، كما هو الأمر في الغرب، وبالتالي جماهيرنا ومعها قطاع واسع من مثقفينا لا يزالون ينظرون للفن نظرة تجزيئية، بل الأدهى أن الكثيرين يعدون الفيلم الروائي الطويل الذي يعرض في القاعات التجارية هو السينما.
أما الأفلام الروائية القصيرة والأفلام الوثائقية فلا يزال ينظر لها نظرات قاصرة مرتبطة بمرحلة معينة من بدايات كل مخرج، أي أنها في العرف العربي مجرد مرحلة مرتبط بالهواية، أو ببدايات كل مخرج، وهذا يرجع بالأساس للتربية القاصرة في العالم العربي، التربية التي همشت الفن السابع بصفة عامة والأفلام الوثائقية بصفة خاصة، رغم أن الفيلم الوثائقي أكثر قربا من الواقع وأعمق في تصوير مشاكل الناس وتقديم همومهم الاقتصادية والاجتماعية، وأبلغ ترجمة لتطلعاتهم وطموحاتهم المستقبلية.
- هل من الممكن أن تقدم مشروعات سينمائية خارج المغرب؟
طبعا، يشرفني أن أعمل على مشروعات سينمائية خارج أرض الوطن، لأن الفن لا حدود جغرافية له شريطة أن تتوفر الظروف الملائمة لذلك، وقبل ذلك أن تكون ملائمة لرؤيتي الفنية والفكرية، فحلم كل مخرج أن يساهم من موقعه الخاص في تطوير ممارسته والاحتكاك بتجارب عالمية مختلفة، والاشتغال مع تقنيين وفنيين عالميين يساهمون في تجذير رؤيته وخبرته، والدفع بتجربته نحو عوالم الخلق والإبداع الأكثر اتساعا، وهنا لا أخفي أن حلمي الكبير هو الاشتغال في بعض البلدان العالمية، التي لها تاريخ طويل في الفن السينمائي مثل الهند أو الصين أو اليابان، وطبعا مصر باعتبارها البلد العربي الأكثر عراقة في الممارسة السينمائية والأكثر تحقيقا للإنتاجات الفيلمية.
- ما الذي يعوق انتشار الأفلام المغربية عربيا رغم نجاحها على مستوى المهرجانات؟
الأمر يتعلق بمشكلة التوزيع، وهي مشكلة يجد لها البعض العذر من خلال القول إن اللهجة المغربية صعبة والجمهور العربي غير معتاد عليها وبالتالي لا يفهمها، فأنا ضد من يتعلل بصعوبة اللهجة، أو غرائبية المواضيع، أو ما شابه ذلك من العلل، لأن اللهجة يمكن التعود عليها وفهمها، مع مرور الشهور والسنوات، بتعدد المشاهدات والاحتكاك والتواصل الدائمين، كما أنني أنكر من يختبئ وراء حجة غرائبية المواضيع، لأن المواضيع التي تتناولها الأفلام المغربية هي نفسها المواضيع الإنسانية التي تشترك فيها كل المجتمعات الإنسانية وليست فقط العربية.
- ماذا عن مشروعاتك الفنية المقبلة؟
قريبا سيعرض لي فيلم روائي طويل بعنوان "هلا مدريد.. فيسكا بارصا" في القاعات السينمائية المغربية، وهو فيلم أنجزته خلال السنة الماضية وأنهيت مؤخرا كل عملياته التقنية، وهو يتناول استغلال الدين بشكل فج في الرياضة والسياسة، وبالتالي يفضح الجماعات المتاجرة بإيمان الناس، وأتمنى أن يجد طريقه الصحيح في تحقيق ما حققه فيلم "ولولة الروح" جماهيريا ونقديا.
كما أتممت مؤخرا تصوير فيلم وثائقي طويل بين المغرب والهند بعنوان "مغاربة بوليوود"، حيث أقدم فيه نماذج سينيفيلية من عشاق السينما الهندية بالمغرب، بعضهم هاجر للعيش في الهند والبعض الآخر يساهم في صناعة أفلام بوليوود، كالممثلة المغربية إيمان قرواش، والراقصة الشهيرة نورة فتحي التي أصبحت اليوم نجمة جماهيرية بالهند تقف إلى جانب أشهر نجوم السينما بالهند.
وفي الوقت نفسه أعمل حاليا سيناريو فيلم روائي طويل حول موسيقى جناوة Gnawa، وهي موسيقى روحانية مغربية ذات جذور أفريقية (تشبه موسيقى الجاز وتتقاطع معها)، وتختزل معاناة السود الذين جيء بهم كعبيد في العصور الماضية من دول أفريقية مختلفة، قبل أن ينصهروا في المجتمع المغربي ويشكلوا لحمة واحدة مجتمعيا وتراثيا.