طردته كييف وأسس موسكو.. قصة الأمير صاحب "اليد الطولى"
في أعقاب الحرب الروسية الأوكرانية، باتت مدينة موسكو، محط أنظار العالم لتثير الفضول حول تاريخها باعتبارها العاصمة الأكثر تأثيرا بأوروبا.
ومنذ أقل من أسبوع، بدأ الجيش الروسي، عملية عسكرية شاملة ضد أوكرانيا، وهو الهجوم الأكبر على دولة أوروبية منذ الحرب العالمية الثانية.
وتطل مدينة موسكو، الواقعة في الجزء الأوروبي للبلاد، من خلف الحرب لتكون شاهدة على فصل جديد من التاريخ بدأته هذه المرة بالتصعيد، بعد تهديدات وسجالات على مدار عدة أيام.
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين شدد بدوره على أن روسيا لن تسمح لأوكرانيا بامتلاك أسلحة نووية، مؤكدا أن العملية المعلنة تستهدف "حماية دونباس".
في المقابل، أعلن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، فرض الأحكام العرفية على جميع أراضي بلاده، مؤكدا تنفيذ موسكو ضربات صاروخية على البنية الأساسية وعلى حرس الحدود.
من هو مؤسس موسكو؟
تأسست مدينة موسكو على يد الأمير يوري دولغوروكي، حيث كانت تقع ضمن ملكيته ففكر أن تكون المدينة مركزا تجاريا بين الجنوب الغربي والشمال الغربي الروسي.
والأمير يوري دولغوروكي هو ابن الأمير فلاديمير مونوماخ وأمير إمارة روستوف وسوزدال والأمير المعظم في إمارة كييف.
ولد عام 1091 وتولى منذ صباه الحكم في إمارة سوزدال، حيث كان يطمح طيلة حياته أن يتربع على عرش كييف حيث استولى عليها عام 1149 بعد أن دحر قوات إيزياسلاف بن مستيسلاف، لكنه لم يتمكن من الاحتفاظ بالحكم وتم طرده منها في 1152.
لقبه الشعب الروسي بـ"دولغوروكي" أي اليد الطولى كتعبير عن "المطامع طويلة الأجل".
بماذا تشتهر موسكو؟
رغم التضارب بين الأعداد الرسمية المعلنة بشأن عدد سكان المدينة، لكنه لا خلاف حول أنها أكبر المدن الروسية والأوروبية.
ووفق المعطيات الرسمية بلغ عدد سكان العاصمة الروسية ما يقارب ١٢.٥ ملايين نسمة مع نهاية ٢٠٢١، فيما كشف عمدة موسكو سيرغي سوبيانين عام ٢٠١٦ أن عدد السكان يفوق هذه التقديرات ليصل إلى قرابة ٢٥ مليون نسمة.
وكشأن تعدادها، لم يعرف على وجه الدقة تاريخ نشأتها لكن المؤرخين الروس أجمعوا على أن أول ذكر لموسكو تاريخيا كان عام 1147 ليعتبر التاريخ الرسمي لتأسيسها.
ومع هذا، أظهرت الشواهد الأثرية أن المستوطنات الأولى على أرض موسكو الحالية تعود إلى أكثر من خمسة آلاف عام.
وتشير إحدى الحوليات الأثرية إلى أن أسوار موسكو الخشبية الأولى بنيت عام ١١٥٧.
ولا غرابة في ذلك فالمدينة الساحرة التي عرفت لاحقا باسم الكرملين، يبدو عليها آثار الجمال الحضاري العريق في كل معالمها التاريخية.
وتعرف مدينة موسكو، بكونها أحد أجمل مدن العالم، والتي تجذب ملايين السياح، لما تضمه من الكرملين والساحة الحمراء والمتاحف والمسارح والقصور والمتنزهات.
وفي ٢٠١٩، فازت العاصمة الروسية بجائزة أفضل وجهة سياحية في العالم، إذ تضم وحدها قرابة ٧٠ متحفا متنوعا، فضلا عن الساحة الحمراء الشاهدة على صعود المدينة إذ يربو عمرها على خمسمائة عام.
أما الكرملين فهو أحد أشهر المعالم التي مر على تأسيسها قرابة ثمانية قرون، لكنه لا يزال نقطة جذب لملايين السياح الذين يسحرهم بمعالمه المعمارية والفنية.
تاريخ موسكو
وازدهرت مدينة موسكو تاريخيا شيئا فشيئا، منذ أن تكاثر حولها مجموعة قرى ودساكر، مرورا بتحولها لحاضرة لإحدى الإمارات في القرن الثالث عشر، ثم دولة تجارية وحرفية هامة مع تشكل الدولة الروسية المركزية تحديدا في نهاية القرن الخامس عشر.
رحلة صعود المدينة التي كانت في البداية ولاية نائية في إمارة فلاديمير – سوزدال، لم تختلف كثيرا عن رحلة الدولة ليصبح الدب الروسي واحدا من أقوى جيوش العالم وأكثرها قوة وتأثيرا دوليا.
وتحتل روسيا المرتبة الثانية عالميا بين أقوى جيوش العالم لعام 2022، وفقا لموقع جلوبال فاير باور. ويبلغ عدد جنود الجيش الروسي مليونا و350 ألف جندي.
هذه الرحلة التي تخللها حرائق وغزوات واحتلال، فقد غزاها المغول والبولنيون ونابليون، وفي المرات الثلاث أحرقوها.
حتى في الحرب العالمية الثانية، لم تسلم موسكو من التهديد حيث وصلت القوات النازية على مشارفها، لكنها تصدت لهم ومنعتهم من دخولها وإخضاعها.
ووفق دائرة المعارف السوفيتية، فإن عام ١٤٢٦ هو عام تسمية موسكو العاصمة الروسية، قبل انتقال مركز العاصمة إلى بطرسبورغ، غير أن أهميتها لم تتراجع بل اعتبرت العاصمة الثانية للبلاد، وفيها تأسست أول جامعة روسية وهي جامعة لومونوسوف عام ١٧٥٥.
ومع اندلاع ثورة أكتوبر/تشرين الأول البلشفية في روسيا عام ١٩١٨، تم نقل العاصمة من بطرسبورغ إلى موسكو مجددا، فأصبحت عام 1922 عاصمة الاتحاد السوفيتي.
ومنذ ذلك التاريخ، وحتى بعد تفكك الاتحاد السوفيتي عام 1991، ظلت موسكو العاصمة لكن هذه المرة للاتحاد الروسي، روسيا الجديدة.
قاطرة جذب
ومع الانفتاح الروسي الجديد على العالم شرقا وغربا، باتت موسكو قاطرة جذب لملايين السياح والمستثمرين، على حد سواء، فهي المدينة الأكثر جمال وروعة، والأوسع ثروة وغلاء.
وبحسب تصنيف مجلة فوربس الأمريكية لعام ٢٠١٦، جاءت العاصمة الروسية في المرتبة الثالثة لمدن العالم التي يقيم فيها أكبر عدد من المليارديرات.
ووفق هذه الإحصائية، يقيم في موسكو 60 مليارديرا تقدر ثروتهم الإجمالية بـ 270.6 مليار دولار.
وبحسب ما نشرته ذات المجلة المتخصصة في الإحصائيات قبل أيام، فإن هؤلاء ذكرت أغنياء روسيا خسروا 39 مليار دولار من ثروتهم في ظل تراجع حاد سجلته بورصات عالمية، بما في ذلك الروسية بسبب الحرب الروسية الأوكرانية.
وأمام هذه الخسائر المادية والعزلة السياسية والاقتصادية التي تواجهها موسكو، تبقى معالم المدينة شاهدة على تاريخ الدولة الروسية، بما فيها مشاهد الحروب، خاصة الحالية.
aXA6IDMuMTQxLjM4LjUg جزيرة ام اند امز