هرمجدون.. هل تقود موسكو وواشنطن العالم لنهايته؟

حالة من الحرب الباردة وربما أشد وطأة تدور رحاها بين الولايات المتحدة وروسيا في ملاعب خارج الإطار الحدودي للبلدين، زادت وتيرتها مع بدء الحرب الروسية في أوكرانيا فبراير/شباط الماضي.
المراقب للأوضاع العالمية خاصة التحركات السياسية الأمريكية وكذلك الروسية، ربما يتخوف من اندلاع مواجهة بين البلدين النوويين الأعظم في العالم، حتى وإن كان احتمال وقوعها ضعيفا، لكن المزايدات السياسية تتلاعب بمؤشر قياس إمكانية المواجهة.
خلال مؤتمر صحفي في سمرقند بأوزبكستان، على هامش قمة "منظمة شنغهاي للتعاون" منذ يومين، أشهر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أسلحته السياسية وارتكزت بشكل واضح على عامل الوقت.
وألمح بوتين إلى أن بلاده ليست في عجلة بشأن إنهاء الحرب أو عمليتها العسكرية الخاصة حتى تحقيق أهدافها بـ"تحرير" أراضٍ أوكرانية أعلنت ولاءها لروسيا.
بوتين تحدث أيضا عن عقلية الدول الأوروبية "الاستعمارية" التي قررت موسكو التصدي لها، ربما في إشارة إلى سعي حلف الناتو للتمدد على حساب الكبرياء السوفياتي الذي ورثته روسيا.
في المقابل فإن العقوبات الغربية بالجملة ضد روسيا لم تردع موسكو ولكنها ردت بإجراءات اقتصادية أخرى أظهرت أزمة طاقة في أوروبا، لتصبح إحدى أقوى أوراق الضغط في يد بوتين، تزداد قوتها مع قرب الشتاء الذي توقعت أوساط اقتصادية أن يكون "صقيعا سياسيا" في أوروبا بدون موارد الغاز الروسي.
بين الشرق والغرب يئن العالم وشعوبه تحت وطأة أزمة غذاء تعيد للأذهان شبح الأزمة التي ضربت العالم في ثلاثينيات القرن الماضي، وهذا سلاح آخر في يد روسيا قد لا يؤثر بشكل كبير على غريمها التقليدي الولايات المتحدة، لكنه حتما سيطأ وربما يسحق بقدميه أوجاع العالم الثالث والدول الفقيرة.
وفي سياق المزايدات، لا تنفك واشنطن تدعم أوكرانيا بكل قوة ومن ورائها جل الدول الأوروبية، دعما بلا حدود عسكريا وسياسيا، وهو ربما ما ساهم في تمكيين كييف من استعادة زمام المبادرة ميدانيا، واستعادة كثيرا من الأراضي والبلدات التي سيطر عليها الجيش الروسي خلال الفترة الماضية من الحرب، وهو اعتبرته واشنطن صحيفة أحوال يومية تشيد فيها بالأداء الأوكراني.
القارئ للمشهد ربما يفسر التحركات الأمريكية خلال الشهرين الماضيين بـ"الاستفزازية" خاصة زيارة نانسي بيلوسي رئيسة مجلس النواب الأمريكي لتايوان والتي أشعلت غضب التنين الصيني، وأعادت الحسابات في المضيق الذي شهد حالة هدوء واستقرار نسبي لسنين.
لم تكد تهدأ حدة ما أفرزته زيارة بيلوسي لتايوان حتى قامت بأخرى ولكن إلى أرمينيا ذات الصراع المتجدد مع الجارة أذربيجان، وهو ما اعتبره مراقبون "استفزازا" جديدا لروسيا، أو لعبا في الحديقة الخلفية لموسكو الداعم الأكبر لأذربيجان في الصراع.
اتساقا مع هذه المزايدات السياسية حذرت مجلة "ناشونال إنترست" الأمريكية، في تقرير لها مؤخرا من أي مواجهة عسكرية محتملة بين موسكو واشنطن، جراء سياسات بايدن في أوكرانيا، معتبرة أن ذلك قد ينذر بـ "نهاية العالم" وليس مجرد فتيل لإشعال حرب عالمية ثالثة.
واعتبرت المجلة الأمريكية في تقريرها أن سياسات بايدن في أوكرانيا قد تدفع إلى اندلاع مواجهة عسكرية بين واشنطن وموسكو لن يكون مجرد شرارة لحرب عالمية ثالثة، إنما معركة "هرمجدون"، أي حرب نهاية العالم.
هرمجدون أو أرمجدون حسب نطق آخر مصطلح يشير وفقا لكتاب الوحي إلى موقع تجمع الجيوش للمعركة متى يحين وقت نهاية كوكب الأرض. كما يستخدم هذا المصطلح للإشارة إلى أي سيناريو يشير إلى نهاية العالم بشكل عام (تعريف ويكيبيديا).
وقال، جيسون ديفيدسون، أستاذ العلوم السياسية بجامعة "ماري واشنطن" الأمريكية، إنه يخشى من أن تنزلق سياسات بايدن في أوكرانيا إلى دوامة تصعيدية قد تؤدي في النهاية إلى حرب عالمية لن تُحمد عقباها.
وقارن المحلل السياسي الأمريكي الوضع الحالي بفترة الحربين العالميتين الأولى والثانية معتبرًا أنه إبان الحربين العالميتين الأولى والثانية دفع القرن العشرين، التصور المتزايد لتهديدات الولايات المتحدة دول العالم إلى الانخراط في الحرب.
وأضاف المحلل الأمريكي أن الشيء الوحيد الذي تغلب على إحجام السياسيين عن دفع التكاليف المرتبطة بدخول الحرب هو الإدراك المتزايد بأن ألمانيا الإمبراطورية وألمانيا النازية كانتا تشكلان تهديدا لمصالح الولايات المتحدة.
ديفيدسون اعتبر أن موسكو لم تتخذ أي إجراءات مهمة في أوكرانيا تهدد مصالح الولايات المتحدة، لذلك ليس لدى الولايات المتحدة سبب للمجازفة، مشيرا إلى أنه واثق من أن الولايات المتحدة لن تتحرك ضد روسيا في أوكرانيا.
ونبه التقرير إلى القلق المتزايد للأمريكيين والكونجرس من مخاطر اندلاع حرب مع روسيا، معتبرًا أن سياسات بايدن تؤكد أن الجانب الأمريكي يضغط على أوكرانيا حتى لا تستخدم المساعدة العسكرية الغربية بطرق قد تؤدي إلى تصعيد الصراع.