أزمة تشكيل الحكومة المغربية تدخل شهرها الخامس
أزمة تشكيل الحكومة المغربية تواصل التصاعد وتدخل شهرها الخامس
دخلت أزمة تشكيل الحكومة المغربية شهرها الخامس، بعد فشل عبد الإله بنكيران، رئيس الحكومة المكلف بعد انتخابات برلمانية في السابع من أكتوبر الماضي، منحت الصدارة لحزبه العدالة والتنمية بمجموع 125 مقعدًا، إيجاد مخرج لحالة "الانسداد" التي تلاحق مشاوراته مع الأحزاب السياسية لتشكيل الأغلبية الحكومية.
وفي ظل تمسك طرفي الأزمة الحكومية، حزب العدالة والتنمية وحزب التجمع الوطني للأحرار، بمواقفهما، بعد رفض الأول مشاركة الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية والاتحاد الدستوري في حكومته، مقابل إصرار "التجمع الوطني للأحرار" بضرورة توفير أغلبية مريحة عدديًا، وإشراك حلفائه في تشكيلة الحكومة القادمة، يراهن الطرفان على التنازلات التي يمكن أن يقدم أي منهما.
أكد بنكيران في اجتماع مع قيادات حزبه، السبت الماضي، بأن مشاورات تشكيل الحكومة متوقفة، ولم تحرز أي تقدم منذ صدور بلاغ "انتهى الكلام"، مشيرًا إلى أن هذه الأزمة لم تعرف أي انفراجة؛ إذا لم يتراجع أخنوش عن التشبث بضم الاتحاد الاشتراكي، والاتحاد الدستوري إلى الحكومة.
وحمّل رئيس الحكومة المغربية المعين، في ذات الاجتماع، أخنوش مسؤولية "البلوكاج" (الانسداد)، الذي تعرفه مشاورات تشكيل الحكومة بعد إصراره على إدخال الاتحاد الاشتراكي، مبرزًا أن أي تقدم في المشاورات يستدعي تراجعه عن الشروط غير المقبولة.
وما يزيد من تعقيد المشاورات انتخاب "لحبيب المالكي"، المنتمي لحزب الاتحاد الاشتراكي، رئيسًا لمجلس النواب، قبل تشكيل الأغلبية الحكومية، ما دفع مراقبين إلى القول بأن هذا المعطى الجديد سيفرض على بنكيران، أما القبول بحزب الاتحاد الاشتراكي داخل حكومته، رغم رفض المستمر لذلك، باعتبار أن رئيس مجلس النواب من المفترض أن يكون منتميًا لأحد أحزاب الأغلبية الحكومية. أو رفض بنكيران لهذا "الواقع"، وبالتالي يعلن فشله ويقدم استقالته للملك، ما يعني حل البرلمان واللجوء إلى انتخابات برلمانية سابقة لأوانها، وهو الأمر الذي لايزال مستبعدًا.
أما السيناريو الثالث، حسب ذات المراقبين، وقد يكون هو الأقرب إلى التحقق، وهو بعد فوز الاتحاد الاشتراكي بمنصب رئيس مجلس النواب، لن يدخل إلى حكومة بنكيران، ولكنه بالمقابل يقدم ما يسمى "المساندة النقدية" للحكومة، فيما يتم قبول حزب الاتحاد الدستوري داخل الفريق الحكومي، تلبية لمطلب رئيس حزب الأحرار، ليكون حلاً وسطًا بين هذا الأخير ورئيس الحكومة المعين.
أزمة سياسية هي الأطول في تشكيل الحكومات المغربية، ودورة برلمانية بيضاء باتت مؤكدة. وفي تحليله لواقع الانسداد الذي تمر منه المشاورات الحكومية، اعتبر محمد الزهراوي، أستاذ العلوم السياسية في جامعة مراكش، أن الواقع الحالي يعكس طبيعة الحقل الحزبي والسياسي المغربي، معتبرًا أن تعثر تشكيل الحكومة يرتبط بثلاثة مستويات أساسية:
المستوى الأول، يتعلق بطريقة إدارة مسار المفاوضات من قبل رئيس الحكومة المعين، إذ إن بنكيران، حسب ذات المتحدث، دخل المشاورات مع الأحزاب من دون أية استراتيجية تفاوضية واضحة، مضيفا أن "نشوة الفوز بالمرتبة الأولى في الانتخابات التشريعية جعلت حزبه يتعامل مع التعقيدات المرتبطة بالواقع الحزبي بنوع من الاستخفاف
واعتبر المحلل المغربي أن مراهنة حزب "العدالة والتنمية" الحاكم على "المنطق العددي" لاستكمال الأغلبية الحكومية، بالإضافة إلى الإعلان منذ البداية عن تفضيل التحالف مع بعض الأحزاب دون غيرها، ساهم في إضعاف الموقع التفاوضي لبنكيران، وأثر سلبًا على مسار المشاورات.
المستوى الثاني، حسب الزهراوي، يرتبط بطبيعة النخب الحزبية الموجودة حاليًا، معتبرًا أن هذه النخب محكومة بثقافة التبعية ونظرية المؤامرة، ونزعتها إلى انتظار الإشارات والتعليمات، على الرغم من أن الوثيقة الدستورية لسنة 2011، وسعت من دائرة وهامش تحرك النخب الحزبية، إلا أن هذه الاخيرة لازالت تتصرف وفق سقف منطوق دستور 1996.
المستوى الثالث، وفق تعبير ذات المتحدث، يتعلق بـ"طبيعة ومحتوى الترسانة القانونية المؤطرة للعملية الانتخابية التي تحول دون فرز أغلبية منسجمة بعد كل استحقاق انتخابي، إذ إن التقسيم الانتخابي ونمط الاقتراع الحاليين ساهما بدورهما في تقسيم الخريطة السياسية، مما يجعل رهان تشكيل الحكومة بالمغرب مشروطًا بتحالف أكبر عدد من الأحزاب من مختلف المرجعيات والخلفيات".
وعن مستقبل المشاورات الحكومية والاحتمالات المطروحة أمام رئيس الحكومة المغربية المعين، يرى أمين السعيد، الباحث في العلوم السياسية والقانون الدستوري بجامعة محمد الخامس، أن دستور 2011 مازال يمنح فرصا زمنية لعبد الإله بنكيران لتشكيل الحكومة، مشيرًا إلى أنه "لا توجد مدة محددة أو أجل دستوري لتشكيل الحكومة".
واعتبر السعيد أن "انتهاء الفرص" رهين بسيناريوهين: إما إعلان رئيس الحكومة المكلف استقالته الطوعية والاختيارية أو إعلان الملك عن حل مجلس النواب، منبها في ذات الوقت إلى أن "مسألة تشكيل الحكومة أضحت تحت رقابة الرأي العام الوطني وحتى الدولي".
في سياق متصل، اعتبر الباحث السياسي، عبد الرحمن علال، أن أزمة تشكيل الحكومة معقدة بشكل لا تنفع معه أحيانا التحليلات المؤسسة على مرجعيات علم السياسة والقانون الدستوري في فهم الواقع السياسي المغربي"، مبرزًا أنه واقع يفتقد إلى المنطق الذي من المفروض أن تسير عليه الأمور".
واستعبد علال أن يعود عبد الإله بنكيران، رئيس الحكومة المكلف، إلى الملك من أجل إعفائه من هذه المهمة، معللاً ذلك بكون الثقافة السياسية المحافظة لعبد الإله بنكيران تحول حاجزًا بينه وبين فعل ذلك.
واعتبر ذات الباحث في العلوم السياسية أن المطلوب اليوم هو "تقريب وجهات النظر على قاعدة نتائج انتخابات 7 أكتوبر، حتى لا يتم إفراغ الاقتراع من مضمونه، ونصبح أمام حالة من لا يملك أعطى لمن لا يستحق"، منبها إلى كون "طلب عبد الإله بنكيران من الملك إعفاءه من هذه المهمة سينقل الأزمة من النسق السياسي إلى النسق الدستوري، أو من الأزمة الدستورية غير المعلنة إلى أزمة دستورية مكتملة الأركان".