"الحريرة" و"القفطان".. خصوصية المغرب في رمضان
تتميز مناطق المغرب كافة، على اختلاف تراثها ورصيدها الثقافي الضارب في جذور حضارتها الأصيلة، ببعض الطقوس الجامعة في شهر رمضان، خاصة فيما يتعلق بتحضير بعض الأكلات واختيار الأزياء
في رمضان كل شيء مختلف ومميز في المغرب، سواء تعلق الأمر بالعبادات، أو التقاليد أو الوجبات اليومية على موائد الإفطار.
ولشهر الصيام في عقيدة المغاربة مكانة كبرى وقدسية لا يشغلها سواه من شهور السنة أوالمناسبات والأعياد الدينية. فانفتاح المغرب على أوروبا لم يمنعه من الحفاظ على عاداته وطقوسه وتشبته بموروثه الديني، وأصالته في الزي المغربي وخصوصيته في الأكل.
ويرى محمد شراك، باحث في علم الاجتماع، أن المطبخ المغربي يأخذ في رمضان، حيزاً كبيراً من الوقت والمصروف، حيث يتميز هذا الشهر بالإنفاق الزائد الذي لا يقتصر على طبقة بعينها، بل أن الشرائح الضعيفة والميسورة، على حد سواء، تبذل ما في وسعها لتجهيز موائد الإفطار والعشاء والسحور.
وتكون نتيجة هذا الإنفاق، حسب تصريح شراك لـ"العين"، التهافت المسبق على شراء المواد الغذائية من الأسواق، خاصة الشعبية منها. فالموسم موسم إنفاق وازدهار الاقتصاد، خاصة تجارة التوابل التي تعتمد عليها جل الأكلات المغربية الشهيرة التي تزين المائدة في شهر الصيام، بالإضافة إلى أنواع حلويات خاصة تنشط خاصة خلال هذا الشهر الفضيل.
وتتميز مناطق المغرب كافة، على اختلاف تراثها ورصيدها الثقافي الضارب في جذور حضارتها الأصيلة، ببعض الطقوس الجامعة في شهر رمضان، خاصة فيما يتعلق بتحضير بعض الأكلات الخاصة بهذا الشهر قبل حلوله بأيام والتي لابد من تواجدها على أي مائدة مغربية ومنها "السفوف" و"الشباكية" اللتان يعتبران وصفة أساسية في كل الموائد المغربية.
ويعتبر المغاربة شهر رمضان هو شهر" اللمة" مع العائلة بدرجة أولى، إذ يمثل فرصة سنوية للم شمل كافة أفراد الاسرة حول مائدة واحدة. وعند الإفطار تجتمع الأسرة حول المائدة المغربية الأصيلة والمتنوعة بأطباقها حيث يكسر المغاربة صيامهم بالتمر والحليب (اللبن) والتين المجفف، ويقومون لصلاة المغرب قبل العودة مرة أخرى إلى مائدة الإفطار حيث "الحريرة" (الشوربة على الطريقة المغربية) تشكل الطبق الرئيسي في كل بيت مغربي، بالإضافة إلى الشباكية والبريوات (معسلات) والملاوي، البطبوط، الرغايف، المخمار والبغرير (كلها أنواع من الفطائر مسكرة)، وفطائر رقيقة مثلثة الشكل تحشى بالبيض ولحم مفروم أو الدجاج أو التونة مع إضافة البصل والبقدونس المفروم وتطهى في الفرن او تقلى في الزيت.
وعن "الحريرة" المغربية، يقول الشيف فتاح، شيف في أحد الفنادق الكبرى في العاصمة الرباط، أنه لا يكاد يخلو منها بيت في الشهر الكريم، وأنها حاضرة دائما على مائدة الفنادق في شهر رمضان ويتم تقديمها لكل النزلاء المغاربة والعرب والأجانب أيضا، حيث تكون مطلوبة من الجميع.
واعتبر الشيف فتاح في تصريح لـ"العين"، أن المغاربة يحرصون دائما على تقديم الحريرة في أبهى الأواني تعبيرا عن تشبتهم بالعادات، وأوضح أن هذه الوجبة اليومية الرمضانية غنية بعدد من المكونات منها الحمص والعدس وقطع اللحم والكزبر والبقدونس والكرفس والطماطم إضافة إلى الدقيق والبيض لمن أراد ان يضيفه إليها.
ويعتبر بعض الخبراء في التغدية أن الحريرة المغربية مناسبة لوجبة الإفطار في رمضان شريطة أن تكون خفيفة مع عدم الإكثار منها.
أما "الشباكية" فيمكن اعتبارها الحلوى الرسمية لرمضان في المغرب، بحيث لا تخلو مائدة الإفطار منها. ويقول الشيف فتاح إنها عبارة عن عجين يشمل الدقيق واللوز والسمسم مدقوق والبيض والزبدة ومنسم بمجموعة من المواد كالقرفة وماء الزهر والزعفران وغيرها، وتشكل على شكل أشرطة مشبكة من العجين يتم طيها في شكل معين وموحد، ثم تقلى في الزيت وتوضع في العسل وترش بالسمسم أو اللوز مبشور.
وعكس الحريرة، فينصح عدد من اخصائيي التغدية بالابتعاد عنها، أو على الأقل تناول قطعة واحدة منها فقط، بسبب مكوناتها الغنية بالسكريات والبروتينات إضافة إلى قليها في الزيت وغطسها في العسل.
ويعتبر خبير التغدية "نبيل العياشي" إن "100 غرام من الشباكية، أي 3 أو 4 قطع، يعادل 400 إلى 450 سعرة حرارية ، ما يتطلب المشي لمدة ساعة ونصف ليتمكن الجسم من هضمها".
في شهر رمضان في المغرب، لا يتغير فقط نمط الأكل والشرب ولكن أيضا نسق الحياة اليومية ككل حيث يشمل التغيير أيضا طريقة اللبس ودرجة التدين في هذا الشهر الذي يطلق عليه "سيدنا رمضان"، حيث تكتض المساجد والشوارع المحادية لها بالمصلين من مختلف الأعمار أثناء صلاة العشاء والتراويح وتبرز هذه التقاليد الدينية بشكل خاص في ليلة القدر، التي يستبشر فيها المغاربة بالكثير من الصلاة والدعاء حتى شروق الشمس.
ويتميز رمضان في المغرب أيضا بالزي المغربي الذي يحاكي روحانيات هذا الشهر، فالموسم ليس فقط موسم تدين وانفاق، فهو أيضا موسم تتألق فيه الأزياء التقليدية التي باتت علامة هوية وأيقونة تحيل على البلد وأهله، إذ تتنوع أذواق الرجال والنساء في ارتداء الجلباب المغربي بألوانه وتصميماته المتنوعة التي واكبت العصر وجمعت بين الأصالة وروح الموضة العصرية.
في هذا السياق، تقول مصممة الأزياء التقليدية هدى قسي، في تصريحها لـ"العين"، إن الإقبال على تصميم الجلباب والقفطان المغربي يبدأ في الارتفاع بشكل ملحوظ قبيل شهر الصيام حيث تحرص المرأة المغربية على اقتناء ما يميز شهر رمضان من زي مغربي ممثلا في الجلباب الذي يرتدى خارج البيت وفي العمل، والقفطان وقت الإفطار أو عند تبادل الزيارات.
وأشارت قسي إلى أن الزي التقليدي المغربي استطاع الحفاظ على بريقه وأصالته، واستطاع أن يجلب اهتمام النساء في العالم ككل، مضيفة أنه مع اللمسة العصرية التي أدخلت عليه استطاع القفطان المغربي تحديدا أن يتجاوز الحدود الجغرافية وأن ينتشر ويصبح موضة ضاربة في المشرق أيضا.
aXA6IDMuMTUuMTQzLjE4IA== جزيرة ام اند امز