كتائب الظل الإخوانية.. "العين الإخبارية" تفتح دفاتر الدم لقراءة طالع السودان
أزمة أشعل فتيلها تنظيم الإخوان، وحاول النفخ في كيرها، لعلها تقوده مرة أخرى إلى الحكم، غير عابئ برغبات شعبية نزعته من السلطة رغما عنه.
وكديدن التنظيم الإرهابي في لجوئه إلى العنف سبيلا، للانقلاب والالتفاف على أي إقصاء شعبي له من سُدة الحكم، لم تكن الأزمة السودانية بدعا، فحاول "الإخوان" استخدام أذرعه المليشياوية لـ"إرهاب" السودانيين.
أذرع بدت في زي رسمي، مما أثار القلق والخوف لدى السودانيين الذين فاضت ذاكرتهم بمواقف "أليمة"، كانت مليشيات الإخوان المتهم والمحرك الرئيسي لها.
فما القصة؟
انتشرت صورة على مواقع التواصل الاجتماعي لشخص يرتدي زيا عسكريا ويحمل سلاحا متطورا، قال مغردون إنها تعود لأحد قادة "كتائب الظل الإخوانية المسلحة".
ورغم أن بيانا رسميا صدر، زعم أن الصورة للضابط الحارث مبروك جبريل من دفعة (70 ثانويين)، إلا أن ذلك لم يبدد مخاوف السودانيين، الذين يرقبون الجدل المثار حول انضمام كتائب الإخوان المسلحة إلى قوات "الاحتياطي المركزي" أحد أفرع الشرطة السودانية المعنية بفض الاشتباكات والشعب في المدن، مما يعني عودة شبح الاغتيالات والتصفية السياسية والقتل على الهوية.
مخاوف نكأت جراح تجربة 40 عاما مع "الكيزان"، ثلاثين منها في الحكم وعشرة أعوام قبلها، مارسوا فيها شتى صنوف الإرهاب ضد المجتمع السوداني.
فماذا نعرف عن كتائب الظل؟
"كتائب الظل" هي مجموعات عقائدية أسسها حسن الترابي، في مطلع ثمانينيات القرن الماضي، اختار عناصرها من بين المنتسبين للحركة الطلابية، ليحاكي الحرس الثوري الإيراني.
أطلق عليها اسم "قوات الأمن الشعبي"، وبدأت نشاطها بجمع المعلومات وتصنيفها، ثم تطورت لاختراق الأحزاب والتجسس على المعارضين وتهديدهم، بعدها كونت مجموعات متخصصة في الاغتيالات وملاحقة المعارضين السياسيين.
أسماء متعددة والغرض واحد
مع مرور الوقت بدأت هذه الكتائب تزداد قوة ونفوذا، حتى وصل عددها مؤخرا لأكثر من 100 ألف عنصر، وأسند إليها مهام أكثر تعقيدا، مثل عمليات القتل الممنهجة خارج إطار القانون، وإخماد الثورات الشعبية أو حركات الانتفاضة الطلابية.
وشاركت بعض تلك الكتائب في حروب السودان الأهلية سواء في الجنوب أو في دارفور أو القضارف أو غيرها من الأماكن التي أشعلوا فيها فتنة دينية بين السودانيين.
ونظرا لتعدد مهام تلك الكتائب ومخافة أن يستبد الترابي بالسيطرة على المليشيات المسلحة الموازية للجيش، أسس الرئيس السوداني السابق عمر البشير جهاز الدفاع الشعبي، وهو تشكيل شبه رسمي، تكون من مليشيات إسلامية، ودمج فيه العديد من المليشيات القبلية والجهوية، حتى وصل عدد سراياه 25 سرية، وتجاوز عدد المنضمين إليه أكثر من 15 ألف عنصر.
في السياق نفسه، أسس النظام السابق ما يعرف بـ"ألوية الدروع" وأشهرها كتائب "الأهوال" و"الأنفال" و"الدبابين"، وكذلك "درع السودان" في منطقة بجبال الغر بسهل البطانة وسط البلاد بقيادة أبوعاقلة محمد أحمد كيكل، و"قوات كيان الوطن" بقيادة الصوارمي خالد سعد، و"درع الشمال" والتي تضم عناصر من القبائل شمال السودان، و"درع الوطن" وتضم عناصر قبلية من وسط السودان، و"درع التحالف" وهي ذراع مليشاوية لـ"التحالف الأهلي لاسترداد الحقوق" بولاية نهر النيل، و"مليشيا الجموعية" وهي لقبائل موالية للإخوان في أم درمان.
كما أسس جهاز "الأمن الطلابي" وهو جهاز غير رسمي يتبع تنظيم الإخوان، يتم تسليحه وتمويله لقمع الاحتجاجات الطلابية بشكل أساسي.
وشارك هذا الجهاز في قمع الاحتجاجات في البلاد بشكل عام، وتنسب له الكثير من "الفظائع" في قتل الطلاب وإلقاء القبض عليهم وسجن بعضهم أحيانا في معتقلات خاصة بالإخوان.
وزرع الإخوان عناصر ذلك الجهاز في أوساط المتظاهرين، الذين كان يشكل الطلاب ومن هم في سن الدراسة الجامعية غالبيتهم العظمى، والذين طالبوا بالإطاحة بالبشير.
آلية عمل الكتائب
تعمل بعض هذه الكتائب بشكل مباشر في أجهزة أمنية رسمية، فيما تعمل الأخرى في وظائف مدنية في المؤسسات العامة، أو في الشركات التابعة للتنظيم.
وتتولى أجهزة سرية حزبية شديدة الخطورة عمليات تدريبهم عسكريا وعقائديا، حيث يكونون أكثر ولاء للتنظيم.
قادة المليشيات
تولى حسن الترابي قيادة تلك الميلشيات المسلحة ليخلفه عمر البشير، الذي أوكل المهمة لنائبه الأول علي عثمان طه، ليدير كتائب الظل عبر شبكة من قادة الأجهزة السرية المتسترين بوظائف في العديد من مؤسسات الدولة المدنية والأمنية.
بعدها أسس طه هيكل اللجنة الإدارية العليا لهذه المليشيات المسلحة، بينهم نافع علي نافع مساعد البشير، وعوض الجاز وعلي كرتي.
وأسند لـ"كرتي" عملية التلقين الأيديولوجي، فغرس في تلك المليشيات مبدأ القتل على الهوية، وحوّل الانتماء للسودان إلى الانتماء للتنظيم ذاته، كما أسند العمل الميداني إلى والي جنوب كردفان السابق أحمد هارون.
وأسس كرتي شبكة مالية باقتصاديين تابعين لـ"الكيزان" تدير ميزانية كتائب الموت الأسود، وشركات يقدر عددها بأكثر من 200 تدير العديد من الأنشطة التجارية والخدمية.
أبرز اقتصاديي تلك الشبكة عبدالله إدريس، وهو رجل أعمال ينشط في مجال التحويلات من خلال شبكة من الصرافات التي يديرها أو يساهم فيها.
ووفقاً لتقارير سودانية فقد ارتبط اسم إدريس بصفقات غسل أموال ضخمة بالتنسيق مع مجموعة من الصوماليين، والقيادي الإخواني طارق حمزة الذي أصبح أحد الممولين الرئيسيين لتلك الكتائب، عبر ترؤسه الشركة السودانية للاتصالات، وترؤسه مجلس إدارة بنك المال المتحد.
تاريخ ملطخ بالدماء
لم تكن مخاوف شعب السوداني من عودة كتائب الظل سدى، فهذه الكتائب "ملطخة بدماء الأبرياء"، سواء التي أريقت في دارفور خلال الفترة من 2003 وحتى 2010، أو في ساحات القتال في جنوب السودان من تسعينيات القرن الماضي وحتى 2011، أو التي أريقت في جبال النوبة والنيل الأزرق.
ولم تستطع ذاكرة الوعي الجمعي السوداني أن تنسى أو تتناسى قتل تلك الكتائب المسلحة المتظاهرين في فترات مختلفة من حكم الإخوان، أهمها انتفاضتا ديسمبر/كانون الأول 2013 وديسمبر/كانون الأول 2018.
إلا أن تورط التنظيم في قتل المتظاهرين المعتصمين أمام مقر القيادة العامة للجيش في الخرطوم عام 2019، بأوامر من علي عثمان طه النائب الأول للرئيس السوداني -آنذاك-، ستظل ماثلة في أذهان الشباب قبل العجائز.
ذلك الماضي المُلطخ بالدماء جعل من المنطقي أن يتحسس السودانيون رؤوسهم، عقب تداول أنباء عن انتشار "كتائب الظل" في العاصمة السودانية، سواء بزي مزيف أو رسمي، كونها أوقعت مئات القتلى، بينهم طلاب جامعات ومدارس وأطباء ومهندسون وعمال وموظفون من مختلف الفئات العمرية والعرقية، خلال العقود الثلاثة الماضية.