في عيد الأم 2023.. كيف كرّم الإسلام الأمهات؟ (حوار)
تحتفي أغلب دول العالم بيوم الأم في 21 مارس/آذار من كل عام، وهو الحدث المعروف عربيا على نطاق واسع باسم "عيد الأم".
ورغم أن كل الوطن العربي يحيي عيد الأم في التاريخ السابق ذكره، فإن دول المغرب العربي تونس والجزائر والمغرب تحتفي بالأم في الأحد الأخير من شهر مايو/أيار.
وتعد مصر من أوائل دول الشرق الأوسط التي تحتقي بالأم في عيد أقيم بتاريخ 21 مارس/آذار 1956، عندما قامت إحدى الأمهات بزيارة الصحفي الراحل مصطفى أمين في مكتبه في صحيفة "أخبار اليوم" المصرية وقصت عليه قصتها وكيف أنها صارت أرملة وأولادها صغار، ولم تتزوج، وكرست حياتها من أجلهم حتى تخرجوا في الجامعة وتزوجوا واستقلوا بحياتهم وانصرفوا عنها تماما، فكتب مصطفى أمين وعلي أمين في عمودهما الشهير "فكرة" يقترحان تخصيص يوم للأم يكون بمثابة يوم لرد الجميل وتذكير بفضلها.
"العين الإخبارية" أجرت حوارا مع الدكتور السيد سليمان، من علماء الأزهر الشريف في مصر، تحدث خلاله عن مكانة الأم في الإسلام، وكيف كرمها الدين الشريف، وأبرز صور عقوقها التي لا يلتفت إليها كثيرون.
وإلى نص الحوار:
للأم مكانة عظيمة في الإسلام، حدثنا عن تكريم الدين الحنيف لها؟
كرم الإسلام الأم أعظم تكريم، ويتضح هذا في العديد من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية وما ورد عن الصالحين في هذا الشأن، ولا أدل على ذلك من أن سيدنا رسول الله استأذن ربه حتى يزور قبر أمه، وعندما زار قبرها تذكر ما كان للأم عليه من فضل وعطف وبكى ودعا الله سبحانه وتعالى لها كثيرا.
وهناك حديث ورد عن سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وربما يكون له ألفاظ متعددة، فكما ورد في حديث أن أحد الصحابة أراد أن يستأذن الرسول ليجاهد في سبيل الله، فقال له الرسول: "هل لك أم؟"، قال: "نعم يا رسول الله"، فرد الرسول: "الزم قدميها فثم الجنة"، وهذا يعني أن "الجنة تحت أقدام الأمهات".
وأيضا ما ورد عن أبي هريرة أنه إذا أراد أن يخرج من بيته ذهب إلى أمه وقال لها: السلام عليك ورحمة الله وبركاته يا أمي كما ربيتني صغيرا، فترد وتقول: وعليك السلام ورحمة الله وبركاته يا ابني كما بررتني كبيرا.
وماذا عن الآيات القرآنية التي كرم فيها الإسلام الأم؟
هناك العديد من الآيات القرآنية التي كرم الله عز وجل فيها الوالدين عموما، وجميعها تحدث أمر فيها بالإحسان إليهما باعتبارها أعلى وأرقى مراحل العبادات، ومنها:
- قول الله تعالى: "َوقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۚ إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا"، [الإسراء:23].
- وقوله: "وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا ۖ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا ۖ وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا ۚ حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَىٰ وَالِدَيَّ"، [الأحقاف:15].
- وقوله: "وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ" (الصافات: 102).
- وقوله عز وجل: "وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا"، [النساء:36].
- وقوله سبحانه: "قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ ۖ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ۖ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۖ " [الأنعام:151].
- وقوله جل شأنه: "وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لاَ تَعْبُدُونَ إِلاَّ اللّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا" (البقرة: 83).
- وقوله: "قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا* وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلاَةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا* وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا" (مريم: 30-32).
- وقوله جل وعلا: "وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا" (العنكبوت).
- وقوله تعالى: "رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَن دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا"، (نوح: 28).
لماذا "الجنة تحت أقدام الأمهات" في الإسلام؟
لأن الأم هي التي حملت وعاشت مرحلة من التعب والجهد والضعف والهوان خلالها، ثم لاقت ألما لا نظير له خلال طلق الولادة ثم الولادة، وبعد ذلك لم تبخل الأم عن صغيرها فأرضعته وربته وقامت على نشأته بشكل سليم، حيث وضع الله عز وجل في قلب الأم في كل الكائنات الحية عاطفة لا يمكن أن تكون موجودة في قلب الرجل.
هل هذا يعني أن للأم أفضلية عن الأب في الإسلام؟
الآيات القرآنية عندما تناولت هذا الموضوع تحدثت عن بر الوالدين، لكن الأحاديث التي فسرت القرآن الكريم وضحت أن للأم منزلة تفوق منزلة الأب، ولا يعني هذا أن نهمل الأب في مقابل بر الأم، لكن المعنى هو بيان الأكثر تعبا وإرهاقا وجهدا مع الأبناء.
وعن أبي هريرة قال: جاء رجل إلى رسول الله ﷺ فقال: يا رسول الله، من أحق الناس بحسن صحابتي؟، قال: أمك، قال: ثم من؟، قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أبوك (متفق عليه).
وما هي أبرز صور الإساءة للأم التي قد لا يلتفت إليها الناس؟
لا يجوز أن يعلو صوت الأبناء على صوت الأم، أو يتعدوا في حقها جسديا أو نفسيا، أو يفضل الابن مثلا زوجته أو أبناءه عليها، وغيرها من صور الإساءة التي تعد من عقوق الوالدين وهو حرام شرعا.
وهناك أحد الصحابة كان لا يأكل مع أمه رغم أنه كان أبر الناس بها، وعندما سئل عن ذلك قال: (أخاف أن آكل معها، فتسبق عينها إلى شيء من الطعام وأنا لا أدري، فآكله، فأكون قد عققتها).
وهناك واقعة أخرى عندما ذهب رجل إلى سيدنا عبدالله بن عمر رضي الله عنه، وقال له فيما معناه "إن لي أماً بلغ بها الكبر، وأنها لا تقضي حاجتها إلا وأنا وظهري مطية لها، وأوضئها، وأصرف وجهي عنها، فهل أديت حقها؟ قال: لا، قال: أليس قد حملتها على ظهري، وحبست نفسي عليها؟ قال: (إنها كانت تصنع ذلك بك، وهي تتمنى بقاءك، وأنت تتمنى فراقها).
البعض يرى أن عيد الأم احتفال دخيل على الإسلام أو بدعة، هل هذا صحيح؟
لا أرى الاحتفال بعيد الأم بدعة، بل على العكس أن نخصص يوما نحتفل فيه بالأم فهذا شيء مشروع لا حرج فيه، بل يجب أن نحتفل بالأم طوال السنة، وسيدنا رسول الله كان يحتفل بيوم مولده بصوم يوم الإثنين، وعندما سئل في هذا، قال هذا يوم ولدت فيه فكان يعبر بشكره لله على ذلك بالصوم.
وبالتبعية من يعبر عن شكره لأمه بكل طريقة ووسيلة مشروعة فهذا جائز، كأن يقدم لها هدية أو شيئا تطيب نفسها إليه وغيرها، وهذا يعد دربا من دروب بر الأم التي يدعو إليها الإسلام ويرغب فيها.
أما إذا كان التعبير عن الاحتفاء بالأم بطريقة غير مشروعة كأن يأتي براقصة للاحتفال بالمناسبة مثلا فهذا حرام شرعا.
ما النصيحة التي توجهها للشباب فيما يخص الاعتناء بالأم؟
أرى أن الأفضل من تخصيص يوم للاحتفال بالأم هو أن تكون موجودة مع أبنائها في حياتهم طوال العام، فلا يتزوج ويتركها تعيش بمفردها في بيتها الخاص دون أن يكون معها أحد من الأبناء لأن هذا لا يجوز شرعا ويعد هذا عقوقا للوالدين.
وفي حال اختارت هي أن تجلس في بيتها دون أحد معها، فعلى أبنائها أن يزوروها طوال الوقت ولا تترك بمفردها وحيدة، ويذهبوا إليها ويقضوا حاجتها، مع الالتفات إلى أن كل العقوبات مؤجلة إلى يوم القيامة إلا عقوق الوالدين فإنه معجل في الدنيا قبل الآخرة.
aXA6IDE4LjIxNy4yMzcuMTY5IA== جزيرة ام اند امز