مخاوف من انتهاكات طائفية بعد اجتياح الحشد الشعبي محيط الموصل
مع بدء معركة الموصل فجر الاثنين، تصاعدت مخاوف المواطنين العراقيين هناك من انتهاكات وحشية قد يمارسها مقاتلي الحشد الشعبي الشيعة ضدهم.
تتأهب قوات الحشد الشعبي الشيعية (قوات غير نظامية) للمشاركة في اجتياح مدينة صغيرة بشمال العراق، في الوقت الذي تشن فيه قوات عراقية حكومية هجوما على الموصل أكبر معاقل تنظيم "داعش"، الأمر الذي يثير مخاوف لدى المسؤولين العراقيين ومسؤولي الإغاثة من وقوع أعمال انتقامية طائفية.
ويهدف قرار توجيه قوات الحشد الشعبي بعيدا عن الموصل إلى الحويجة الواقعة على بعد 100 كيلومتر من الموصل إلى تخفيف العداء الطائفي خلال القتال من أجل السيطرة على الموصل، والذي من المتوقع أن يمثل أكبر معركة في العراق منذ الغزو بقيادة الولايات المتحدة عام 2003.
ووحدات الحشد الشعبي المؤلفة من مجموعات من المقاتلين الشيعة مدعومين من إيران، لها وضع رسمي الآن وتتهمها الأمم المتحدة وآخرون بتنفيذ جرائم قتل وخطف في بعض المناطق التي جرى تحريرها من تنظيم "داعش" في محافظة الأنبار مثل الفلوجة والرمادي.
وكثيرا ما يثير وجودها على خط الجبهة استياء المدنيين السنة في المناطق ذات الأغلبية السنية التي تأمل الحكومة تحريرها من سيطرة "داعش"، كما تريد السلطات إبعاد وحدات الحشد الشعبي عن ساحة المعركة في الموصل.
ولكنهم مقاتلون أصحاب مهارة قتالية عالية ولهم داعمون أقوياء في بغداد وإبعادهم عن القتال تماما سيكون صعبا سياسيا.
وقال دبلوماسي كبير تابع عملية التخطيط للهجوم على الموصل إن مفاوضات صعبة أسفرت عن الحل الوسط الذي يقضي بإرسال وحدات الحشد الشعبي إلى الحويجة، مؤكدا أن المسؤولين العراقيين في بغداد "قلقون بحق"، من انتهاكات محتملة وأعمال وحشية قد تمارسها القوات الشيعية في محيط الموصل بعد طرد "داعش" منه.
وأضاف الدبلوماسي الذي تحدث عن تفاصيل لم تعلن على الملأ بشرط عدم نشر اسمه، "لا أعتقد أن هذا كان اتفاقا سهلا"، موضحا أن المفاوضات شهدت الكثير من الشد والجذب، إلا أنه اعترف بأن الحل الوسط هذا أثار قلقا من وقوع انتهاكات في المدينة الأصغر.
وتطمئن وحدات الحشد الشعبي المدنيين في الحويجة وتقول إنه ليس هناك ما يدعوهم للخوف، حيث قال علي الحسيني المتحدث باسم وحدات الحشد الشعبي، "دورنا سيكون تخليصهم من طغيان داعش"، مضيفا: "سنكون حريصين على الحفاظ على العوائل من أي أذى وصون كرامتهم. نحن إخوتهم.. نحن لسنا بعدو."
لكن الأمم المتحدة قالت في يوليو/تموز الماضي إن لديها قائمة بأسماء أكثر من 640 من الرجال والصبية السنة الذين تفيد تقارير بأن مقاتلين شيعة تابعين للحكومة العراقية خطفوهم أثناء المعركة من أجل السيطرة على الفلوجة من تنظيم "داعش"، وأُعدم 50 آخرون على الفور أو عُذبوا حتى الموت.
وقالت وحدات الحشد الشعبي إنه كانت هناك حالات انتهاكات فردية ولم تكن ممنهجة وتعهدت الحكومة بمعاقبة الضالعين فيها، لكنها لم تقدم على أي خطوات في هذا الصدد حتى اللحظة.
وسبق أن تعرض سكان الحويجة لعنف القوات الأمنية بقيادة الشيعة، ففي عام 2013 قُتل العشرات عندما داهمت قوات الأمن العراقية اعتصاما مناهضا للحكومة في المدينة، مما أثار استياء السكان ويقول السكان إنهم سهلوا بذلك سيطرة تنظيم "داعش" على المدينة في العام التالي.
ووفقا لوزير المالية والخارجية العراقي السابق هوشيار زيباري، فإن المسؤولين العراقيين على دراية بحساسية إرسال مقاتلين شيعة إلى مدينة تقطنها أغلبية سنية ويحاولون تخفيف الدور الذي ستلعبه وحدات الحشد الشعبي في الحويجة، على أمل أن يتم الجمع بين وحدات أكثر انضباطا من الحشد الشعبي والجيش العراقي لتحقيق توازن طائفي في القوة القتالية.
وقال زيباري إنه لن يتغاضى أحد عن أي أعمال وحشية، إلا أن الحسني المتحدث باسم الحشد الشعبي قال إنه من المتوقع أن توفر قوات التحالف الدعم الجوي والاستخباراتي خلال الهجوم على الحويجة.
وردا على سؤال عن دعم وحدات الحشد الشعبي، قال الكولونيل جون دوريان المتحدث باسم قوات التحالف الدولي الذي تقوده واشنطن، "سيكون من الملائم أن نقول إننا نساعد قوت الأمن العراقية. لن أخوض على الأرجح في مسألة الترتيب المحدد للمشاركين هناك."
الفرار تحت النيران
الموصل التي كان يقطنها 2 مليون شخص قبل اندلاع الحرب أكبر 5 مرات من أي مدينة أخرى سيطر عليها مقاتلو تنظيم "داعش"، ويُنظر إلى المعركة من أجل السيطرة عليها على أنها حرب وجودية ستنهي وجود التنظيم الإرهابي في العراق وتزعزع من تواجده في سوريا المجاورة.
أما الحويجة التي يبلغ عدد سكانها نحو 200 ألف نسمة فهي مدينة إقليمية مهمة في حد ذاتها.
ويقول سكان تمكنوا من الفرار منها إن مقاتلي التنظيم الإرهابي فرضوا فيها حكما شديد القسوة وكلما اقتربت المعركة المنتظرة زاد عنفهم.
"الجميع يحاول الفرار".. هذا ما قالته إمرأة تدعى أم كمال في الخمسينيات من عمرها سبحت في أحد الأنهار إلى بر الأمان تحت جنح الظلام مع أبنائها الثلاثة مساء الثلاثاء الماضي، بينما كان مقاتلو "داعش" يطلقون النار عليهم من على الشاطئ.
أصيبت إمرأة كانت قريبة منهم إلا أن أم كمال وعائلتها وصلوا إلى البر في منطقة خاضعة لسيطرة قوات أمنية كردية.
ويقول من تمكنوا من الفرار إن الإرهابيين ازدادوا وحشية كلما اقترب الهجوم ونفذوا إعدامات يوميا وعُلقت الجثامين على أعمدة الكهرباء كتحذير لكل من يتحدى خلافتهم.
وحاولت أم يعقوب وهي إحدى سكان الحويجة أيضا الفرار في وقت سابق خلال فصل الصيف الحالي مع أفراد من عائلتها إلا أن مقاتلي "داعش" أمسكوا بهم.
وقالت "أعدموا ابن عمي أمامي وأمام أبنائي"، مضيفة أنها نجحت في ثالث محاولة لها للفرار من الحويجة ووصلت قبل شهر إلى منطقة واقعة تحت سيطرة الأكراد.
وفي ليلة واحدة الأسبوع الماضي، تمكن نحو 800 شخص من الفرار من الحويجة، ونُقل كثير منهم إلى مخيم قرب بلدة داقوق وهو أحد عدة مخيمات في المنطقة تتوقع وكالات الإغاثة أن تمتلئ عن آخرها مع انطلاق عمليات الموصل والحويجة العسكرية.
وقال مولد وارفا مدير مكتب منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف) في مخيم داقوق، "هذه بداية حالة طوارئ كبيرة نعد لها"، مشيرا إلى أنه من المتوقع نزوح نحو 200 ألف شخص خلال أول أسبوعين من القتال في الموصل ومحيطها، حيث يحشى عمال الإغاثة أن تسبب العمليات الثأرية من المقاتلين الشيعة المزيد من الذعر وتزيد الوضع سوءا.
وتقول أم كمال التي تعيش الآن في أمان مع عائلتها خارج الحويجة إنها تتطلع لليوم الذي يمكنها العودة فيه، مضيفة: "أريد أن أعود إلى منزلي وحياتي... ولكننا ننتظر.. الناس ينتطرون لمعرفة ما سيحدث في العملية العسكرية."
aXA6IDMuMTQ3LjgyLjI1MiA= جزيرة ام اند امز