تفجير جامع النوري.. "داعش" يبدأ الانتحار التدريجي
القوات العراقية تعلن في بيان أن تنظيم داعش قام بتفجير الجامع النوري ومئذنته غربي الموصل، الأربعاء الماضي.
لم يدر بخلد "نور الدين زنكي" مؤسس الدولة الزنكية، أن جامع النوري الكبير الذي أمر بتشييده بمدينة الموصل العراقية منذ 9 قرون، لخدمة أهالي المدينة، سيأتي يوماً ليدمٌر الجامع الأثري التاريخي ويشوه معماره الهندسي ومئذنته الحدباء على أيدي عناصر تنظيم "داعش" الإرهابي.
لتعلن القوات العراقية، في بيان، أن تنظيم داعش قام بتفجير الجامع النوري ومئذنته غربي الموصل، الأربعاء، ليشير هذا الفعل من قبل العناصر المسلحة إلى فشلهم في مواجهة خطط الجيش العراقي، الذي نجح في استعادة أكثر من 95% من غبر الموصل منذ بدء المعركة في الـ19 من فبراير/ شباط الماضي.
وبدت خطوة "داعش" وكأنها انتحار تدريجي بعد تأكد عناصره من الهزيمة القادمة لا محالة.
"تفجير جامع النوري بالموصل يعتبر بمثابة إعلان هزيمة لتنظيم داعش بالمعركة"، بهذه العبارة علق حيدر العبادي، رئيس الوزراء العراقي، عقب قيام عناصر داعش الإرهابية بتفجير جامع النوري التاريخي ومئذنته الحدباء.
ومع اقتراب القوات العراقية من بدء المعركة الحاسمة غربي الموصل، وتطويق البلدة القديمة، لاستعادة الجامع النوري الكبير، أهم معالم المدينة العراقية الذي وقع تحت سيطرة التنظيم الإرهابي منذ يونيو/ حزيران 2014، وخسارة التنظيم لقادة وعناصر مسلحة خلال معركتي الموصل بالعراق والرقة بسوريا، تصبح التفجيرات سلاح داعش الوحيد الذي يمتلكه لمواجهة التقدم من قبل الجيش العراقي وقوات البشمركة وجهاز مكافحة الإرهاب وقوات الشرطة الاتحادية المدعومين من قوات التحالف الدولي خلال معركة الموصل التي أوشكت على النهاية.
وتعد استعادة الجامع النوري الكبير، نقطة تحول في مسار المعركة لصالح الجيش العراقي، نظراً لأهمية الجامع التاريخية وموقعه الاستراتيجي، فضلاً عن أن الجامع هو آخر المناطق التي يبسط داعش سيطرته عليها بالموصل منذ عامين، وأول مكان شهد خطبة لزعيم التنظيم الإرهابي "أبو بكر البغدادي".
استهداف جامع النوري على مدار العصور
وبهذا التفجير الذي نفذه عناصر داعش، الأربعاء الماضي، تستمر سلسلة الممارسات الوحشية من قبل العناصر المسلحة ضد تاريخ الموصل وجامع النوري الكبير الذي يعد شاهد على تاريخ العراق على مدار 9 قرون، فمنذ يونيو/ حزيران 2014 بدأ داعش في تدمير وتخريب آثار الموصل، ليتعرض الجامع ومئذنته الشهيرة المعروفة باسم المنارة المحدبة نحو الشريق والذي يصل طولها 45م، لتخريب ودمار من قبل التنظيم بداية من اعتلاء أبو بكر البغدادي زعيم التنظيم منبر الجامع في نفس توقيت دخوله المدينة، لإعلان ما أسمه بـ"الخلافة" في العراق وسوريا، وسيطرة عناصره المسلحة على المدينة، مروراً بتخريب ونهب مقتنيات الجامع وتدمير معمار المئذنة.
كما أن التاريخ يعيد نفسه، فحالة الدمار والتخريب التي شهدها الجامع النوري الأثري التاريخي على يد عناصر داعش الإرهابي بعد سيطرته على الموصل، تشبه كثيراً آثار الدمار التي خلفها احتلال المغول للمدينة نفسها في القرن الـ13، وتعرض الجامع ومئذنته الشهيرة، لتخريب ودمار كبير على مدار العصور.
وقبل شن داعش هجومه الإرهابي السافر على الجامع، كانت المئذنة الحدباء هي الجزء الوحيد الباقي من المعمار الأصلي للجامع، حيث تتميز المئذنة بهندسة معمارية تجمع بين المعار الآسيوي والمعماري الإيراني، وتتشابه مع أكثر من منارة بجوامع في أربيل وسنجار وماردين، حيث تمثيل عن الزاوية القائمة بعدة أقدام، رغم بنائها بشكل مستقيم وسليم من البداية.
وأطلق على المنارة الوحيدة الباقية من البناء الأصلي للجامع بهذا الاسم، نسبة لأحد ألقاب مدينة الموصل، لترجح بعض المصادر التاريخية أن السبب الرئيسي وراء انحناء المئذنة هي الرياح الغربية الشديبدة بالموصل، وأخرى تشير إلى تأثر المبنى بالمياه الجوفية التي تحيط بالمنارة.
وتراوحت تكلفة الجامع النوري الكبير بين 60- 300 ألف دينار عراقي، وللجامع عدة أوقاف بينها "العقر الحميدية – قيسارية الجامع – أرض خبرات الجمس".
الجامع النوري.. تاريخ الموصل العريق
ومنذ 9 قرون.. تأسس الجامع النوري على ثلاث سنوات على يد نور الدين زنكي. حيث قرر إنشاء جامع ثاني بالموصل، بعد إعلان المصلين العراقيين عن غضبهم من ضيق الجامع الأموي أول الجوامع التي تأسست بالمدينة، ليأمر ببدء البناء والتشييد لمعمار الجامع عام 1173.
وفي عهد سيف الدين غازي الثاني حاكم الموصل وقتها، اتجه زنكي إلى المدينة وبسط نفوذه عليها، وشرع في إجراء عدة إصلاحات معمارية وتوسعات في معالمها، ليستكمل عملية بناء الجامع النوري الكبير، الذي منح المنطقة المحيطة به نفس الاسم حتى يومنا هذا.
وبعد أن استمع نور الدين زنكي بصفته حاكم الموصل الجديد لشكوى العراقيين من ضيق الجامع الأموي، وحاجة السكان لمساحة أكبر تستوعب المصلين الذين بدأت أعدادهم في التزايد بمنتصف القرن السادس الهجري، بحث مع أهالي الموصل إمكانية تأسيس جامع بالمدينة، فنصحه البعض بالتوجه ناحية مساحة شاسعة غرب الموصل ووسط الأسواق، لتبدأ عملية التشييد والبناء للجامع، ويقرر بعدها توظيف المؤذنين والخدم بعد عامين من قرار البناء، ليصبح الجامع في شكله المعماري النهائي عام 1176.
واستكمالاً لخدمة أهالي الموصل، أمر زنكي بتشييد مدرسة ملحقة بالجامع النوري، ولكن تعرض الجامع ومعالمه للهدم والتخريب والتدمير أكثر من مرة، ويعد احتلال المغول للعراق هو أكثر الفترات التي تعرض فيها الجامع للتخريب، وبعد أن دخل المغول للعراق وبسط سيطرتهم على الموصل في عام 1258، تأثر معمار الجامع النوري، ليعاد بناؤه وإعماره وتنظيفه من جديد عام 1944.