القوات المسلحة المصرية تعلن السيطرة الكاملة على منطقة جبل الحلال بشبه جزيرة سيناء وتواصل عمليات التطهير.
تواصل القوات المسلحة المصرية عمليات التطهير الواسعة بمنطقة جبل الحلال بشبه جزيرة سيناء، بعد السيطرة عليه من أيدي الجماعات الإرهابية.
بوابة "العين" الإخبارية تستعرض كيف تحولت المنطقة إلى مغارة إرهابية وكيف تغلبت السلطات على بنود اتفاق كامب ديفيد التي تحد من حجم التسليح فيها.
جبل الحلال، الذي تحول إلى مغارة للإرهاب في السنوات القليلة الماضية، يقع بشمال شبه جزيرة سيناء، على مسافة 60 كيلومترا مربعا إلى جنوب مدينة العريش ويضم منطقة وادي عمرو على الحدود المصرية الإسرائيلية، منطقة القصيمة.
كلمة الحلال لدى بدو سيناء كغيرهم من بدو المنطقة العربية تعني (الغنم)، ولأن الأغنام أحد المراعي الأساسية لهم، فسُمّيت المنطقة بهذا الاسم رغم أنها في الواقع أقرب لمجموعة من الهضاب، ونظرا لهذه الطبيعة الطبوغرافية الحادة، يعيش الأهالي في عشش أو كهوف حفروها بالجبال لحمايتهم من العواصف والرياح.
طبوغرافية حاضنة للإرهاب
ليس وعرا وحسب، بل إن الدروب المؤدية إلى منطقة جبل الحلال كثيرة، ويصعب على أحد دخولها أو معرفة اتجاهاتها إلا من قِبَل السكان أنفسهم، فهو يمتلئ بالكهوف والوديان وبمغارات وشقوق يصل عمقها أحيانا إلى 300 متر. وربما كانت هذه واحدة من الأفكار التي ذهبت إليها عقول عناصر الإرهاب، فصاروا يتخذون من كهوف المنطقة وشقوقها مأوىً لهم أيضا.
تمتد منطقة جبل الحلال لنحو 60 كم من الشرق إلى الغرب، وترتفع نحو 1700 متر فوق مستوى سطح البحر، وتقع برُمّتها ضمن المنطقة «ج» التي أفردت لها بنودا خاصة جدا في اتفاق كامب ديفيد الشهير بين مصر والمحتل الإسرائيلي، فجعلتها منطقة منزوعة السلاح خالية إلا من قوات الشرطة، إلا أن الضرورة الأمنية قضت بمواجهة الإرهاب الذي تمكن من جبل الحلال.
الترابين والتياهة، القبيلتان الأشهر في تلك المنطقة وتسيطران عليها مناصفًة، وهما المسؤولتان أمام الدولة عن حماية جبل الحلال، فهما تحاولان بمساعدة الدولة التخلص من العناصر الإجرامية والإرهابية في التصدي لها.
تحول لمغارة إرهابية
لم يعد أفراد بدو سيناء هم من يسكنون كهوف الجبل، فقد وصلت العناصر الإرهابية إلى مرحلة الإعلان عن نفسها صراحة في بعض المواقف التي تصورت فيها أن شوكتها قد قويت، وأنها ستحول أرض شبه جزيرة سيناء إلى ما أطلقوا عليه "إمارة إسلامية".
وفي أكثر من مقام، أعلن ما يسمى بتنظيم "ولاية سيناء" الإرهابي مسؤوليته عن أحداث إرهابية تم تنفيذها بالمنطقة، وهو التنظيم المعروف أيضاً بأنصار بيت المقدس.
هذا الوجود الإرهابي كان له أصلاً تاريخ ساعد على تحويل جبل الحال لمغارة يحتمي بها الإرهاب.
يقول الخبراء الأمنيون، إن جبل الحلال يمثل ملاذا آمنا للإرهاب وعصابات تقوم بتجارة البشر، بالإضافة إلى وجود جماعات لهم توجهات مختلفة وتوجد عصابات متعددة الجنسيات، فمنهم الجماعات الجهادية وأخطرهم تهريب البشر.
والجبل أصبح ملاذاً للخارجين عن القانون لعدة أسباب؛ أهمها أن تكوين الجبل من الحجر الجيري، ونتيجة لأن منطقة سيناء ممطرة في الشتاء، فيصنع الجبل كهوفاً ومغارات طبيعية، فيُصبح مأوى للهاربين.
بعض التنظيمات التكفيرية التي هربت أواخر التسعينيات من ملاحقات الأمن في مناطق الفيوم وبني سويف جنوبي القاهرة فرّت إلى هذه المنطقة، وحين وقعت خلافات داخل تنظيم الجهاد المصري أواخر التسعينيات أيضًا، فرّ الأشد تطرفًا في التنظيم إلى سيناء أيضا، وكانوا يعرفون آنذاك باسم التكفير والجهاد، ووجد تجار سلاح ومهربو بشر ومخدرات ملاذا آمنا في المنطقة لضعف التواجد الأمني بها نتيجة لأحد بنود اتفاقية كامب ديفيد، التي تجعل ضمن المنطقة (ج) محدودة التسليح.
13 سنة إرهابا تنتهي بانتقام النسور
رغم أن اسم جبل الحلال لم يذع صيته إلا مؤخرًا، إلا أن الإرهاب يسكنه منذ 13 عاما بدأت شهرة الجبل عام 2004، تحديدًا في شهر أكتوبر، بعد أحداث تفجيرات طابا والتي استهدفت فندق هيلتون طابا ومخيمين سياحيين في منطقة رأس شيطان ومدينة نويبع جنوب سيناء، وبعدها حاصرت قوات الأمن جبل الحلال لاشتباه اختباء المتورطين في الأحداث هناك، ووقعت اشتباكات قوية بين الشرطة وبعض أفراد الجماعات والتنظيمات الجهادية قُتل فيها سالم الشنوب المسؤول العسكري لتنظيم التوحيد والجهاد.
بعد أقل من عام، تكرر المشهد مرة أخرى في تفجيرات شرم الشيخ 2005، والتي تعتبر أشد الأعمال الإرهابية التي وقعت في مصر خلال السنوات الأخيرة، حيث استهدفت منطقة السوق القديمة (البازار)، فندق الموفينبيك، فندق غزالة جاردنز بخليج نعمة، وبلغ عدد ضحايا الحادث أكثر من 80 قتيلاً وعشرات الجرحى من المصريين والأجانب.
وأصبح جبل الحلال مسرحاً للمواجهات بين الشرطة المصرية والمطلوبين في تفجيرات طابا وشرم الشيخ، حيث شهد الجبل مواجهات دامية وسقوط قتلى وطائرات وتفجير دبابات، كما وقعت مواجهات دامية وعنيفة بين قوات الشرطة وتنظيم التوحيد والجهاد، الذي اتخذ الجبل المنيع حصناً له، لكن المواجهات انتهت بعشرات القتلى من الشرطة، وبتصفية كاملة لأعضاء التنظيم.
وبعد الهجوم على الجنود المصريين في مذبحة رفح في رمضان 2012، والذي راح ضحيتها 16 من أفراد القوات المسلحة المصرية، كانت شرارة الانتقام الأغرب، فهي الشرارة التي لم تنطفئ حتى الآن، حيث انطلقت القوات المصرية في أضخم عملية عسكرية بسيناء والأكبر منذ استرجاعها، هي العملية نسر المستمرة ضد الإرهاب في سيناء.
كسر قيد كامب ديفيد بالاتفاق
في الفترة التي بدأ يعلو فيها صوت الإرهاب في سيناء في أعقاب ثورات الربيع العربي، أعلنت إسرائيل توصلها لتفاهمات أمنية مع الجانب المصري، بموجبها تم إدخال قوات مسلحة إلى سيناء، بالإضافة إلى عتاد من الدبابات ومعدات ثقيلة إلى شمال سيناء، وأشارت صحيفة (هارتس) الإسرائيلية آنذاك إلى أن هذه الخطوة بمثابة اتفاق ثنائي بين البلدين على تخطي حاجز بنود اتفاقية كامب ديفيد، نظرا للمصالح المشتركة بينهما.
ورغم المخاوف الإسرائيلية السابقة، إلا أن المصلحة الإسرائيلية تحتم عليها الموافقة على الخطوات السابقة، نظرا للفوائد التي ستعود على الجانب الإسرائيلي أيضا من وراء القضاء على التنظيمات الإرهابية في سيناء، وفقا لرؤية عدد من المراقبين للأحداث.
مضبوطات جبل الحلال
لم تكتف المؤسسة العسكرية المصرية بنشر أرقام عن مخازن للسلاح تم تدميرها أو تكفيريين تم اصطيادهم قتلا أو أسرا أو أفدنة مخدرات تم حرقها، بل حرصت على مدار الشهور الماضية وبعد كل عملية عسكرية في جبل الحال على نشر صورا فوتوغرافية تستعرض انتصاراتها على تنظيمات إرهابية كانت تخطط لاستيطان شبه الجزيرة ومن قلب جبل الحال.
فطوال فترة المداهمات التي شنتها القوات المسلحة المصرية على جبل الحلال، عثر الجيش على مفاجآت كثيرة ومُفزعة، من أبرزها أجهزة ومعدات اتصال حديثة فضلاً عن مادة متفجرة لا يملكها سوى عدد محدود من الجيوش النظامية العالمية وهي "مادة السي 4" شديدة الانفجار، فضلاً عن عدد ضخم من الأفدنة المزروعة بالنباتات المخدرة، ومخازن الأسلحة، بل مخازن لعبوات متفجرة وعربات الدفع الرباعي وكثير من المضبوطات.
محطة السيطرة
سجلتها هذه الساعات الأخيرة من شهر مارس/آذار بعام 2017، فقد أعلن الجيش المصري، الأحد، سيطرته على جبل الحلال في سيناء، وهو أخطر مكان وحصن للإرهابيين والدواعش، وتطهير معظم الكهوف والمغارات فيه.
وأكد اللواء محمد رأفت الدش، قائد الجيش الثالث الميداني، أنه تم التخطيط للعملية على عدة مراحل:
المرحلة الأولى: تجميع المعلومات بالتعاون مع الأجهزة الأمنية وأهالي سيناء الشرفاء عن جبل الحلال والمسارب والدروب المؤدية إليه، وأماكن تمركز وانطلاق العناصر التكفيرية، وتدقيق الدراسات الطبوغرافية لطبيعة الجبل، الذي يمتد لمسافة نحو (60) كم من طريق الحسنة بغداد وحتى قرية أم شيحان وبعمق نحو (200) كم تقريباً، ويتميز من الناحية الغربية، بالأرض ذات التعرجات الرملية الكثيفة التي يصعب سير العربات عليها، ومن الجنوب بالمنحدرات الحادة التي يصعب الدخول إليها بواسطة المركبات، ومن الشرق يمثل اتصاله مع جبل ضلفة عائقاً للمناورة، ومن الشمال يوجد العديد من الوديان الممتدة داخل جبل الحلال.
وقال إن المرحلة الثانية بدأت بفرض الحصار الشامل لطرق الاقتراب المؤدية للجبل من خلال الكمائن والارتكازات الأمنية، وإحكام السيطرة الكاملة على مداخل الجبل من جميع الاتجاهات بغرض منع دخول الإمدادات داخله ونفاد المخزون الإستراتيجي لدى العناصر الإرهابية وإجبارهم على مواجهة القوات أو الاستسلام.
وذكر أن المرحلة الثالثة تمت من خلال دفع (9) مجموعات قتال، كل مجموعة مسؤولة عن قطاع داخل الجبل بمهمة تمشيط، وقتال العناصر الإرهابية، واستمر عناصر الجيش الثالث الميداني لمدة 6 أيام متواصلة في أعمال التمشيط والاشتباك مع العناصر الإرهابية؛ مدعومين بنيران المدفعية والحماية الجوية.
aXA6IDMuMTMzLjE0NC4xNDcg جزيرة ام اند امز