أمهات في مواجهة الزلزال.. تضحيات تتحدى الموت بـ"لحظات الكارثة" (خاص)
ترفض ريفال إفلات يد شقيقها سليمان، تتمسك به بشكل دائم، بعد أن نجيا معاً من كارثة انهيار بناء مؤلف من 5 طبقات.
خسرت ريفال وسليمان في الكارثة والديهما وشقيقتهما الكبرى، في مدينة جبلة الساحلية، التي شهدت انهيار مبان عديدة خلال الزلزال الذي ضرب تركيا وسوريا.
لم تتقن الطفلة البالغة من العمر سنتين الكلام بعد، إلا أنّ ما تفصح به عيناها كفيل بشرح هول ما جرى خلال لحظة الانهيار، الأمر الذي رواه شقيقها سليمان البالغ من العمر 4 سنوات بعد يومين من الحادثة، حيث ضحّت والدتهما بنفسها لينجوا.
تقول جدة الطفلين السيدة أميرة داغر، التي كانت تشاهد انهيار البناء الذي تعيش فيه ابنتها أمام عينيها: "حدث الأمر بسرعة، كان المبنى يتمايل بشدة قبل أن يهوي، كان المطر غزيراً، والجو عاصفاً، والسماء تبرق وترعد، صليت وتمنيت ألا يكونوا أصيبوا بمكروه، لا أذكر كم مرّ من الوقت قبل أن يأتي الجيران ويخبرونا أنّ عائلة ابنتي أصبحت تحت الأنقاض".
لم ينج من المبنى كله إلا 5 أشخاص فقط، منهم أم اسمها دارين نجت مع طفلتيها، كما أخبرتنا الجدة، والطفلان اللذان يعيشان الآن في منزلها مقابل المبنى المنهار الذي كانوا يقطنونه.
تمسح السيدة رأس حفيديها وتقول لـ"العين الإخبارية": "خلال لحظة أصبحا يتيمين، أتساءل إن كنت وأخوالهما نستطيع تعويضهما عن شيء من حنان والديهما".
بعد تعرضه لصدمة شديدة جراء هول الكارثة، فقد الطفل سليمان قدرته على النطق نحو يومين، قبل أن يشرح بلغته الطفولية، أن "عاصفة قوية هبت، بدأ البيت يتأرجح، قامت أمي بحملنا أنا وريفال وحاولت الهرب، كانت أختي ميرال وراءنا تمسك بها كما أمرتها أمي ان تفعل أثناء جرينا، وعند وصولنا إلى الدرج، سقط جدار كبير فوقنا، لقد جاءت العاصفة وأخذت عائلتي، أصبح المكان مظلماً ولم نعد نرى شيئاً".
تقول الجدة، إنه وخلال عمليات البحث التي تلت الفاجعة، عُثر على الطفلين بجوار والدتهما (رزان العسلي) وشقيقتهما (ميرال) اللتين فارقتا الحياة، تصمت برهة، تقاوم دموعها من الانهمار، وتضيف: "عاش ولداها، وماتت هي وابنتها وزوجها ووالد زوجها الذي كان عندهم". لم يعثر على جثة الزوج (عروة سعود) في البداية، قبل أن يكتشف الجميع أن فرق الإنقاذ قاموا بإخراجه ونقله إلى برادات المستشفى، حيث تعرفت العائلة عليه بعد يومين".
حكاية الطفلين، هي واحدة من مئات الحكايات المماثلة التي شهدتها أربع محافظات سورية ضربها الزلزال في السادس من الشهر الحالي (إدلب وحلب وحماة واللاذقية)، ومن عشرات الحكايات التي شهدتها جبلة التابعة للاذقية، والتي تسبب الزلزال بدمار كبير فيها.
كذلك، تعتبر حكاية أمهما التي فارقت الحياة خلال محاولة إنقاذ العائلة، واحدة من مئات الحالات المشابهة، في بعضها تمكنت الأم من إنقاذ أطفالها، وفي بعضها الآخر فقدت حياتها خلال رحلة الوصول إلى بر الأمان، بينما تبقى معظم حكايات اللحظات الأخيرة للعائلات التي قضت تحت الركام مجهولة، بعد وفاة جميع من عاشها.
من بين تلك الحكايات، قصة السيدة سوزان، التي خسرت ابنها إثر انهيار المبنى الذي كانت تعيش فيه في جبلة، غير أنها تمكنت من إنقاذ ابنها الآخر، وجنين في أحشائها.
يروي معارف للسيدة التي تعيش حالة نفسية صعبة، حيث تمر هذه الأيام الذكرى الثانية لميلاد ابنها الذي فارق الحياة، وكانت تستعد للاحتفال به، أنها حملت طفليها تحت ذراعيها، وتحاملت على نفسها وحاولت الهرب بهما، حيث تمكنت من إنقاذ أحدهما، وفقدت الآخر.
وخلال جولات عدة على المناطق المنكوبة، روى أهالٍ ورجال إنقاذٍ حكايات عديدة عن ضحايا عثر عليهم تحت الأنقاض وهم يحتضنون بعضهم، بينهم عشرات الحالات لأمهات عثر على أبنائهن تحت جثثهن، حاولن احتضانهم، وبذلن حياتهن فداء لهم، كما تم تسجيل حالات نجاة لكثيرين قامت أمهاتهم بحمايتهم، بينهم سيدة قامت بإدخال أبنائها إلى خزانة الملابس، وجلست معهم فيها، حيث قاومت الخزانة الركام عندما هوى مبناهم بأكمله، وخرجوا من الزلزال سالمين، وأخرى رمت بنفسها مع رضيعها من الشرفة ونجيا، وثالثة كانت كلماتها الأخيرة قبل أن تفارق الحياة: "ابنتي هنا، أخرجوها أرجوكم"، وبالفعل أنقذت الطفلة.
وبينما تقطن آلاف العائلات في دور إيواء موزعة على المحافظات المنكوبة الأربع، يعيش كثير من الناجين سواء ممن انهارت بيوتهم، أو أصبحت آيلة للسقوط، في منازل الأصدقاء أو الأهل أو فاعلي الخير، كما يعيش العديد من الأطفال الذين أصبحوا يتامى في منازل أقربائهم، مثل حكاية الطفلين ريفال وسليمان.
تقول جدة الطفلين التي تدرك حجم الصدمة النفسية التي يعيشها حفيداها: "لا يجرؤان على النوم حيث تطاردهما الكوابيس، كذلك يخشى سليمان الطقس، لم يتمكن من التفريق بين العاصفة والزلزال"، وتتابع: "اليوم ومع كل هزة ارتدادية تحدث يبدأ بالصراخ والبكاء، يردد بكل هلع: أجت العاصفة أجت العاصفة، أجت تموتنا كلنا، بينما تمسك ريفال بيده بكل قوتها، وكأنها ترى فيه منقذها وسط كل هذا الرعب"، وتضيف الجدة بعد أن تغلبها الدموع: "كيف يمكنني أن أشرح لطفلين عاشا وشاهدا كل هذا الرعب، وفقدا والدهما وحنانه وأختهما الكبيرة وأمهما التي كانت تحتضنهما ما جرى؟".
aXA6IDMuMTQuMTMyLjQzIA== جزيرة ام اند امز