المغرب يواجه كرواتيا على برونزية كأس العالم، "مانشيت" لم أكن أتوقع، ولم يخطر ببالي طوال مشواري المتواضع مع "صاحبة الجلالة" أن أكتبه.
رغم اعترافي بجنون الساحرة المستديرة التي كثيرا ما قدمت لنا مفاجآت خارج حدود العقل والمنطق وأبعد من سقف الطموحات الذي نرسمه لأنفسنا.
ربما يشاركني الأمر أيضا أساتذتي في المهنة وشيوخ الصحافة والنقد الرياضي والتحليل الفني، ونجوم الكرة العربية بشكل عام، لأن ما نعيشه الآن تعدى حدود المفاجآت التي يمكن أن نحلم بها.
مسيرة رائعة خاضها منتخب المغرب في كأس العالم 2022 بدأت وتنتهي بمواجهة كرواتيا، وبينهما 5 مباريات استطاع فيها إقصاء إسبانيا وقهر البرتغال وقبلهما كندا وبلجيكا.
لكن السؤال.. لماذا نجح المغرب؟ وكيف تغلب على كبار أوروبا "أصحاب الكرة" كما يلقبون أنفسهم؟
الحقيقة أن البحث عن إجابة مختصرة ومقنعة سيطول، لكن كل منتخب من فرق كأس العالم الـ32 كان لديه ناقصة، فهناك من اعتمد على قوائم محلية تفتقد الاحتكاك الدولي، وهناك من ضم لاعبين "لأنهم أسماء فقط"، وهناك من احتفظ بلاعبيه رغم أزماتهم قبيل وأثناء البطولة.
وهناك مدربون لم يكونوا مقنعين أبدا ولم يجرؤ مسؤولي بلدانهم استبدالهم، وهناك مدربون بلا خبرات أصلا، وهناك من افتقد جماهيره، أذكر هنا بالإحصائية التي تقول إن منتخب ألمانيا رافقة 100 مشجع فقط.
وهناك من اهتم بقضايا فرعية ولم ينشد النشيد الوطني أو قرر إخراس صوته، وهناك من دخل في جدالات وبيانات سياسية، وحتى فنيا هناك من استهان بالخصم ولم يعطه حقه، وهناك من لم يحافظ على خط دفاعه مثل هجومه، وهناك من لا يجهز جيدا.
دعونا نتفق أن كرة القدم باتت كتابا مفتوحا، وأنه لا اختراعات أو طرق جديدة، وأن كل لاعب في أي فريق في العالم يمكن في دقائق معدودة امتلاك ملف خاص يتضمن كل تفصيلة كروية في مسيرته، بداية من طريقه لعبه مرورا بكيفية تحركاته وكيف يتصرف في المواقف المختلفة ووصولا لدقة استخدامه لكلتا قدميه وكيف يسدد ركلات الجزاء.
ولأن كل شيء بات متاحا لهذه الدرجة، باتت المفاتيح كلها في يد المدير الفني وفريقه، وكلما كان المدرب طموحا ويمتلك الدراية الفنية اللازمة والسن المناسب للتعامل مع هذه التكنولوجيا، كلما قدم أداء مبهرا..
وهنا قد نجد إجابة السؤال، لماذا نجح المغرب؟ لأن القرارات كلها كانت سليمة، فالفريق اعتمد على عناصر محترفة بأكبر أندية العالم، عناصر زاملت ميسي ورونالدو ومبابي ولعبت ضد صلاح وهاري كين وفان دايك، نجوما لم يعد يهابهم الأسماء، واعتادور الركض من المرمى للمرمى عدة مرات في أقل من دقيقة.
المغرب لم يخش إقالة مدربه صاحب الأزمات مع النجوم وحيد خاليلوزيتش، ودفع بمدرب شاب أثبت كفاءته في عدة مرات بينها قهر حامل اللقب وبطل القرن والتتويج مع الوداد بدوري أبطال أفريقيا.
مدرب كشفت الصحافة أنه يخوض ندوات مع كبار مدربي العالم في الخفاء لدراسة وتعلم الجديد في كرة القدم، وهو الذي ولد بفرنسا ولعب لبعض انديتها، ودرب في أفريقيا وآسيا أيضا، ويمتلك الخبرات للتعامل مع الجميع لما لديه من عقلية أوروبية محترفة، وعربية وطنية محفزة.
الأمر لم يتعلق فقط بحسن الإدارة من الاتحاد المغربي، بل كانت الإرادة هي العنوان الأبرز الذي سأختاره لرحلة المغرب في كأس العالم 2022، أثبت أسود الأطلس أنهم يتمتعون بشخصية كبيرة، شخصية البطل التي تتغنى بها جماهير الأندية والمنتخبات الكبرى، لم يكن هناك سقفا للطموح المغربي، لم يخجل وليد الركراكي في الحديث عن الفوز بكأس العالم بعد نهاية مرحلة المجموعات، كانت قصة قصيرة ولكنها رائعة، نسجت بالخيال أولا ثم الطموح والإرادة التي قهرت المستحيل.
المغرب عالج القصور في قائمته وصالح نجومه بعد عدة أزمات، وأعاد الحقوق لأصحابها، ولم يستهن بأي خصم، ولم يسمح بأي تجاوزات في معسكره، وكان نموذجا مكتملا فنيا، ولم يستطع أي لاعب (قبل مباراة فرنسا) هز شباكه، وكان ناجعا هجوميا، ومتألقا في ركلات الترجيح، وحتى في مباراته الأخيرة التي خسر فيها بطاقة التأهل للنهائي، ظهر ندا قويا أكثر استحواذا وأكثر فرصا، لكن هفوات دفاعية منحت الديوك التأهل.
ثم نأتي للعنصر المهم في كرة القدم، الجماهير، الذي عمل الجميع من أجلهم، بداية من فوزي لقجع الجندي الأبرز في هذا الإنجاز، مرورا باتحاد الكرة والطيران المغربي والسفارة المغربية بالدوحة، والذين وفروا جميعا آلية لعمل جسر جوي في كل مباراة بسعر مناسب، ووفروا تذاكر يحلم كل مشجع في قطر حاليا بالحصول على واحدة منها.
اكتملت منظومة المغرب فنيا وإداريا وجماهيريا، ظهرت المعادلة واضحة، جيل جديد يلعب لأكبر أندية العالم، ومدرب وطني آمن بأن الإنجاز ممكن، وجماهير داعمة، وإدارة مستنيرة، فكانت النتيجة مفخرة للأمة العربية والقارة الأفريقية.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة