تحركات القاهرة في الخرطوم.. جهود معلقة على "تجاوب سوداني"
وسط دوي المدافع وأزيز الطائرات بالسودان، تتحرك القاهرة على خط الأزمة إقليميا ودوليا ضمن جهود دؤوبة للتهدئة بين أطراف الصراع.
غير أن وقف آلة الحرب -وفق دبلوماسيين وخبراء سياسيين وأمنيين مصريين- بحاجة لتجاوب سوداني داخلي سريع مع جهود الوساطة، وتغليب مصلحة البلاد والسودانيين فوق أي اعتبار.
ورغم التحذيرات من وضع إنساني "كارثي"، تتواصل المعارك في السودان بين قوات الجيش وقوات الدعم السريع والتي دخلت أسبوعها الثالث وتصاعدت وتيرتها في العاصمة الخرطوم.
وفي أحاديث منفصلة لـ"العين الإخبارية"، حذّر خبراء من طول أمد الصراع، و"عواقبه الوخيمة" على الداخل السوداني وفي محيطه الإقليمي، في ظل سقف المطالب المرتفعة من طرفي الصراع، والإصرار على أن الحسم العسكري هو الحل، بينما "الجميع خاسر".
بلورة موقف موحد
وتعقيبا على التحركات والجهود المصرية لوقف آلة الحرب والعودة للمسار السياسي والتحديات التي تقف حائلا دون تحقيق ذلك حتى الآن، قال الخبير الأمني ومدير المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، خالد عكاشة، في حديث لـ"العين الإخبارية"، إن "الجهود المصرية للتهدئة لا تتوقف ولا تنقطع، حيث تنظر طوال الوقت للسودان كشريك استراتيجي، فضلا عما يجمع البلدين من علاقات تاريخية".
وأشار إلى أن الرئيس المصري حدد موقف القاهرة بوضوح بعدم انحياز مصر إلى طرف على حساب الآخر في السودان، حيث كانت القاهرة تستقبل كل الأطراف الموجودة فى المرحلة الانتقالية في السوادن.
عكاشة أشار إلى أن "مصر تعمل حاليا بدأب شديد على محاولة وقف إطلاق النار والجلوس على مائدة للتفاوض، عبر التنسيق مع بعض الدول العربية ودول الجوار ممثلة في الاتحاد الأفريقي، علاوة على وجود اتصالات دولية على مستوى عالٍ مع القاهرة للتوصل إلى التهدئة وبلورة موقف موحد"، داعيا الداخل السوداني إلى التجاوب السريع مع جهود الوساطة، لصالح الشعب السوداني.
وإذ أعرب عن أمله في أن تسفر الجهود عن وقف الاقتتال الدائر في السودان، قال مدير المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، إن نتائج هذه الجهود والتوصل لمبادرة واضحة المعالم لم تتضح حتى الآن، في ظل الانتهاك المستمر للهدنة التي يتم اعتمادها للأغراض الإنسانية وأغراض الإجلاء، وسط عمليات نزوح من المواطنين السودانيين عبر الحدود التي تمثل بلا شك عبئا كبيرا.
ونوه هنا إلى أن عامل الضغط في ملف النازحين من أبناء الشعب السوداني كبير، في ظل دخول أعداد كبيرة لمصر، وسط أوضاع اقتصادية عالمية ليست في أفضل حال.
الحل سوداني
هذا الأمر يجعل القاهرة تتحرك في كافة المسارات والاتجاهات، لكن بحسب "عكاشة" تبقى الكلمة في يد السودانيين، في مساندة مصر وغيرها من الدول في إتمام عمليات المصالحة وبلورة اتفاقية أو هدنة، مشيرا إلى أن "رمانة الميزان في كل هذا السودانيون وحدهم، لأنهم القادرون على حسم هذه الجهود بالتجاوب معها".
ودعا الخبير المصري أطراف الصراع إلى "تغليب مصلحة وطنهم ودولتهم فوق أي اعتبار، وعدم السماح لأي طرف أن يعبث بأمن بلادهم".
وحول الوضع الميداني، حذر "عكاشة" من أن "الحرب تتسع داخل السودان، وهناك مناطق أخرى مرشحة لامتداد الحرب إليها، في ظل عدم اكتمال منظومة الدولة الوطنية الموحدة التي تستطيع إدارة شؤون الدولة من العاصمة الخرطوم، فالمسألة تتسع وهذا ما تخشاه مصر"، متابعا: "من يدفع الفاتورة هو الشعب السوداني، خاصة أننا نتحدث عن معارك تدور في العاصمة تنهك البنية التحتية للسودان الهشة بطبيعتها".
وتسود حالة من الفوضى العاصمة السودانية منذ اندلعت المعارك في 15 أبريل/نيسان الماضي، ما أسفر عن سقوط 550 قتيلا على الأقل و4926 جريحا، بحسب البيانات الرسمية لوزارة الصحة التي يُعتقد أنّها أقلّ بكثير من الواقع.
التداعيات تطول الجميع
ولم تختلف رؤية وزير الخارجية الأسبق ورئيس المجلس المصري للشؤون الخارجية، السفير محمد العرابي، كثيرا عما ذهب إليه الخبير الأمني خالد عكاشة.
وقال العرابي، في حديث خاص لـ"العين الإخبارية"، إن الدولة المصرية لن تدخر جهدا من أجل دعم وحدة واستقرار السودان وحقن دماء الأشقاء السودانيين، وإنهاء الاقتتال الذي يشهده السودان حاليا.
وأشار "العرابي" إلى أن القاهرة تتحرك في القضية السودانية بحرص شديد، وهناك مبادئ عامة تحكم هذا التحرك، باعتبار أن الأمر شأن داخلي، لكنه في نفس الوقت لا نستطيع تجاهل الأمر، لأن تداعياته وآثاره ستصل الجميع وفي المقدمة مصر، مضيفا: "هناك حرص شديد على إنهاء هذا الاقتتال فورا، ووضع تصور للحل، وفي نفس الوقت إعطاء الفرصة للشعب السوداني، ليعيش حياة طبيعية حتى لا نرى عملية خروج نازحين بكثافة تؤدي إلى مشكلات فيما بعد".
ونبه وزير الخارجية الأسبق إلى ضرورة أن يرى الشعب السوداني من الجانبين المتصارعين ما يمكنه من استعادة الثقة فيهم، وهذا أمر صعب تحقيقه في المرحلة الحالية نتيجة الاقتتال بلا معنى، مردفا: "تقتضي الأمور نظرة مختلفة وسريعة من الأشقاء في السودان".
وحذر العرابي من أن طول أمد هذا النزاع من المؤكد أنه سيؤدي إلى عواقب وخيمة داخل الدولة السودانية، وهو ما عزاه إلى أن "سقف المطالب مرتفع بين الطرفين، ولا يوجد بينهما حوار مباشر، لكن عبر أطراف أخرى".
اتصالات ومباحثات
وأمس الأربعاء، بحث الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، مع رئيس مجلس النواب الأمريكي كيفن مكارثي، التهدئة بالسودان، بعد تواصل الاشتباكات المسلحة في السودان منذ 15 أبريل/نيسان الماضي، وفق بيان للرئاسة المصرية.
جاء ذلك على هامش زيارة غير محددة المدة لمكارثي بدأها الأربعاء، وسط تصعيد إسرائيلي بالأراضي الفلسطينية منذ أشهر، وتواصل الاشتباكات المسلحة في السودان منذ 15 أبريل/نيسان الماضي.
ووفق بيان الرئاسة المصرية، أكد السيسي "بذل مصر أقصى الجهد لدفع مسار الحوار السياسي السلمي في السودان الشقيق ووقف إطلاق النار وحماية المدنيين من التداعيات الإنسانية للنزاع".
واتهمت قوات الدعم السريع، اليوم الخميس، الجيش السوداني بقصف عدد من مواقعها بالمدافع والطائرات، وذلك بعد ساعات من موافقة الأخير على تمديد الهدنة لمدة أسبوع تجاوبا مع مبادرة منظمة الهيئة الحكومية للتنمية لدول شرق أفريقيا "إيغاد".
من ناحيته، أعلن الجيش السوداني تدمير عربات قتالية تابعة لقوات الدعم السريع استخدمت في هجوم على قيادة منطقة بحري العسكرية.