أمريكا في السودان..مآخذ الديمقراطية و"تدليل" الجنرالات
ساحة اختبار تواجهها إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن في السودان الذي يشهد لليوم العشرين قتالا مستعرا بين الجيش والدعم السريع.
هذا ما خلصت إليه صحيفة "نيويورك تايمز"، متسائلة كيف انتهت جهود الولايات المتحدة في توجيه السودان نحو الديمقراطية وصولا للصراع الحاصل حاليا.
فقبل أسابيع فقط، اعتقد الدبلوماسيون الأمريكيون أن السودان على وشك التوصل إلى اتفاق اختراق من شأنه أن يدفع انتقاله إلى الديمقراطية الكاملة، والوفاء بالوعود التي قُطعت في الاحتجاجات التي قادت إلى عزل الرئيس السابق عمر البشير عام 2019.
هل أخطأت واشنطن بشأن "الديمقراطية"؟
تقول الصحيفة "لقد أصبح السودان حالة اختبار مهمة في الهدف الأساسي للسياسة الخارجية للرئيس بايدن المتمثل في تعزيز الديمقراطيات في جميع أنحاء العالم".
لكن في 23 أبريل/نيسان الماضي، وجد الدبلوماسيون الأمريكيون الذين شاركوا في المفاوضات في السودان أنفسهم فجأة يغلقون السفارة ويخرجون من الخرطوم في رحلات مروحية ليلية سرية مع اندلاع حرب أهلية محتملة في البلاد، وفق "نيويورك تايمز".
والآن يكافح مسؤولو إدارة بايدن وشركاؤهم لجعل جنرالي السودان المتحاربين يلتزمان بوقف إطلاق النار الهش وإنهاء الأعمال العدائية، حيث تقوم الحكومات الأجنبية بإجلاء المدنيين وسط القتال الذي خلف ما لا يقل عن 528 قتيلا وأكثر من 330 ألف نازح.
بيْد أن السؤال الملح في قلب الأزمة السودانية، والذي طرحته الصحيفة الأمريكية، هو ما إذا كانت الولايات المتحدة قد أخطأت في تقدير مدى صعوبة إدخال الديمقراطية في بلد له تاريخ طويل من الحكم العسكري، ومخاطر التفاوض مع رجال أقوياء "يتحدثون عن الديمقراطية ولكنهم لا ينجزون أبدا".
وللإجابة على ذلك، يرى مراقبون أن إدارة بايدن، بدلا من تمكين القادة المدنيين، أعطت الأولوية للعمل مع الجنرالات المتنافسين، الجنرال عبدالفتاح البرهان قائد الجيش السوداني، والفريق محمد حمدان دقلو "حميدتي" قائد قوات الدعم السريع، حتى بعد الإطاحة بالحكومة المدنية عام 2021.
"تدليل" الجنرالات
وبالنسبة لأمجد فريد الطيب، مستشار رئيس الوزراء السوداني السابق عبدالله حمدوك فإن كبار الدبلوماسيين الأمريكيين "ارتكبوا خطأ تدليل الجنرالات وقبول مطالبهم غير المنطقية ومعاملتهم كفاعلين سياسيين طبيعيين"، الأمر الذي "غذّى ذلك شهوتهم للسلطة".
ويخلق العنف في السودان نوعا من الفراغ في السلطةـ الذي كان مساعدو بايدن يأملون في تجنبه.
وفي هذا الصدد، يقول جيفري دي فيلتمان، المبعوث الأمريكي السابق إلى القرن الأفريقي الذي عمل على المفاوضات من أجل الحكم المدني: "إذا استمر هذا القتال فسيكون هناك إغراء كبير بين الجهات الخارجية للقول: إذا كان هؤلاء الرجال سيقاتلون حتى الموت، فمن الأفضل أن ندخل هناك، لأننا نفضل هذا الرجل، أو هذه المؤسسة".
وللتعليق على الأمر، ذكرت صحيفة "نيويورك تايمز" أن وزارة الخارجية والبيت الأبيض رفضا التعليق.
غير أن الصحيفة ذاتها تطرقت لورقة استراتيجية للبيت الأبيض بشأن أفريقيا، والتي صدرت في أغسطس/آب الماضي، مفادها أنه "من خلال إعادة التأكيد على أن الديمقراطية توفر فوائد ملموسة يمكن للولايات المتحدة أن تساعد في الحد من تأثير الدول الخارجية والجماعات غير الحكومية السلبية، وتقليل الحاجة إلى التدخلات المكلفة ومساعدة الأفارقة على تحديد مستقبلهم".
وأمس الأربعاء، وافق طرفا الصراع في السودان على هدنة أسبوع، هي الأطول منذ بداية المعارك قبل 20 يوما، ترسم واقعا قاتما في البلاد رغم جهود الحل.
وخلال الأيام الماضية، تدرجت الهدن المختلفة من 24 ساعة إلى 72 ساعة، قبل أن تصبح أسبوعا، لكنها اشتركت في شيء واحد، حدوث اختراقات واسعة النطاق لوقف إطلاق النار.