"داعش" في موزمبيق.. إرهاب يمدد سنوات الصراع
في موزمبيق الواقعة جنوب شرق أفريقيا، يسعى تنظيم "داعش" للسيطرة على مشاريع الغاز عبر تأسيس إمارته وتهديد دول جنوب القارة السمراء.
وجود مجموعة مسلحة موالية للتنظيم الإرهابي، نجحت قبل أشهر، على مدينة بالما عاصمة الغاز في موزمبيق، شكل أكبر تهديد ليس فقط لأمن واقتصاد البلاد، بل لمصالح كبرى الشركات العالمية للطاقة، سواء الأمريكية منها أو الفرنسية والإيطالية والصينية وحتى اليابانية.
إرهاب يمدد سنوات الصراع في بلد بات يسجل مؤشرات مثيرة للقلق في عدد ضحايا التنظيم والنازحين، في محصلة تضاف لضحايا العنف المستمر منذ نهاية الحرب الأهلية عام 1992.
وفي أبريل/نيسان الماضي، انسحبت المجموعة النفطية الفرنسية العملاقة "توتال" من موزمبيق، معلنة وجود قوة قاهرة بمشروع للغاز الطبيعي المسال بقيمة 20 مليار دولار، أكبر استثمار خاص في أفريقيا.
وسحبت الشركة طاقم موظفيها من موقع أحد المشروعات في محافظة كابو ديلجادو، بعد هجوم لمسلحين تابعين لتنظيم داعش استهدف بلدة قريبة في مارس/آذار المنقضي.
إميلي إستل، الباحثة بمعهد "أمريكان إنتربرايز"، ترى أن هذه الخسائر البشرية تجعل حتى تلك التكلفة المالية الباهظة صغيرة، إذ أسفرت أعمال العنف في موزمبيق منذ عام 2017 عن مقتل أكثر من 2500 مدني.
وأشارت إستل، في مقال منشور بمجلة "فورين بوليسي" الأمريكية، إلى أن عدد النازحين داخليًا قفز من 70 ألفًا في 2020 إلى 700 ألف في 2021، ويواصل الزيادة، كما تصاعدت وحشية الصراع، مع ظهور تقارير متواترة بشأن عمليات قطع الرؤوس والاغتصاب.
وقالت إن تلك المشاهد تعتبر تحولًا كبيرًا بالنسبة لبلد كان يأمل في تجاوز سنوات الصراع؛ إذ وقعت حكومة موزمبيق اتفاق سلام مع المتمردين عام 2019، في أحدث محاولاتها لوقف العنف المستمر منذ نهاية الحرب الأهلية عام 1992.
وبحسب الباحثة، فإن الحزب الحاكم كان يراهن على الغاز الطبيعي باعتباره تذكرة موزمبيق لتحقيق الازدهار، لكن أصبح الجزء الأكبر من إنتاج الغاز الطبيعي المخطط له معلقا وقد يستمر الأمر إلى ما لا نهاية.
وفي هذه الأثناء، تعتبر الباحثة أن نزاع كابو ديلجادو يزيد الشرخ بين جيش موزمبيق وشرطتها، كما أصبحت خطط التدخل الإقليمي غارقة في براثن المنافسة.
لكن هذا التمرد، من وجهة نظر إستل، يكرر نهجًا موجودًا في شتى أنحاء أفريقيا؛ إذ تعمل الجماعات المتطرفة، مثل "القاعدة" و"داعش" وما شابههما، على تحويل الصراعات المحلية إلى منصات انطلاق لحركات عالمية.
وأشارت إلى أن التمرد في كابو ديلجادو متجذر في الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية، وتعتبر شمال موزمبيق موطنا لكثير من الأقلية المسلمة التي لطالما تم تهميشها بعيدا من السلطة السياسية المحلية، هذا فضلًا عن الانقسامات العرقية واللغوية التي تغذي الإقصاء السياسي.
وبالنسبة للباحثة، فإن الفساد المستشري والاضطرابات الاقتصادية الطبيعية والمختلقة فاقم التوترات الاجتماعية، وأنتج صراعا أيديولوجيا بالمجتمع الإسلامي في شمال موزمبيق، الأمر الذي تمخض عنه حركة دينية تطورت إلى التمرد المتطرف الموجود اليوم.
لكنها أكدت أن الأسباب المحلية لا تفسر وحدها تطور التمرد، بل أججت المؤثرات الخارجية أيضًا النزاع الديني والسخط الاقتصادي بين الشباب، وتم تجنيد الكثير من المقاتلين المحليين بشبكات "سلفية – جهادية" موجودة بالفعل في شرق أفريقيا، وقامت الأخيرة بإرسال المجندين إلى دول أخرى من أجل تلقي التدريب.
وفي 2017، تحول العنف المتصاعد بين الحركة الدينية وقوات الأمن إلى تمرد شامل، في نهد بدا شبيها ببداية جماعة "بوكو حرام" في نيجيريا.
ولفتت إستل إلى أنه عندما رأى تنظيم داعش فرصة لتخفيف خسائره بأماكن أخرى، أنشأ علاقة رسمية مع الجماعة الموزمبيقية عام 2019، ومنذ ذلك الوقت، ظهرت الأخيرة إلى جانب الفروع الأفريقية الأخرى في الأعمال الدعائية.