إحالة أوراق 8 من قيادات الإخوان مؤخرًا، إلى مفتي الديار المصرية، بينهم مرشد التنظيم محمد بديع، لأخذ الرأي الشرعي في حكم الإعدام، هي استفتاء جديد على شرعية التنظيم أولا وعلى استخدام قادته للعنف ثانيًا.
فقد سبق ووجهت إدانات سياسية وأمنية وشعبية وقضائية أيضاً لاستخدام الإخوان للعنف؛ وفق معطيات تتعلق إما بالممارسة وإما بالتحريض عليه.
تجليات هذا الاستخدام ظهرت في أوائل الأربعينيات من القرن الماضي وتحديداً بعد المؤتمر الخامس الذي عقده المؤسس الأول للتنظيم في عام 1939، حيث تم إنشاء ذراع عسكرية للجماعة تحت اسم "النظام الخاص"، وبعد عام 2013 كان من ثمرته إنشاء مليشيات مسلحة مثل حركتي "سواعد مصر.. حسم" و"لواء الثورة".
لن يتورط الكاتب في التعليق على الأحكام القضائية، لكنه سيبحث عن دلالات هذه الأحكام وتأثيرها على التنظيم الذي صنفته السلطات المصرية جماعة إرهابية في أواخر عام 2013، فتم تجريمه بصورة رسمية.
هناك عدة أشكال للتقاضي، يحق فيها للمتهم أن يعترض على الحكم الصادر في حقة أمام محكمة النقض، أعلى محكمة مصرية، وفي درجات تقاضٍ أخرى أمام نفس المحكمة التي تنظر القضية، بعدها تُصبح الأحكام نافذة ولها قدسية القانون، وتشرع بعدها السلطات في تنفيذها.
حكم الإعدام الأخير الصادر في حق مرشد الإخوان وآخرين يعود لمحاكمة استمرت عشر سنوات كاملة، ثم أعطت المحكمة حقًا للمتهمين وهم: محمد بديع، ومحمد البلتاجي، وصفوت حجازي، ومحمود عزت، وعمرو زكي، وأسامة ياسين، وعاصم عبد الماجد، ومحمد عبد المقصود، حق الطعن على الحكم أمام محكمة النقض في غضون شهرين من صدور الحكم.
وهنا تُعطي السلطة القضائية الحق الكامل للمتهم في الدفاع عن نفسه والتقاضي أمام أكثر من محكمة حتى إذا صدر الحكم يكون واجب النفاذ، ولا يجوز الاعتراض عليه بأي صورة مكتوبة أو مسموعة أو مرئية أو بخلاف ذلك، خاصة أن السلطة القضائية ليست لديها مصلحة في تجريم أو تبرئة متهم، بقدر سلطاتها وحقها في تطبيق القانون.
سبق وصدرت أحكام إعدام في 14 يونيو/حزيران من عام 2021 بحق 12 مذنبًا من قيادات جماعة الإخوان، ورغم مرور قرابة عامين على صدور الحكم النهائي على المذنبين من قبل محكمة النقض، إلا أن السلطات لم تنفذ الحكم على الأقل حتى كتابة هذه السطور، خاصة أن تنفيذ هذه الأحكام يتطلب تصديق رئيس الجمهورية، بعدها تقوم النيابة العامة وقطاع السجون بتحديد موعد التنفيذ في حضور مأمور وطبيب السجن.
أوغل الإخوان في دماء الأبرياء، سواء من خلال تحريض القيادات لشباب التنظيم على ممارسة العنف أو مواجهة السلطات الأمنية، مما ترتب عليه قتل ضباط الشرطة والجيش وبعض المدنيين أو المختلفين معهم. ويتحمل الإخوان جزءًا من مسؤولية الدماء التي أريقت طيلة السنوات العشر الأخيرة، عبر ممارسة العنف أو التحريض عليه، وهذا كان دور الإخوان المحوري في الكثير من حوادث العنف التي أعقبت فض اعتصام رابعة العدوية.
مشكلة الإخوان لا تختلف كثيرًا عن مشكلة تنظيمات الإسلام السياسي الأكثر تطرفًا؛ فكل هذه التنظيمات مارست العنف وأصلت له ثم ادعت بعد ذلك أنه كان بمثابة رد فعل على بعض الممارسات السياسية، رغم أنها مارست هذا العنف مع سبق الإصرار والترصد من خلال إعطائه صبغة شرعية.
هذا جزء من تدليس الإخوان والجماعات الإرهابية التي تمارس العنف، فهي ليس عندها ولا لديها مشكلة في قلب الحقائق والكذب باسم الدين، فهل تتورع هذه التنظيمات في الكذب وهي تقتل النّاس؟
السلطة السياسية لا تتدخل في عمل القضاء المصري بدليل أن القضية التي صدر فيها حكم بإحالة أوراق مرشد الإخوان وآخرين إلى مفتي الديار المصرية ظلت منظورة أمام القضاء عقدا كاملا من الزمن، والحكم سيكون محجوزًا للحكم في 20 سبتمبر/أيلول المقبل، فضلًا عن ما تمت الإشارة إليه سابقًا من أن السلطات لم تنفذ حكم الإعدام على آخرين؛ بينهم متهمون في نفس القضية رغم صدور حكم إعدام نهائي قبل عامين!
هذه الأحكام هي استفتاء جديد على علاقة الإخوان بالعنف، أجرته السلطة القضائية التي سبق وأدانت الإخوان مئات المرات بممارسة العنف بعد محاكمة وتحقيق استمر سنوات طويلة، في كل مرة يعترف خلالها المذنبون بالجرائم.
وبالمناسبة، فإن قيادة الجماعة تنفي عن نفسها تهمة الممارسة أو التحريض، رغم أنها تقوم بالدفاع عن المتهمين من قبل محامي الجماعة، كما حدث في أول انقلاب عسكري قامت به الجماعة من خلال شبابها في عام 1977.
عاش المصريون أحداث العنف التي شاركت فيها الجماعة إما بالممارسة وإما بالتحريض؛ ففصول هذا العنف كانت قريبة الزمن وما زالت الجماعة تُحرض عليه، وهنا يمكن القول: إن الحكم أجلى هذه الحقيقة التي ما زالت عالقة بالذاكرة المصرية والعربية.
وباتت خيارات الإخوان في القفز على الأحكام القضائية أو محاولة تشويه السلطة السياسية بلا جدوى؛ فالأحكام الصادرة في حقهم مجرد انعكاس لواقع عاشه المصريون وباتوا شهوداً عليه، وهو ما سوف يؤثر على بقاء التنظيم بعدما لفظ أنفاسه شعبيًا وسياسيًا والحكم يؤكد أنه بات يلفظ أنفاسه قضائيًا أيضًا.
يرتدي الإخوان البدلة الحمراء استعدادًا لتنفيذ أحكام الإعدام بعد أن بات مصيرهم معروفًا، أتيحت لهم فرصة الدفاع عن أنفسهم عبر محاكمة استمرت 10 سنوات وما زال أمامهم حق الطعن على الحكم، بعدها يبقى قرار تنفيذ هذه الأحكام أو تخفيفها أو العفو عنهم بيد رئيس الجمهورية.
سبق وارتدت الجماعة البدلة الحمراء، لكنها بدلًا من التخلص من الدماء التي علقت بها، استخدمت أحكام الإعدام الصادرة بحقها في اللعب على وتر المظلومية وخلق ثأر جديد دفع التنظيم وشبابه وقياداته بعد عشرات السنين للعنف، الذي بات جزءًا أصيلًا من البناء التكويني والوجداني والمعرفي للتنظيم الذي لن يتخلى عنه مهما طال عمره.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة