المغرب يحتفل بعيد العرش.. مسيرة ملك وشعب نحو التنمية الشاملة

في 30 يوليو/تموز كل عام، يحتفل المغاربة بعيد العرش؛ مناسبة وطنية تجسد الولاء والارتباط العميق بين العرش والشعب، وتعكس مساراً طويلاً من الإصلاحات التي قادها الملك محمد السادس منذ توليه الحكم عام 1999.
خلال ربع قرن، تحولت المملكة إلى نموذج إقليمي في التنمية والاستقرار، وبرزت كقوة دبلوماسية فاعلة في محيطها الإقليمي والدولي.
وركّزت الرؤية الملكية على ثلاثة محاور رئيسية: تثبيت دعائم الدولة الاجتماعية، توطيد مكانة المغرب قارياً ودولياً، وتعزيز الأمن الوطني والرقمي.
ومع الخطاب السنوي للملك، يتجدد التأكيد على قيم الحداثة، التضامن، وسيادة القرار الوطني، وسط إنجازات ملموسة في ميادين الاقتصاد والتعليم والصحة والبنى التحتية.
عيد العرش ليس مجرد احتفال، بل هو محطة تقييم لمكاسب الدولة وتطلعاتها المستقبلية في ظل تحديات عالمية متسارعة.
البحث العلمي: قاطرة التغيير وشغف المستقبل
شهد البحث العلمي في المغرب طفرة نوعية في عهد الملك محمد السادس، انعكست على مختلف الميادين العلمية والتقنية.
ارتفع عدد المنشورات العلمية المغربية على قاعدة "سكوبوس" من نحو 600 منشور عام 2000 إلى أكثر من 10 آلاف منشور سنويًا بحلول 2023، مع تطور ملحوظ في جودة البحوث وشراكاتها الدولية.
واحتل المغرب المرتبة الثانية أفريقياً في إنتاج البحوث العلمية، بعد مصر، بحسب مؤشر "نيتشر إندكس". وتم إنشاء 3 جامعات متعددة التخصصات جديدة في السنوات الأخيرة، ضمن مشروع لتقريب التعليم العالي من الأقاليم، مع دعم الكليات العلمية ومراكز الدكتوراه والمختبرات المبتكرة.
كما أطلق المغرب برامج تمويل تنافسية، مثل "برنامج دعم البحث العلمي التطبيقي"، لتشجيع الباحثين على ابتكار حلول لمشكلات المجتمع، في مجالات مثل الذكاء الاصطناعي، التغير المناخي، والأمن الغذائي.
ولا يقلّ الحضور المغربي الدولي أهمية، إذ أن أكثر من 60% من منشورات الباحثين المغاربة هي بالشراكة مع جامعات مرموقة في أوروبا وأمريكا، ما يعكس اندماج المغرب في مجتمع المعرفة العالمي.
كما يُسجل تقدّم في تصنيفات الجامعات، إذ أصبحت مؤسسات مثل جامعة محمد السادس متعددة التخصصات وجامعة محمد الخامس ضمن أفضل 800 جامعة عالمياً.
وتبرز أهمية هذه الإنجازات حين نعلم أن ميزانية البحث العلمي زادت بنسبة 70% خلال السنوات العشر الأخيرة، مدفوعة بإرادة سياسية عليا لترسيخ المغرب كمركز إقليمي للمعرفة والابتكار.
ورغم التحديات، لا يزال هناك طموح لتوسيع تمويل الأبحاث وزيادة ربطها بالقطاع الخاص. فالبحث العلمي في المغرب لم يعد ترفاً أكاديمياً، بل أصبح ضرورة استراتيجية لصناعة المستقبل وضمان السيادة المعرفية.
الثقافة: تجذر في الهوية وتنوع في التعبير
وتُعد الثقافة المغربية مرآة لهوية ضاربة في أعماق التاريخ، تتلاقى فيها التأثيرات الأمازيغية والعربية والأندلسية والإفريقية.
وشهد القطاع الثقافي في عهد الملك محمد السادس نهضة ملموسة شملت البنية التحتية، السياسة الثقافية، والحفاظ على التراث.
وتم إنشاء أكثر من 100 مكتبة ومركز ثقافي جديد في مختلف مناطق المملكة، إلى جانب ترميم مواقع أثرية مثل شالة وفاس العتيقة ومراكش التاريخية، بالشراكة مع منظمات دولية.
وأُدرجت عناصر من التراث المغربي غير المادي ضمن قوائم اليونسكو، مثل فن الملحون، وتقاليد الطبخ المغربي، مما عزز الاعتراف الدولي بالهوية المغربية.
كما تم إطلاق مشاريع لدعم النشر والكتاب، مثل جائزة المغرب للكتاب، وتوسيع مهرجان "المعرض الدولي للكتاب" ليصبح منصة للتبادل الفكري العربي والدولي. وتعكس البرامج الثقافية الملكية وعياً بأهمية الثقافة كرافعة للتنمية الشاملة، ودورها في تعزيز التماسك الاجتماعي ومقاومة التطرف.
أما الإعلام الثقافي، فشهد بدوره تطورًا من خلال قنوات تلفزية وإذاعية مخصصة للثقافة، إلى جانب دعم الإنتاج الوثائقي الذي يوثق الذاكرة المغربية الغنية.
وهكذا أصبحت الثقافة في المغرب ليست فقط مجالاً للاحتفاء بالماضي، بل أداة لبناء المستقبل وهندسة الوعي الوطني.
![العاهل المغربي الملك محمد السادس]()
الفنون: ساحة للتجريب والإبداع المتجدد
عرفت الفنون المغربية في العهد الجديد ازدهاراً لافتاً، إذ تطورت التجارب الفنية بين الرسم والموسيقى والمسرح والسينما، لتشكل فسيفساء نابضة بالحياة تعبّر عن تحولات المجتمع.
وحظي الفنانون الشباب بدعم مؤسسي مهم، من خلال تأسيس معاهد الفنون الجميلة، وتخصيص منح للإبداع، وتنظيم معارض وطنية ودولية.
السينما المغربية، على وجه الخصوص، عرفت قفزة نوعية، حيث تضاعف عدد الأفلام المنتجة سنوياً، وتوج العديد منها بجوائز في مهرجانات مثل برلين والبندقية وقرطاج، مع بروز أسماء مثل نبيل عيوش وفوزي بنسعيدي. في المسرح، تواصل مهرجانات مثل "مهرجان المسرح الاحترافي" و"أيام الرباط المسرحية" احتضان الإبداع وتطوير النصوص المحلية.
كما تم تشجيع الفنون الرقمية والمعاصرة، وهو ما تُرجم في دعم معارض الفن البصري الجديدة مثل تلك التي يحتضنها متحف محمد السادس للفن الحديث والمعاصر.
وتكمن أهمية هذه النهضة الفنية في تعزيز حرية التعبير والانفتاح على قضايا المجتمع، لا سيما قضايا الشباب، الهوية، والعدالة. إنها ثورة فنية ناعمة تعكس روح الحداثة المغربية وتعدد روافدها.
السياحة: رهان استراتيجي ومفخرة وطنية
تحولت السياحة في المغرب من قطاع تقليدي إلى أحد أعمدة الاقتصاد الوطني، بفضل رؤية استراتيجية جعلت من المملكة وجهة عالمية تجمع بين التاريخ، الطبيعة، والضيافة الأصيلة.
تجاوز عدد السياح 14 مليون زائر سنة 2023، وهو رقم قياسي يعكس استعادة القطاع لعافيته بعد جائحة كورونا. وتم تصنيف مدن مثل مراكش وفاس وشيفشاون بين أفضل الوجهات السياحية في إفريقيا والعالم، بفضل جاذبيتها التراثية والبيئية.
وأطلقت الحكومة، بتوجيهات ملكية، برنامج "رؤية 2026" الذي يستهدف الوصول إلى 17.5 مليون سائح سنوياً، من خلال تنويع الأسواق وتطوير بنية الاستقبال.
وتشمل المبادرات الحديثة توسيع شبكة المطارات، تحسين الربط الرقمي والفندقي، وتطوير السياحة المستدامة والبيئية في المناطق الجبلية والواحات.
كما تم الاستثمار في السياحة الثقافية والطبية، ما ساعد في خلق فرص شغل وتحسين دخل آلاف الأسر. ولا تقتصر السياحة على البعد الاقتصادي، بل تسهم في تعزيز الصورة الإيجابية للمغرب دولياً، وإبراز تنوعه الحضاري وتسامحه الديني. فالمغرب، في نهاية المطاف، لا يقدّم مجرد وجهة سياحية، بل تجربة إنسانية عميقة تمتد من أسوار المدن القديمة إلى دفء العلاقات بين الناس.